هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: وكأنها ديمقراطية "القوة الناعمة الأمريكية"
المؤلف: محمد شمس عبد الشافي
الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر- 2019
عدد الصفحات: 384 صفحة
لعبت منظمات المجتمع المدني في العالم العربي دورا رئيسيا في التحولات التي شهدتها المنطقة العربية والإسلامية في أواخر القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية.
وقد أثار تنامي عدد هذه المنظمات وما طرحته من ملفات حقوقية واجتماعية جدية، العديد من التساؤلات وعما إذا كانت هذه المنظمات ذراعا حقوقية لأطراف سياسية دولية راغبة في التوسع عبرها.
في هذا الإطار يندرج كتاب "وكأنها ديمقراطية"، الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر، للكاتب محمد شمس عبد الشافي.
الكتاب يركز بالأساس حول موضوع منظمات المجتمع المدني وعلاقتها بالقوة الناعمة الأمريكية؛ في تغيير الخارطة السياسية الدولية.
يناقش الكاتب محمد شمس عبد الشافي الهيمنة الأمريكية على العالم باستخدام وسائل القوة الناعمة لنشر الديمقراطية، وعلى رأسها منظمات المجتمع المدني التي ساعدتها في اختراق المجتمعات والنقابات العمالية، واختراق قوى اليسار الأمريكي والأوروبي والعالمي، ولم يخل الأمر من اللجوء للقوة العسكرية لتحقيق التحول الديمقراطي على الصورة الأمريكية.
واعتبر الكاتب تجربة منظمة "تضامن" البولندية أول تطبيق لمساعي أمريكا في هذا السياق، حيث توحدت لدعمها قوى الولايات المتحدة الأمريكية وما أسماه العالم الحر والفاتيكان.
وحاول الكاتب إسقاط التجربة البولندية على العالم العربي وإيجاد مدخل لفهم السياسات الأمريكية تجاه العالم العربي وتجاه مصر، معتبرا موضوع المجتمع المدني أحد أدوات أمريكا بالمنطقة خاصة في مصر وما نتج عنه لاحقا من ثورات الربيع العربي.
يحتوى الكتاب علي سبعة فصول، تدور جميعها حول العلاقات الممكنة بين منظمات المجتمع المدني وخطط التغيير الجارية في المنطقة..
جاء الفصل الأول تحت عنوان "الهيمنة الأمريكية والدور الأمريكي في الانتقالات الديمقراطية"، وفيه يستعرض الكاتب مراحل الهيمنة الأمريكية والبحث عن الدور، بداية من الخروج من مرحلة العزلة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وإعلان الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون الشهير المتعلق بمبادئ حقوق الإنسان الأربعة عشر، مرورا بمرحلة السعي للهيمنة والمشاركة في الحرب العالمية الثانية وضرب اليابان.
ويشير هنا إلى مشروع مارشال باعتباره بداية سياسة الاحتواء والوقوف في وجه المد الشيوعي، من خلال المساعدات الأمريكية في إعمار ما دمرته الحرب بأوروبا، خاصة ألمانيا من خلال مشروع مارشال، وفي هذا المشروع خصصت الحكومة الأمريكية ١٣مليار دولار أمريكي لعدد من الدول الأوروبية، من بينها إنجلترا وفرنسا وألمانيا الغربية كتدشين للخطة الأمريكية وبداية الهيمنة.
وبعد أن استعرض الكاتب محاولات الهيمنة والحرب الباردة، والتي حسمت لصالح أمريكا بسقوط المعسكر الاشتراكي وإعلان سياسة القطب الواحد، يقفز الكاتب هنا إلى أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) باعتباره تاريخا فارقا لأمريكا.. يقول الكاتب: "في عام ٢٠٠١ شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بداية مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، فقد أعلنت الولايات المتحدة الحرب بكل الوسائل المتاحة على ما وصفته بالإرهاب العالمي، وعلى كل من له صلة أو علاقة به أو بأفكاره".
وهنا يشير الكاتب أيضا إلى بروز دور المحافظين الجدد داخل الإدارة الأمريكية، واصفا تأثيرهم بالبالغ في رسم سياسة أمريكا.
عسكرة الديمقراطية
وفي سياق فلسفة ودور المحافظين الجدد يشير الكاتب هنا إلى توجه أمريكي جديد، يدور حول عسكرة الديمقراطية وتبني سياسة الفوضى الخلاقة، مشيرا إلى ما جرى بالعراق كنموذج لعسكرة الديمقراطية وإلى مقولات وأطروحات الفوضى الخلاقة وتبني كل من كونداليزا رايس وهيلاري كلينتون لها في فترة توليهما ما وزارة الخارجية الأمريكية بداية من العام 2003 وذلك وفق استراتيجية جديدة تقوم على أساس الهدم ثم إعادة البناء بحسب الكاتب .
وخلال الفصل الثاني الذي حمل عنوان "الولايات المتحدة واختراق المجتمعات"، يتناول الكاتب فيه نقطة مهمة تتعلق بجوهر الكتاب وهو ما أسماه الحرب الناعمة من جانب أمريكا وذلك من خلال بعض التقارير التى تكشف كيف نفذت أمريكا هذه الاستراتيجية، تحت عنوان فرعي "الحرب الثقافية والحرب الناعمة"، من خلال استخدام مؤسسات وفاعليات لهذا الغرض من جانب المخابرات المركزية الأمريكية.
ثم يناقش الكتاب الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة اليسار باليسار من خلال ما أشار إليه الكتاب بانشقاق بعض قادة اليسار عن أفكار الشيوعية اللينينية توجههم إلى راديكالية تروتسكي المنشقة، بل وتخلي البعض عن اليسار تماما وتحويلهم إلى الوسط السياسي وربما إلى اليمين حسب الكاتب.
ثورات الربيع العربي لا تندرج في تصنيفات الثورة المتعارف عليها، ولكنها قدمت نموذجا جديدا، تقوم فيه بإسقاط رأس النظام وتفكيك المؤسسات المرتبطة به، فضلا عن تمتعها بقوة اجتماعية هائلة ساهمت في التغيير ولكنها لم تصل للسلطة.
وفي سياق الاختراق الأمريكي ايضا يتناول الكاتب المحاولات الأمريكية لإعادة ترتيب المجتمعات، وتحديدا في صفحة 68 مشيرا إلى عدة أساليب تم اتباعها هنا، من قبيل الديمقراطية كوسيلة للاختراق، حيث يقول: "هكذا تأتي الدعوة إلى ما يسمى بالاعتماد المتبادل بين الديمقراطية والتنمية، تحقيقا للحكم الرشيد، فتصبح الديمقراطية بكل تجلياتها الأمريكية وسيلة للاختراق والهيمنة على المجتمعات المستهدفة".
أما الفصل الثالث فيخصصه الكاتب بالكامل للحديث عن منظمات المجتمع المدني، والذي يبدأه بتعريف البنك الدولى لهذه المنظمات وهي: "تلك المنظومة واسعة النطاق، من اتحادات العمل والمنظمات غير الحكومية والمجموعات القائمة على الأديان، والمنظمات القائمة على المجتمعات في المجتمع المدني".
ويربط الكتاب في هذا الفصل بين القوة الناعمة الأمريكية ومنظمات المجتمع المدني تحت عنوان "القوة الناعمة والمجتمع المدني"، ويؤطر لمصطلح القوة الناعمة الذي طرحه قائد مخابراتي أمريكي يدعى جوزيف ناي، كمحاولة لاستثمار تجربة الحرب الباردة وتطويرها مع تطور وسائل الاتصال بشكل يفوق الخيال وخاصة بعد ثورة الأنترنت، حيث أصبح العالم كله جاهزا لتلقي الرسائل الأمريكية في كل لحظة، وأصبحت أدوات الصراع الناعم أكثر فعالية وتأثيرا بشكل لا يقاس..
وهنا يتهم الكاتب أمريكا باختراق هذه المنظمات بشكل مباشر، عن طريق التركيز على نخب محددة ومختارة بدقة، وخلق نسيج اجتماعي مرتبط مباشرة بأمريكا، لديه دور ميداني فاعل، وليس فقط دورا فكريا وثقافيا.
ويفرد الكاتب الفصل الخامس عن المجتمع المدني بمصر، معتبرا أن مجال تركيز هذه المنظمات على ضحايا فردية تكرس نزعات انفصالية بعيدا عن القضايا المجتمعية، التي تمثل الخرائط الطبقية الواقعية والفئات صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير .
ويشير الكتاب إلى بدايات المجتمع المدني في مصر الذي يؤرخ له بالعام 1985، حيث تأسست أول جمعية مدنية وهي الغرفة التجارية المصرية الأمريكية، ثم ظهرت بعد ذلك عدة منظمات أخرى ممولة خارجيا، حسب الكاتب منها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وما تفرع عنها من 13 منظمة أخرى مثل مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان ومركز الأرض .
وينهي الكاتب هذا الفصل بتناوله المجتمع المدني بعد ثورة يناير بالإشارة إلى ارتفاع عدد المنظمات الحقوقية بعد الثورة، راصدا 360 منظمة خلال عامين ونصف بعع ثورة يناير قائلا "إن ذلك يبرز ظاهرة التمويل الكامل من الغرب لقطاع حقوقي كامل من المنظمات ".
وهنا يبدو الكاتب متحاملا على التيار الإسلامي خاصة جماعة الإخوان المسلمين بقوله "توجد عشرات من المنظمات تعمل وكأنها حزب سياسي تدافع عن تيارات دينية بعينها "جماعة الإخوان المسلمين وتيارات سلفية ".
وتحت عنوان "اعطني مالا أعطيك نضالا" يتهم النخبة المصرية خاصة تيار اليسار، بالوقوع في شباك التمويل الأمريكي بقوله "لقد غمر التمويل العقل المصري واشترى بأبخس الأثمان أفضل الأماني الوطنية، ونجحت المخابرات الأمريكية تحت أقنعة ثقافية متعددة في شراء أكبر شريحة من العقل المصري، يقتصر عملها على بلبلة العقل الوطني وطمس إرادته "وتعد هذه الفقرة اتهاما خطيرا ومباشرا للنخبة المصرية بالعمالة والتفريط في الثوابت الوطنية.
ثم يختم الكاتب كتابه بفصل عن الربيع العربي وهو الفصل السابع والذي جاء تحت هذا العنوان ويتاول فيه موضوع الربيع العربي بين الثورة والفوضى الخلاقة وطارحا عدة تساؤلات من قبيل: هل كان الربيع العربي مقدمة للفوضى الخلاقة التي تبنتها الإدارة الأمريكية، ونتاجا لأنشطة التواصل الاجتماعي، الذي عملت في إطاره المخططات الأمريكية الهادفة إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، أم كان رد فعل منطقيا لشعوب عاشت حالة من الاحتقان والتهميش لعدة عقود من الزمن؟
ويجيب هنا لكن على طريقته، معتبرا أن ثورات الربيع العربي لا تندرج في تصنيفات الثورة المتعارف عليها، ولكنها قدمت نموذجا جديدا، تقوم فيه بإسقاط رأس النظام وتفكيك المؤسسات المرتبطة به، فضلا عن تمتعها بقوة اجتماعية هائلة ساهمت في التغيير ولكنها لم تصل للسلطة.
ثم يطرح سؤالا آخر يتعلق بطبيعة الدور الأمريكي في ما حدث وهل كان هناك دور في إدارة الثورات العربية؟ وهل حاولت أمريكا توجيه نتائجها؟
ويجيب الكاتب هنا باستعراض عدد من التقارير الغربية والأمريكية، التي تؤكد التدخل الأمريكي في هذه الثورات بقوله: "إن حرص أمريكا والدول الغربية على مصالحها، جعلها تضع خططها منذ البداية لاختراق تلك الثورات".