قضايا وآراء

طالبان وقوانين القبيلة وأحكام الجغرافيا

هاني بشر
1300x600
1300x600


تحتل حروب أفغانستان قسما كبيرا في متحف الجيش الوطني البريطاني الواقع في حي تشلسي بلندن. يفاجأ الزائر بأن متحفا مثل هذا يحتفظ ويؤرخ بالصوت والصورة لثلاثة حروب خاضتها الإمبراطورية البريطانية في أفغانستان في أعوام 1839 و1878 و1919 بالإضافة للحرب الأخيرة التي بدأت عام 2001 التي تعد حربا رابعة هناك. والخلاصة التي يعرضها المتحف أن الأفغان لم ينسوا تاريخهم الاستعماري مع البريطانيين وأن جبال أفغانستان هي مقبرة الغزاة. 

هذه العبارة الأخيرة وردت أيضا على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن في معرض حديثه عن الانسحاب النهائي لقواته بعد عقدين من الحرب الطاحنة هناك. الأمر الذي يثير التساؤل عن أسباب خوض مثل هذه الحروب مادامت القناعات الراسخة عند السياسيين والمؤرخين الغربيين أنها حرب يصعب الفوز فيها. وأيضا عن أسباب السماح بعودة طالبان للحكم مرة أخرى بهذه الطريقة المفاجئة.
 
السؤال الأول يبدو أنه مرتبط بفكرة المصالح المؤقتة تماما كعنوان أحد الغرف في هذا المتحف المكتوب عليها "حروب المصالح". أما السؤال الثاني فيرتبط بطبيعة النظام الدولي القائم في العالم منذ أكثر من مائة عام والذي يقبل التعامل مع كل أطر الانتماء المحلية والقطرية ويحارب أية هويات أممية بغض النظر عن طريقة الحكم والإدارة والانحيازات الدينية والمذهبية ما دامت داخل الإطار القطري والوطني. ولهذا فإن حركات التحرر الوطني ضد الغزو الأجنبي عادة ما تجد لها حواضن دولية تمهيدا للاعتراف بها لاحقا. من هذا المنطلق كان التعامل الغربي مع ظاهرة طالبان هي مسألة وقت. 

وقد رصدت بوادر الانفتاح على الحديث مع طالبان منذ عام 2008 أثناء إعدادي لفيلم وثائقي عن حلف شمال الأطلسي الناتو، وكانت لهجة الصحف الغربية وقتها بعد سبع سنوات من الحرب في أفغانستان أن التحالف الدولي هناك لم ينتصر ولم ينهزم على حد وصف هذه الصحف. ومن المعلقين من قال صراحة بأننا هزمنا في أفغانستان وهي حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.

 

إن العادات والقوانين القبلية الأفغانية وخاصة البشتون هي المكون الأكبر في تكوين سلوك وفكر تنظيم مثل طالبان الذي نشأ في الأساس لأغراض إدارية محلية في أعقاب فراغ السلطة الذي أعقب انسحاب السوفييت وانتهاء الحرب الأفغانية. هذه العادات والتقاليد يتوافق قسم كبير منها مع أحكام شريعة إسلامية موجودة في الفقه الإسلامي.

 



تعرف الدوائر الغربية أكثر من غيرها قوانين مثل "بشتون والي" الذي لا يسمح بتسليم أي شخص أخذ عهد الأمان من القبيلة إلى أعدائه وأنه لو كان هناك رجل آخر بخلاف الملا عمر من دون خلفيته الدينية في منصبه كان سيطبق القانون ذاته مع بن لادن عام 2001 متحملا نفس المخاطر التي خاضتها طالبان في ذلك الحين. كما تعرف الدوائر ذاتها أن الطبيعة الوعرة هناك تجعل من الحروب النظامية قطعة من العذاب وتتيح للأفراد والمجتمعات التخفي بسهولة والتنقل عبر القبائل والحدود بيسر وسهولة. وهو الأمر الذي أثبتته السنوات اللاحقة لحرب عام 2001. 

إن العادات والقوانين القبلية الأفغانية وخاصة البشتون هي المكون الأكبر في تكوين سلوك وفكر تنظيم مثل طالبان الذي نشأ في الأساس لأغراض إدارية محلية في أعقاب فراغ السلطة الذي أعقب انسحاب السوفييت وانتهاء الحرب الأفغانية. هذه العادات والتقاليد يتوافق قسم كبير منها مع أحكام شريعة إسلامية موجودة في الفقه الإسلامي. 

أتصور أن الدول الغربية تدرك هذا جيدا بخلاف كثير من التحليلات التي تركز على أمور العقيدة الدينية والتعليم الديني لطالبان والذي لا أعتقد أن له دورا كبيرا في سلوكها في الحكم والسياسة وإنما يتعلق الأمر بالسلوك القبلي المحلي. وربما يفسر هذا الأمر كثير من التناقضات في الفكر والسلوك عند طالبان وما قد يصفه البعض بالمرونة في بعض القضايا حاليا. إذ أن هذه المرونة لا تمس بشكل رئيسي العادات والسلوك القبلي بقدر ما تتعلق بقضايا فقهية دينية. 

الخلاصة أن تكوين طالبان قابل للانفتاح في كل ما يتعلق بما هو غير قبلي طالما توفرت له أسانيد شرعية دينية استطاعت شخصيات وهيئات ذات مصداقية أن تقنعهم بها. لكن لا يتوقع أن يحدث أي انفتاح أو تغيير في كل ما يتعلق بالعادات القبلية وخاصة قوانين مثل "بشتون والي"..

twitter.com/hanybeshr


التعليقات (0)