قضايا وآراء

دعوة لإلغاء التعليم العام وتعميم التعليم الأزهري في مصر

هاني بشر
"المشكلة التي يعاني منها التعليم المصري هي مشكلة بنيوية هيكلية"- الأناضول
"المشكلة التي يعاني منها التعليم المصري هي مشكلة بنيوية هيكلية"- الأناضول
التعليم هو البنية الأساسية لأي مجتمع حديث أو قديم، وهو مؤشر على مدى نهضة أو تراجع الأمم والمجتمعات. وقد كان للتعليم وتطويره في خطاب المصلحين العربي الكبار خلال مئتي العام الأخيرة نصيب الأسد، غير أن التجربة العملية أثبتت أن مؤشر التعليم المدني المصري الحديث ينحدر مع الوقت، وهو أمر مرتبط بنشأة هذا النمط من التعليم أكثر من كونه مرتبطا بأي سياسات اجتماعية أو اقتصادية أو حتى سياسية.

المشكلة التي يعاني منها التعليم المصري هي مشكلة بنيوية هيكلية لمنهجية تعليم كانت تتوق للنموذج الأوروبي من جهة، وترى في التعليم الديني التقليدي مشكلة تحتاج إلى حل من جهة أخرى. وعلى هذا المنوال سارت فلسفة التعليم الرسمي المدرسي والجامعي، ولذلك لم يكن مستغربا أن يطالب المذيع تامر أمين بإلغاء دراسة المواد الأدبية مثل الفلسفة والمنطق وغيرها من المواد. ورغم ألم الطلب إلا أن الواقع يقول فعلا بأن هذه المواد هي مثار تندر الطلاب وسخريتهم، ولا يدرسونها سوى
المشكلة التي يعاني منها التعليم المصري هي مشكلة بنيوية هيكلية لمنهجية تعليم كانت تتوق للنموذج الأوروبي من جهة، وترى في التعليم الديني التقليدي مشكلة تحتاج إلى حل من جهة أخرى. وعلى هذا المنوال سارت فلسفة التعليم الرسمي المدرسي والجامعي
من باب الحفظ للنجاح في الامتحانات وليس لها تأثير يذكر على تفكيرهم وسلوكهم. وهذا ليس تأييدا لهذه الدعوة الغريبة، ولكن مواجهة لواقع أليم ينبغي التعامل معه بواقعية وليس بمثالية.

إنني متعاطف مع مدرسي اللغتين الفرنسية والألمانية الذين صُدموا بقرار أن يتحول تدريس المادتين إلى مواد نجاح وسقوط، مما يعني حرمانهم من الدروس الخصوصية، لكن ينبغي الانتباه إلى أن مثل هذه اللغات حتى في دول المغرب العربي أصبحت هناك دعوات كثيرة لإلغاء تدريسها. الأَولى للطالب المصري أن يدرس الصينية أو التركية كلغة أجنبية وليس الفرنسية الآن، وأن لا يتم هذا بشكل يحرم هؤلاء المدرسين من حقوقهم.

لقد غفلنا عن أن هناك منظومة تعليمية تقليدية دينية ممثلة في التعليم الأزهري حاربت للاحتفاظ بموقعها كمسار تعليمي منفصل، ولكن للأسف بعيدا عن النخب وعن طموحات الطبقات المتوسطة والعليا التي جنحت مع الوقت نحو المدارس الأجنبية؛ سعيا نحو تأمين مستقبل أفضل لأبنائهم ومن ثم وسيلة للترقي الطبقي والاجتماعي. ولم يعان التعليم الأزهري من المشاكل ذاتها التي يعاني منها التعليم المدني، بل بالعكس، كان قادرا على جذب طلاب من الدول الإسلامية المختلفة وله فروع في مناطق مثل غزة؛ لا يزالون يرونه تعليما مثاليا.

تنبغي مواجهة الحقائق التاريخية المجردة التي تقول بأن تجربة تحديث التعليم في مصر خلال عقود سعيا وراء تغريبه تحت ستار تطويره؛ لم تثمر سوى صورة مشوهة من التعليم الأجنبي الذي دخل مصر في عهد الاستعمار، وليست لديه مقومات الاستمرار ولا مقومات النهوض. كما أن تهميش التعليم الديني التقليدي لم يكن خيارا شعبيا بقدر ما كان قرارا نخبويا فوقيا متعاليا على الناس أثناء الاحتلال الأجنبي وأثبت الزمن خطأه.

تجربة تحديث التعليم في مصر خلال عقود سعيا وراء تغريبه تحت ستار تطويره؛ لم تثمر سوى صورة مشوهة من التعليم الأجنبي الذي دخل مصر في عهد الاستعمار، وليست لديه مقومات الاستمرار ولا مقومات النهوض. كما أن تهميش التعليم الديني التقليدي لم يكن خيارا شعبيا بقدر ما كان قرارا نخبويا فوقيا متعاليا

الحل الذي اقترحه وأدعو إليه هو تعميم تجربة التعليم الأزهري على مراحل التعليم في مصر من الابتدائي وحتى الثانوي، لعدة أسباب:

أولها، أن الزحف مستمر من التعليم العام للأزهري بسبب الوضع البائس الذي وصله التعليم المدني العام في مصر، وبالتالي فمن الناحية العملية هذا مجرد تقنين لظاهرة غالبا ستزداد في الفترة القادمة.

وثانيا، أن التعليم الأزهري يشتمل على المواد التطبيقية والعلمية إلى جانب العلوم الشرعية، فلن يفقد الطالب أي مواد علمية من التي يفترض أن يدرسها، كما أن المواد الأدبية من فلسفة أو منطق سيدرسها كما يدرسها الأزهريون في إطار علوم المعقول وهي أفضل ألف مرة من المناهج في التعليم المدني.

وثالثا، أن هذا النظام التعليمي مستمر منذ أكثر من ألف عام وقائم بالفعل، ولن يكلف الدولة مغامرة الدخول في تجارب جديدة تزيد من أعباء أولياء الأمور والطلاب، كما أن التحول له سيكون إجرائيا وليس معتمدا على تغيير جذري في المناهج.

ورابعا، سيضمن أن الثقافة الدينية العامة ستكون نابعة من المنهج الأزهري الوسطي، مما يجنب البلاد والعباد مشاكل التطرف الذي خرج معظم رموزه من التعليم المدني وليس الأزهري.

ستكون هناك بلا شك بعض التحديات التي يمكن التغلب عليها بسهولة، مثل تدريب بعض كوادر مدرسي اللغة العربية لتدريس العلوم الشرعية وإشراف الأزهر بشكل كامل على التجربة، كما أن وضع الإخوة المسيحين في هذا الإطار يمكن أن يتم عبر مواد أخرى يدرسونها أو بتجنب دراستهم العلوم الشرعية.

x.com/HanyBeshr
التعليقات (0)