إن تقديم النصيحة في مجال ثقافة
العمل والوظيفة لدى الآخرين
ينبغي أن يكون مراعياً للبيئة التي يعيش بها المرء؛ لأنها تؤثر بشكل أو آخر على اختياراته
في الحياة، خصوصا في مساره الوظيفي والمهني نحو مستقبله.
وعليه فامتلاك الحد الأدنى من رأس المال فضلا عن المهارة
والدربة وشيء من الخبرة؛ أمور تكاد تكون ضرورية للبدء في مشروع تجاري أو استثماري خاص،
تطبيقا للمبدأ الوارد في الهدي النبوي بأن "تسعة أعشار الرزق في
التجارة".
ولكن هذا لا يكفي دون العمل بالمبدأ النبوي الآخر "اعقل وتوكل"، الذي يحث
على الأخذ بالأسباب قبل المضي قدما بأي عمل.
ومن مقتضيات ذلك دراسة البيئة المحيطة وفرص
الاستثمار فيها
والقوة الشرائية وشبكة الأمان القانونية والاجتماعية التي تحمي الشخص وعمله؛ وإلا كيف
ينجح صاحب محل خضار يدفع إيجاره وضرائبه وفي مقابله من يعملون في الشارع دون إيجار
أو ضريبة، وإن اعترض احتجوا عليه بأن الأرزاق على الله، والرزق سيأتيك فلا تجزع! ويتناسون
الأمر الرباني "فاسعوا في مناكبها"، ومن مقتضيات هذا السعي احتساب المصروفات
وتقدير الإيرادات المتوقعة وهامش الربح الممكن وجدواه على أرض الواقع.
امتلاك الحد الأدنى من رأس المال فضلا عن المهارة والدربة وشيء من الخبرة؛ أمور تكاد تكون ضرورية للبدء في مشروع تجاري أو استثماري خاص
في دول غربية كثيرة إذا فتحت مشروعا تجاريا وخسرت به، تعود
للعمل لدى الآخرين، وإن لم تجد تقدّم لك الدولة معونة اجتماعية تعيش منها ريثما تعثر
على عمل. وهذا يشجع الشباب على خوض التجارب الاستثمارية والتجارية، ولكن لا يكتفون
بذلك فهم يدرسونهم في المدارس -وخصوصا الثانوية- إلى جانب اللغة والرياضيات والكيمياء
والأدب؛
مهارات التجارة والاستثمار ومبادئ الاقتصاد، ويجبرونهم على التدرب أسبوعين
في شركة خلال دراسة الصف العاشر، ثم يشجعونهم على العمل الجزئي إلى جانب الدراسة.
في بريطانيا على سبيل المثال تجد رقم الضمان الاجتماعي
المسمى "National
insurance number" يصل الشاب/ الشابة بورقة رسمية مع بلوغ
سن السادسة عشر، وبذلك يستطيع العمل بشكل رسمي لدى الآخرين. وتركز معظم الجهات على
المهارات التي يمتلكها الشخص أكثر من شهاداته، وقد أصبحت المقابلة هي الأساس في التعيين
ولم تعد السيرة الذاتية هي الأولى ولا حتى الثانية في معايير التوظيف.
من الضروري في سياق الحديث عن الاستثمار والعمل الحر الإشارة
لأخطاء يقع فيها كثيرون وتساهم في سقوطهم بشكلٍ مدو بعد نجاح وتميز قد يستمر لسنوات،
ومن ذلك:
- التشعب السريع في العمل الحر بشكلٍ فوق قدرة الشخص على
المتابعة مؤسسيا أو فرديا.
- التنعم بأموال المستثمرين والتوسع بها معيشيا من حيث
العقارات والسيارات، مظنّة وصول أموال أخرى من غيرهم، والأسوأ الاعتقاد أنها أرباح
صافية لصاحب المشروع وليست حقوقا للمساهمين معه.
- عدم إعطاء الخبز لخبازه، فلا تجده يتعامل مع مدقق حسابات
محترف ولا مع موظفين أكفاء، وإنما يحيط نفسه بأقرباء أو أصدقاء لا يفعلون شيئا أكثر
من التصفيق له، إن لم يتآمروا عليه في كثير من الأحيان؛ حيث يسمسرون عليه وعلى مشاريعه.
هذا لا يعني التحذير من العمل الحر الذي باركته السنة النبوية، بل يقتضي إعطاء الأمر حقه من العناية والرعاية والدقة والقيام على المشروع والإشراف عليه بشكل مباشر شريطة الفهم به
- تقديم شهوة الشهرة والحياة الرغيدة والألقاب الكثيرة
والمكاتب الفارهة، على حساب العناية بالمشروع والاهتمام المباشر به.
وملاحظات أخرى عديدة، تجعل المغامرة الجميلة المحمودة في
الاستثمار والعمل الحر حماقة تكلف صاحبها السجن أو الهروب خارج البلد في كثير من الأحيان،
ويخفف عن أحدهم سوء المآل في كثير من الأحيان، بقية خير قام به هنا، أو دعوة صالحة
هناك،
إن الأخذ بالأسباب جميعا ضروري بين يدي حسن التوكل على
الله عز وجل، ومراعاة الأمانة وحقوق الناس خط أحمر تقع عند تجاوزه المهالك دنيا وآخرة.
وهذا لا يعني التحذير من العمل الحر الذي باركته السنة النبوية، بل يقتضي إعطاء الأمر
حقه من العناية والرعاية والدقة والقيام على المشروع والإشراف عليه بشكل مباشر شريطة
الفهم به.
وعلى قاعدة الشيخ محمد راتب النابلسي الذي يقول: عليك أن
تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله تعالى وكأنها لا شيء.
twitter.com/adnanhmidan