أفاضت الأخبار بذكر ثلاثة من فرسان
مصر و"نجوم" الدب الأكبر، التي يهتدي بها الناس في ظلمات البرِّ والبحر والجو، وأنهم انسحبوا من مشاهدة عرض فيلم "ريش"؛ ليس تحرفا لقتال أو تحيزا إلى فئة، وإنما احتجاجاً على الإساءة إلى سمعة مصر التي "زي عود الكبريت". وكنا نسمع بأمثال هذه "البطولات" قبل سنوات احتجاجاً على مواجهة إسرائيليين في مهرجان رياضي أو فني، قذفت بهم قرعة المواجهات الرياضية، إنكاراً للتطبيع، ولا نزال نسمع بأمثالها من أهل الجزائر الكرام، لكن ليس في مصر التي تحولت إلى فرخة منتوفة الريش بأمثال هؤلاء الفرسان الغيورين على سمعة مصر. فقد تبيّن لقادة مصر الجدد أنَّ العدو هو الإخوان المسلمون، وليس إسرائيل الوديعة التي يأكل الهرُّ عشاءها وغداءها وفطورها.
عنوان
فيلم ريش على الملصق مكتوب بالإنكليزية، وكأنَّ الفيلم موجه للخارج، وليس من عنوان بالعربية، ولو في الرتبة الثانية. الفيلم مصنوع للجمهور الغربي قصة وعنواناً، هو تقرير فني مرفوع إلى السادة الخواجات، وقصته غربية وشديدة السواد، فهي كابوسيّة، وكأنها مكتوبة بحبر الكاتب التشيكي اليهودي رائد الكتابة الكابوسية في "المسخ" أو "المحاكمة".
وفي قصة المسخ ينهض بطل القصة غريغور سامسا من نومه ليجد نفسه حشرة، أما بطل قصة ريش التي كتبها أحمد عامر بالتعاون مع المخرج عمر زهيري، فكان أشبه بأبطال حكايات ألف ليلة وليلة، فقد حوّل ساحر مبتدئ الأب في القصة إلى دجاجة، وعجز سحره العظيم عن إعادته إلى هيئته الإنسانية.
وكان يمكن للمؤلف أن يحبك القصة، فيجعل الساحر صاحب ثأر انتقم من الأب فحوّله إلى دجاجة أو خطفه لينتقم منه بسبب خلاف مالي أو عاطفي، وأن يتحول الفيلم إلى دراما مركّبة ذات طبقات، وينتقل بالمشاهد من الغرف القابضة للنفس والدوائر الحكومية المحبطة، لكنه آثر أن يجعل الزوجة هي البطل الأوحد في الفيلم، وأن تجري الكاميرا العمشاء وراءها وحدها، في نهارات سوداء معتمة وخرائب، وجوار مداخن مصانع قديمة، وبشر يشبهون الأشباح بصمتهم أو هزالهم.
القصة الكابوسية والمشاهد السوداء تمضي إلى نهاية الفيلم الكئيب الذي ينتهي بعثور الزوجة على جسد زوجها مطعوناً ومضرجاً بالدماء، وتحاول معالجته فتخفق، فتقتله خنقاً، وتظهر بعض الأنوار في الفيلم. رُشح الفيلم إلى جوائز أوروبية عدّة، ونال بعضها. الأوروبيون يمنحون جوائزهم حسب القرب من العقيدة السياسية والدينية غالباً.
مدة عرض الفيلم ساعتان ثقيلتان في ميزان هذا الزمان، والكاميرا تستعرض آلام الزوجة شبه الخرساء، والتي تتجنب الكاميرا إظهار وجهها أو تتقشف فيه، والتي فزعت لها لجنة مهرجان "كان" وأنصفتها بجائزة، فهم قوم أصحاب غيرة ونخوة يلهفون لنجدة النساء من بطش الذكور. وإذا كان الفيلم يتضمن احتجاجاً سياسياً فهو خفي ومضمر ولا يكاد يرى، ولا يحتاج إلى شجاعة الفرسان الثلاثة. بل إنّ المؤلف دافع عن فيلمه معتذراً عن شبهة الإساءة إلى مصر بأن زمان الفيلم غائم، فلعله زمن الإخوان أو زمن حسني مبارك. وإن نجوماً آخرين نابهين من نجوم البغل الأصغر ذكّروا الجمهور بأن سمعة مصر بخير، ففيها طواويس جميلات وإن منصة الاستعراض تتسع لفرخة على الهامش.
يقول خبر احتجاج الفرسان الثلاثة الغيورين على سمعة مصر إنّ رئيسها الجديد جعل من مصر دجاجة مقدسة، وديكاً يغار عليها من الديوك، وقد فرض صلاة اسمها صلاة تحيا مصر عند كل بيضة ذهبية.
قبل شهر كاد أمريكي زار مصر، وهو يحمل كاميرا أن يُعتقل لأنه كان يصور الشوارع والحجارة والترع، وليس في مصر مشاريع نووية ولا أسرار تحنيط، وقد نُهبت مومياوات فراعنة مصر وأهديت أمتعتهم لملوك الخليج وملوك الغرب، وليس في شوارع مصر أسرار حتى يتبعه الشاويش "فرقع" مسلحاً كما في مغامرات المغامرين الخمسة، ويسأل أمثال فرقع عن جنسيته، وقد كتم الرجل جنسيته حتى يتمتع بذعرهم من الحكومات الأوروبية القوية، ولما علموا بأنه أمريكي ذُعروا وولّوا الأدبار، وانتهى الأمر بمحضر اعتذار في "النقطة" من الأمريكي الذي صنع فيديو "عسل أسود" وبثّه مشكوراً في الشبكة.
الحال من بعضه..
قبل سنوات زارت سيدة سويدية بلدتنا في أقصى الشمال السوري، وليس في بلدتنا اختراعات تُسرق ولا علوم تُنهب ولا مخابر هندسية تُختلس، ليس فيها أيها السادة سوى بعض طوابير الخبز والتموين ومجانين يجوبون الشوارع حفاة، وقبور ذابت أورامها تحت الرياح، وأحياء يعيشون على حوالات النازحين ومعاشات الحكومة، لكن السيدة السويدية عوملت وكأنها جاسوس. النظام الجاسوس الذي يعمل مخبراً للغرب ويرفع له تقارير عن كل مواطن؛ عليم بأنّ بلادنا الشماء قلعة حصينة، ومدينة مكينة، وهو يغار من تقارير زملاء المهنة والكار.
نصحتْ مطربة معروفة اسمها شيرين المصريين بألا يشربوا من مياه النيل إلا بعد غليها، فتتابعت عليها ضفادع الفضائيات وسلاحف النينجا بالنقيق والاحتجاج والإنكار لأنها تنتقد مياه النيل التي تنبع من إثيوبيا، وتعتدي على حصة ملك الموت من الأرواح المصرية التي حان قطافها، ولم تكن سوى نصيحة صحيّة، فهجمت عليها كلاب الفضائيات هجمة كلاب القرى النائية على ذئب شارد حتى إنها بكت ونذرت أن تخرس.
كان حافظ الأسد حكيماً وفاضلاً في العلن، ومجرماً وسفاحاً في السّر، وكان له قول شهير تبرزه الصحافة وهو:
"لا أريد لأحد أن يسكت عن الخطأ أو يتستر على العيوب والنواقص"، فإن ذكر صحافي العيوب والنواقص حقّ عليه العقاب، ولم يكن الأمر يخلو من ذكر بعض العيوب الصغيرة مثل حفرة سببتها العوامل الجوية.
لماذا كل هذه الغيرة على سمعة مصر المقدسة، حتى أصبحت الإشارة إلى عيب صغير في المدينة الفاضلة تستوجب الاعتقال أو التخوين، وفي مصر المديونة للبنك الدولي مليون من أهلها يسكنون المقابر آمنين مطمئنين، ويحلمون بفرخة في الشهر، ليس للأكل، وإنما للنظر والتغريد كطائر زينة في القفص.
في حكاية ألف ليلة وليلة الشهيرة، التاجر والعفريت، يقذف التاجر نواة تمرة من فمه، فيبرز له العفريت ويتهمه بقتل ابنه. يبدو أن العفريت أمن دولة، فيروي ثلاثة عابرين معهم حيوانات للعفريت حكايات حيواناتهم، والحيوانات بشر مُسخوا إلى حيوانات، فيعفو العفريت عن ثلث دم ابنه مقابل كل حكاية كديّة مدفوعة. تقول عبرة الحكايات إنها مسلية تسلي المرء عن أحزانه، لكن النظام المصري يريد أن يسرد حكاياته السعيدة عن المدينة الإدارية العظيمة، وقصص الفنانات الطواويس والترند..
تقول حكاية لها عبرة توافق مقالنا إنّ رجلاً كان يعيش في قرية صغيرة، ولديه دجاج، وكان اللصوص يغيرون عليها ويسرقونها، فذهب إلى شيخ الجامع شاكياً، وطلب منه مساعدته في معرفة اللص، فوعده الشيخ بخير، وفي خطبة الجمعة تحدث الشيخ عن اللصوص الذين يسرقون الدجاج وينسون الريش على رؤوسهم، فمدَّ اللص يده على رأسه متلمساً الريشة.
وهذا ما فعله فتوّات المعلم البطّاوي الغاضبون من فرخة مهرجان الجونة، الذي كثرت فيه الطواويس وأفسدت أو كادت أن تفسد العرض، وتلمّسوا ريش فرخة الفيلم على رؤوسهم.
رسالة المهرجان هي أنّ دجاجة أصابت فتوات أقوى رئيس عربي بالرعب، وأخرى لا تحبونها، وهي أنّ ساحر مصر الجذّاب حوَّل الشعب المصري إلى دجاج جمعية.
twitter.com/OmarImaromar