كتب

أطروحات تدحض مقولة الحق التاريخي لإسرائيل في فلسطين (2من2)

"الصهيونية" لا تحمل ميراث اليهودية ولا الإسرائيلية، بل هي نشأة أخرى
"الصهيونية" لا تحمل ميراث اليهودية ولا الإسرائيلية، بل هي نشأة أخرى

الكتاب: أكذوبة أرض إسرائيل
الكاتب: د. محمد البحيصي
الناشر: دار سين للثقافة والنشر والإعلام، دمشق، الطبعة الأولى 2020
(280 صفحة من الحجم الوسط)


حقائق التاريخ حول القدس 

بالنسبة لمدينة القدس، فهي تُعَدُّ من أقدم مدن العالم، إذ إن عمرها 4000 سنة بشكل مؤكد وربما 5000 سنة. فقد كانت مدينة كنعانية قديمة قبل إبراهيم وكل نسله الحقيقي والمزعوم، ومدينة السلام، بفضل تراثها الأصلي الكنعاني.

وعلى نقيض الدعاوى الصهيونية التي تدعي بأن اليهود هم أول من أسس القدس، وهذا جزء من المغالطات الدينية والتاريخية التي تمارسها الإيديولوجية الصهيونية، فإن القدس وفلسطين عامة كانت أرضاً ملكاً للعرب اليبوسيين الذين جاؤوا من بطون العرب الأوائل في الجزيرة العربية، ونزحوا من جزيرة العرب مع من نزح من القبائل الكنعانية حوالي سنة 3000 ق.م وتعاقب على أرض فلسطين كل من الكنعانيين، ثم الفينيقيين، والحثيين، والعموريين، وغيرهم من الأمم التي عاشت على الساحل الفلسطيني وعلى التلال بالوسط وفي غور الأردن.

واستمر الحكم العربي في القدس قرابة ألفي عام إلى أن استولى اليهود على القدس في عهد داود 1004ق.م، الذي اتخذ أورشليم عاصمة له، وأطلق على الحصن الذي بناه اليبوسيون، والذي يعد أقدم بناء في القدس. أما البابليون بقيادة نبوخذ نصر "بختنصر"، فقد فتحوا المدينة سنة 586 ق.م، ودمروها، ونقلوا السكان اليهود إلى بابل "السبي البابلي"، وبعد أن استولى الفرس على سوريا وفلسطين سمح الملك قورش سنة 538 ق.م لمن أراد من الأسرى اليهود بالرجوع إلى أورشليم وأمر بإعادة بناء الهيكل. لكن المدينة لم يبنها اليهود، وليس لهم علاقة بإنشائها وتاريخها، إلا بعد أن فرضهم الملك الفارسي بواسطة نفوذ زوجته اليهودية استير بعد إعادتهم بعقود من بابل.

وقد احتلت القدس مكاناً مركزياً منذ بداية الدعوة الإسلامية وعصر الفتوحات العربية ـ الإسلامية. للقدس دور مختلف في الإسلام، فذكرها يرد في القرآن (سورة الإسراء) في الإشارة إلى "المسجد الأقصى"، الذي أُسري بـ النبي محمد صلى الله عليه وسلم إليه من المدينة ليلاً. 

وتنبع أهمية القدس من كونها قبلة المسلمين الأولى ومن كونها جزءا من عقيدة المسلم، فهي آية من كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والقدس أرض مباركة باركها الله وبارك من حولها، وتقول كتب السير والتواريخ وأخبار الفتوحات أن القدس وحدها دون غيرها من المدن والمناطق التي افتتحها العرب المسلمون في القرن السابع الميلادي، سلمت إلى خليفة مسلم شخصياً هو الخليفة عمر بن الخطاب لما لها من أهمية رمزية بالنسبة إلى الوجود العربي والإسلامي في المشرق. وكان الخليفة عمر مقتنعاً آنذاك بخطورة الحدث التاريخي، فأعطى لأهلها الأمان وتعهد لهم بأن تصان ممتلكاتهم وكنائسهم وبأن لا يسمح لليهود بالعيش بينهم، ومنح الحرية الدينية للمسيحيين مقابل دفع الجزية، وامتنع عن الصلاة داخل كنيسة القيامة، حتى لا تكون سابقة لمن يأتي بعده. وذهب الخليفة عمر إلى موقع المسجد الأقصى لكي يزيل ما كان على الصخرة من أقذار وبنى مسجداً في الزاوية الجنوبية من ساحة الحرم. وتميز الحكم العربي ـ الإسلامي بالتسامح الديني.

وحين بدأت الغزوات الصليبية، احتل الفرنجة القدس سنة 1099، وارتكبوا مذبحة رهيبة في منطقة الحرم الشريف، وذكر أن عدد ضحاياهم بلغ سبعين ألفاً، الأمر الذي يتناقض تناقضاً صارخاً مع تسامح عمر بن الخطاب عندما دخل المدينة، ووضعوا صليباً على قبة الصخرة، وحولوا الأقصى إلى مقر لفرسان الداوية، وجعلوا القدس عاصمة لمملكتهم اللاتينية بدلاً من البطريرك الأرثوذكسي.

وأثارت الحروب مع الفرنجة حماسة واندفاع المسلمين للحرب من أجل تحرير القدس بقيادة صلاح الدين الأيوبي، الذي هزم الفرنجة في معركة حطين سنة 1187 وبعدها دخل القدس، وسمح للفرنجة بمغادرتها.

أرض إسرائيل في الشريعة "اليهودية"

لا يمكن العثور في جميع نصوص الشريعة اليهودية "المشناه، التلمود البابلي، التلمود الأورشليمي، المدراشيم" على كلمة وطن ولم يكن حاخام والمشناه والتلمود مثل سابقيهم مؤلفي أسفار العهد القديم "التناخ" وطنييّن قط.. واليهود الذين عاشوا في بابل تماماً كما اليهود والمتهودين الآخرين في حوض المتوسط لم يروا ضرورة في الهجرة إلى أرض التناخ رغم قصر المسافة وانتقاء الموانع.. والظهور الأول لمصطلح "أرض إسرائيل" كان ردّة فعل على التسمية الرومانية لمنطقة يهودا بعد تمرّد "باركوخبا" كما سبق وذكرت كذلك ردّاً على موجة الدخول في المسيحية من قبل اليهود..

كما أن تدمير القدس ومنع اليهود من الدخول إليها أدّيا إلى ارتفاع درجة العاطفة والارتباط الوجداني بهذه الأرض باعتبارها تضم جملة من ذكريات الماضي والتي عادة ما يحنّ إليها عامة الناس ..

ولمّا كان اسم "أرض إسرائيل "قد ولد كما ذكرنا في القرن الثاني للميلاد، فقد وجدنا في الكتب المتأخرة للشريعة اليهودية التي كُتبت بعد ذلك التاريخ، حيث كُتبت المشناه وهي التعاليم اليهودية الشفوية سنة210 للميلاد، وأما التلمود الأورشليمي فقد كُتب سنة 425 ميلادية، والتلمود البابلي كُتب في سنة 550م وفيها ظهر هذا المصطلح مدوّناً في حين أنّه غاب تماماً في أسفار العهد القديم.

جاء في التلمود البابلي: "الهيكل أعلى من كل أرض إسرائيل, وأرض إسرائيل أعلى من جميع الأراضي".وجاء: "عشر ركائز من الحكمة نزلت على العالم تسعّ أخذتها أرض إسرائيل, وواحد لكل العالم".

ومع هذه القداسة التي ظهرت فجأة في النصوص التلمودية إلّا أنّ نفس النصوص لم تدعُ اليهود إلى العودة إلى هذه الأرض المقدّسة، وأكثر من ذلك فإنها منعت من العودة إليها لغرض الإقامة فيها، أمّا الزيارة فلا بأس بها.
 
جاء في التلمود البابلي: "ممنوع الخروج من بابل إلى باقي البلدان"، "كل من يقيم في بابل كأنه مقيم في إسرائيل".

والبعض حاول تفسير النفي إلى بابل على أنّه عودة إلى بيت أبيها إبراهيم، ومثل ذلك مثل امرأة تخاصمت مع زوجها وتركته إلى بيت أبيها وهذا الموقف لا يدعم صورة المنفى والبلاد الغريبة التي ضُخّمت فيما بعد.

وحتى ولادة الصهيونية "اليهودية" في نهايات القرن التاسع عشر، كان عدد لا يكاد يُذكر من اليهود قد تخيّل أن الأراضي المقدّسة كانت أو قد تكون إقليماً قزمياً لليهود، وقد تجاهلت الصهيونية التقاليد والتراث والوصايا والفرائض وآراء معظم الحاخامات فقررت التحدّث باسم أولئك الذين رفضوها مطلقاً وعارضوها.

وليست هذه الحالة الأولى في التاريخ من الإتيان بفعل "استبدالي" كهذا فقد تحدّث اليعاقبة بثقة مطلقة باسم الشعب الفرنسي الذي لم يكن قد تبلّور حقاً، ومثلما وضع البلاشفة أنفسهم بديلاً تاريخياً عن البروليتاريا التي بالكاد بدأت تتبلور في الإمبراطورية الروسية.
 
يقول الباحث البحيصي: "وهكذا نقل الصهيونيون وطنهم المتخيّل إلى قلب اليهودية، واعتبروا أنفسهم موكّلين ومفوّضين ليكونوا ممثلها الحصري.. ونجحت الصهيونية في خاتمة المطاف بتأميم خلاصات الحوار اليهودي الديني وبهذا وكما يقول شلوموساند: "أصبحت الأراضي المقدسة حيّزاً محدوداً أكثر أو أقل يُفترض أن يكون بملكيّة أمّة.. وباختصار بدأت تصبح في القرن العشرين "أرض إسرائيل" وأما رأي اليهود المتديّنين مثل جماعة ناطوري كارتا "حراس المدينة" فإنه يذهب إلى أنّ اليهود قد عاشوا كشعب في الأرض المباركة حينما كانوا يطيعون الله، ولكن عندما عصوه أخذ الله منهم الأرض وشتتهم.. ومنذ ذلك الوقت مُنعت عنهم الأرض بقرار توراتي واضح وشديد المعنى، وحُرمت عليهم إقامة مملكة بالأرض المقدّسة أو أي مكان آخر، وأنّ عليهم أن يكونوا موالين للممالك التي يعيشون تحت سلطانها، وتقديس اليهود للأرض المقدّسة لم يكن بهدف إقامة دولة سياسية بها، ولكن بهدف إقامة الشعائر الدينية والتمتّع بقدسيتها، والصهاينة ليس لهم حق في الأرض المقدسة وهم لا يمثلون الشعب اليهودي وليس لهم الحق بالتحدّث باسم اليهود، ويرون أنّه لا يجب أن يقوموا بشيء من شأنه إنهاء حالة الطرد من الأرض المقدّسة التي عاقبهم الله بها كذلك حتى مجيء المسيح المخلّص، ويؤمن هؤلاء بأن دولة "إسرائيل" ستنهار لأنه ليس لها أي أساس قانوني أو شرعي وفق التوراة.

أمّا رأي الصهيونيين المتدينين "همزراحي" وهم المنخرطون اليوم في حزب "البيت اليهودي" فإنهم ومع اعترافهم ودعمهم لدولة إسرائيل، واعتبارهم إمكانية أنّ يكون الخلاص على يد غير المسيح، إلّا أنّهم يذهبون في نفس الوقت إلى أنّ "الربّ قد وعد" "بني إسرائيل" بأرض إسرائيل، لكنّه لم يمنحهم صك الملكية مع إعلان الوعد، فالموقع ونظراً لكونه مقدسا بالذات إلّا أنّه كان هبة مشروطة في الماضي، ولن يصبح في يوم من الأيام ملكاً حقيقياً بالكامل لبني البشر حتى وإن كانوا أبناء الشعب المختار، وأن قيام "إسرائيل" يعتبر حلّاً لضائقة حقيقية حلّت باليهود لا إحقاقاً لحق إلهي، ولذا فإنّها ترى "إسرائيل" بلاد ملاذ ليس أكثر"(ص90).

لقد أدركت الصهيونية أنّه من غير الممكن تبرير وشرعنة ممارسة سياسية ما من دون مرتكزات وأسانيد أخلاقية. صحيح أنّ القوة تُخرج إلى حيّز التنفيذ أي مشروع جماعي، لكنّه يبقى مؤقتاً ومعلقاً في الهواء إن لم يكتسب شرعية قيمية، ولذا لجأت الصهيونية إلى التسلّح بمبدأ "الحق" في سعيها نحو تحقيق أهدافها الحقوقية، وأنشأت لنفسها منظومة من المسّوغات القيمية القانونية يجمعها قاسم مشترك عُرّف ب"الحق التاريخي" أو "حق الأوائل" بمعنى: "كنّا هنا وعدنا" .

وقد أصبحت التوراة كتاب التاريخ الأول لأي طالب وطالبة من الجالية الصهيونية في فلسطين، ولا يزال كذلك إلى يومنا هذا كمصدر للحديث عن "الحق والامبراطورية الخزرية جنوبي روسيا، وملوك حمير في اليمن فإنه من المواضيع المحرّمة، لأنّ المطلوب تركيز التوجّه نحو فلسطين وربط الجماعات اليهودية بهذه الوجهة الواحدة وبما ينسجم مع مصالح وتطلعات الجهات الرّاعية لهذا المشروع.

أكذوبة أرض إسرائيل

لقد جاء صك الانتداب على فلسطين الذي تبنّته عصبة الأمم سنة 1922 ليقرّر العلاقة التاريخية لليهود بالمكان دون أن يتحدّث عن الحق التاريخي، وكان هذا مقدّمة وتوطئة للهجرات اليهودية المكثّفة إلى فلسطين ومتزامناً تقريباً مع إغلاق الولايات المتحدة لأبواب الهجرة اليهودية إليها لدفعهم إلى فلسطين. ومن هنا تمّ وضع نظرية: "للعرب في أرض إسرائيل كل الحقوق، لكن لا سيادة لهم أبداً على الأرض"، وأن العرب استولوا على "أرض إسرائيل" في العام 637م وبقوا فيها بوصفهم محتلين، والاحتلال لا يترتّب عليه ملكيّة تاريخية مهما طال الزمن إلّا باعتراف صاحب الأرض الأصلي.

الشتات

الشتات في "اليهودية" قدر مقدّس وهو موروث أصيل عن الجماعة الأولى التي يعدّ اليهود أنفسهم امتداداً لها ويعني بهذه الجماعة "أسباط بني إسرائيل"، حيث لم يعرف آباء هذه الجماعة وهم "إبراهيم وإسحق ويعقوب عليهم السلام" إلّا حياة "الغربة" التي تشبه حياة البداوة التي لا تولي أهمية للتوطّن. وهنا فإن الباحث في هذا الموضوع يتحدّث بلسان حال القوم، وكيف تعاطوا مع المكان حيث حلّوا، ليبيّن كيف أن "الصهيونية" لا تحمل ميراث اليهودية ولا الإسرائيلية، بل هي نشأة أخرى لا علاقة لها بحقيقة التراث " الإسرائيلي" أو "اليهودي"، وإنّما هي على العكس من ذلك، تماماً فيما يخص فكرة العلاقة مع فلسطين والعودة إليها كما يقولون.

يقول الباحث البحيصي في هذا المجال: "فرسول الله إبراهيم "عليه السلام" عاش عمره كله غريباً في أرض كنعان أو "فلسطين"، وقد رأينا حقيقة ذلك حين تحدثنا عن سفر التكوين.. وإسحق "عليه السلام" كان كذلك. ثم جاء الأرض حيث رزق بكل أولاده هناك إلّا "بنيامين" شقيق يوسف الأصغر، ثم هاجر بعد ذلك إلى مصر حيث يوسف وفيها ماتا ودفنا قبل نقل رفاتهما إلى مغارة المكفيلة في الخليل. 

وموسى "عليه السلام" وُلد في مصر، وفي سيناء نزلت عليه التوراة، وهو من الأسباط الذين أقاموا في مصر منذ زمن يوسف إلى حين الخروج وهي مدة 430 سنة بحسب نص العهد القديم، ولم يفكر أحد من بني إسرائيل طيلتها بالعودة إلى فلسطين رغم كل ما قيل عن الوعود.. ولولا الاضطهاد الفرعوني لهذه الجماعة البشرية لطال وجودهم في مصر إلى ما شاء الله، ولكن جاء موسى "عليه السلام" بدعوة التوحيد والتحرير معاً، وإزاء رفض واستكبار واستعلاء فرعون كان لا بدّ من مفارقة المكان الذي هو تحت سلطانه إلى أرض أخرى يمكن لهذه الجماعة أن تعبد الله فيها بعيداً عن ظلم فرعون وقهره وكفره، وقد قصّ علينا القرآن هذا الأمر بالتفصيل في غير ما سورة وموضع"(ص104). 

 

إقرأ أيضا: أطروحات تدحض مقولة الحق التاريخي لإسرائيل في فلسطين (1من2)


التعليقات (1)
مهدي المولى
الثلاثاء، 05-10-2021 05:26 م
اليوم حكم القوة وليس حكم الحق فكلما كنت أقوى كل ما تفعله كل ما تريده انت على حق فأسرائيل دولة قوية لهذا فالحق معها ولها لهذا أمام العرب المسلمين الفلسطينين أن يكونوا أقوى من إسرائيل عند ذلك تكون فلسطين والقدس لهم ومن حقهم