قضايا وآراء

مصالحة هلامية وحقوق وهمية

إبراهيم بدوي
1300x600
1300x600
تتوالى المفاجآت بجمهورية الأمر الواقع تحت إدارة العسكر، وكان آخرها ما صرح به الجنرال من قبول مشروط لمنح المعارضة السياسية، أو بالأحرى الإخوان المسلمين حق الحياة في مصر، من خلال الاعتراف بهم كمكون وطني له توجه مغاير - لا يتقاطع مع النظام - شريطة الالتزام التام برؤية الجنرالات، والبعد عن الحياة السياسية.

التصريح هو الأول من نوعه بعد ثماني سنوات من الشيطنة المتعمدة للإخوان المسلمين، وتحميلهم مسؤولية النكبات التي حلت بمصر وكوكب الأرض، بدعم مباشر من شركاء النظام الإقليميين، ومخرجات شركات العلاقات العامة ومراكز الأبحاث المشبوهة في الخارج، التي أنفق عليها ملايين الدولارات خلال السنوات الماضية من أجل استعداء الحكومات الغربية عليهم ووصمهم بالإرهاب.

تحدث الجنرال عن إمكانية التصالح مع فصيل "سعى على مدار عقود مضت لصبغ الدولة بصبغة دينية"، مشيرا إلى قبوله بفكر هذا الفصيل بشروط ثلاثة فضفاضة قد تستعصي على التفسير، وهي: أن يحترم مساره (ربما يقصد الاعتراف بشرعية الأمر الواقع)، وألا يتقاطع معه (بمعنى عدم المطالبة بالحكم أو بحقوق سياسية)، وألا يستهدفه (أي لا يتعرض لشخصه بالنقد أو التجريح).

ولم يكتف صاحبنا بهذا الحجر الكبير الذي ألقاه مرغما في مياه السياسة المصرية الراكدة؛ فقد تحدث عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، كفلسفة مصرية ذاتية تؤمن بأهمية تحقيق التكامل في عملية الارتقاء بالمجتمع المصري، وتهتم بمختلف محاور حقوق الإنسان من منظور متكامل ومفهوم شامل لتلك الحقوق، رغم أنه يعتبر حقوق الإنسان قضية هامشية، ونوعا من الرفاهية التي لا ينبغي الحديث عنها في ظل أزمات طاحنة تعصف بالمجتمع.

قد يربط البعض بين تصريحات الجنرال وما ورد على لسان الأستاذ إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد الإخوان، والذي أكد استعداد الجماعة - كفصيل سياسي ضمن منظومة المعارضة - لقبول أي مبادرة تستهدف حلحلة الوضع السياسي في مصر، وإطلاق سراح المعتقلين، ورفع الظلم الواقع على كاهل المواطن المصري، إلا أن سلوك المراوغة والكذب المتواصل، الذي مارسه رأس النظام منذ انقلاب تموز/ يوليو ٢٠١٣ يجعل من الصعوبة بمكان تصديق تلك الوعود الهلامية عنٍ مصالحة ليس لها ملامح أو ضمانات.

عودنا النظام خلال السنوات الماضية على الانحناء بشيء من المرونة أمام عواصف الانتقادات التي تأتي من الغرب، ولا يستطيع معها المقاومة؛ فيتراجع خطوة إلى الوراء ويعلن الإفراج عن بعض السجناء - باستثناء فصيل بعينه - كنوع من المناورة التي تستهدف حفظ ماء الوجه، وفي الوقت نفسه الاستجابة لانتقادات الخارج والمتعلقة بملف حقوق الإنسان.

ويبدو أن الضغوط قد زادت حدتها مؤخرا مع التلويح باستقطاع مبلغ ٣٠٠ مليون دولار من المعونة الأمريكية، وترتبط بشكل مباشر بتحسن في ملف حقوق الإنسان، مع توجه البيت الأبيض نحو الانسحاب العسكري من المنطقة تدريجيا وإدارة المصالح الأمريكية عن بعد. وعبر عن هذا التوجه تصريح للرئيس الأمريكي بايدن بشأن الاعتماد على ملف حقوق الإنسان تزامنا مع ضغوط متوالية تهدف إلى تخفيف الاضطرابات بالمنطقة ككل، وربما يفسر ذلك نوايا المصالحة التي أشار إليها الجنرال.

قد يفسر التقارب المصري مع تركيا جانبا من شروط الجنرال الهلامية التي يصعب الإمساك بها أو حل طلاسمها، فهناك حديث متواصل عن مواءمات تستهدف الإفراج عن جزء من المعتقلين السياسيين لدى النظام، ومنح الضوء الأخضر لإعادة بعض المعارضين السياسيين في الخارج، بعدما تواترت الأنباء حول مفاوضات مع بعض الإعلاميين والمعارضين المهاجرين - الذين تقطعت بهم السبل بالخارج - وعروض لعودتهم الطوعية إلى مصر مقابل إيقاف ملاحقتهم أمنيا، مثل ما حدث مع المخرج خالد يوسف، من أجل التسويق للمبادرة المزعومة وتبييض وجه النظام في مجال حقوق الإنسان.

الأمر لا يعدو كونه مناورة للالتفاف على الضغوط المتواصلة المتعلقة بملف حقوق الإنسان في مصر، نظرا لأن المبادرة المزعومة للتصالح مع الإخوان أو العودة الطوعية لمعارضي الخارج جاءت خالية من الضمانات تماما.

وبينما يسوّق النظام لتوجه جديد نحو مزيد من الحرية وإعادة النظر في الموروثات الثقافية والدينية وفق وجهة النظر الجديدة، التي تكفل حرية الإلحاد؛ إلا أن مجرد التفكير في الحقوق السياسية أو تغيير النظام الحاكم قد يورد صاحبه موارد التهلكة.

حرية الكفر إذا باتت مضمونة؛ لكن حرية التغيير أو اختيار الحكام لا يمكن أن يقبل بها الجنرالات، الذين يفرضون رؤيتهم على الجميع، وسط حالة من الإفلاس الفكري والثقافي، تخطت حدود المعقول وجميع الخطوط الحمراء؛ تستهدف الإطاحة بثوابت الدين، والتقليل من شأنه في أعين عامة المصريين بداعي الحرية والمساواة. وتمثل هذه المحددات أبرز ملامح استراتيجيتهم الوطنية لحقوق الإنسان.
التعليقات (1)
Jordan the hope
الثلاثاء، 14-09-2021 11:11 ص
الانسانيه كثير من مجرمي العصر لا ينتمون إليها ولا الى حتى عالم الحيوانيه. أي والله.