صحافة دولية

خبير إسرائيلي: تباهي تل أبيب أمام طهران يجبرها على الرد

حذر من اندلاع حرب بحرية مستمرة بالبجر الأحمر ما يجعل إسرائيل تدفع الثمن- CC0
حذر من اندلاع حرب بحرية مستمرة بالبجر الأحمر ما يجعل إسرائيل تدفع الثمن- CC0

قال الخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان، في مقال له، في موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إن التباهي المستمر لإسرائيل أمام إيران واستفزازها بشكل متكرر يجبر الأخيرة على الرد. 

 

وتحت عنوان "كيف أجبر تباهي إسرائيل إيران على استهداف سفنها وتهديد النقل البحري العالمي"، كتب ميلمان، أن "إيران ما فتئت لسنوات تغض الطرف عن اعتداءات إسرائيل البحرية، إلا أن "التسريبات الإسرائيلية المغرورة لوسائل الإعلام أجبرت طهران على الرد".

 

وأوضح في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، أن إسرائيل استخدمت وسائل إعلام عدة لا سيما أمريكية، للترويج إلى أنها تقوم بعمليات انتقامية من إيران، وتوجه من خلالها تهديدات، تجعل إيران تقوم بتحركات بهذا الشأن، للحفاظ على صورتها.

 

 

وفي ما يأتي النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":

 
من خلال اعتداءاتها المتكررة على السفن الإيرانية في البحر واحتفائها بذلك عبر تسريب الأخبار إلى وسائل الإعلام، فإن إسرائيل تلعب بالنار.
 
بينما تسعى كل من الولايات المتحدة وإيران جاهدتين لإيجاد صيغة للعودة تارة أخرى إلى صفقة النووي التي أبرمت في عام 2015، فيبدو أن الزعماء السياسيين وقادة أجهزة الأمن والاستخبارات في إسرائيل يسعون لتخريب أي مصالحة محتملة بين طهران وواشنطن.
 
ولقد شهد هذا الأسبوع أحدث تطورات في هذا التوجه الذي بات شائعاً، وبشكل متزايد، حيث تعرضت يوم الثلاثاء سفينة إيرانية اسمها ساويس لاعتداء بلغم، بينما كانت تشق عباب البحر الأحمر قريباً من الساحل الأريتري.
 
وصف الهجوم على نطاق واسع بأنه عملية أخرى ينفذها مغاوير تابعون للبحرية الإسرائيلية، إلا أن إسرائيل لم تعلق على الحادث.
 
ولكن صحيفة نيويورك تايمز، التي غدت وسيلة لغسل التسريبات الإسرائيلية الرسمية، قالت إن مسؤولا أمريكيا أحاط إدارته علما بأن القوات الإسرائيلية هي التي نفذت الهجوم على السفينة.
 
ولم يصدر تفصيل حول مدى الضرر الذي لحق بالسفينة سوى القول بأن ساويس لحقت بها أضرار بسبب لغم تم إلصاقه بالسفينة.
 
ووفقا للمسؤول الأمريكي فقد وصف الإسرائيليون الهجوم بأنه انتقام لهجمات نفذتها إيران في وقت سابق ضد سفن إسرائيلية، وقال إن ساويس أصيبت بأضرار في الجزء المغمور بالماء.
 
وعلى الرغم من أن ساويس مسجلة كسفينة شحن تجارية، إلا أنها من الناحية العملية سفينة حربية، تعود ملكيتها للحرس الثوري الإيراني وتقوم بتشغيلها القوات الخاصة التابعة له.
 
وزعمت مواقع ومنصات سوشال ميديا إيرانية أن مهمة ساويس هي مكافحة القراصنة، إلا أن المصادر الاستخباراتية الغربية تقول بأنه من المعروف عن السفينة أنها تستخدم كمنصة للقيام بمهام إيرانية لجمع المعلومات الاستخباراتية ولتنفيذ عمليات سرية.
 
حرب بحرية جديدة
 
وكانت الحرب البحرية بين إسرائيل وإيران قد بدأت في عام 2018، بعد إعلان دونالد ترامب عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات مؤلمة على طهران.
 
كان القرار الاستراتيجي الأحادي الذي اتخذته واشنطن، ومازال، يمثل ضربة كبيرة للاقتصاد الإيراني، وبشكل خاص لقطاع النفط، الذي يعتبر قطاع الصادرات الأساسي بالنسبة لها.
 
وخلال تلك الفترة، لم يقصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد يوسي كوهين في تشجيع ترامب وتزويده بقوة دافعة للمضي قدماً في سياسته تلك.
 
وأجبر تراجع الاقتصاد الإيراني طهران على تقليص دعمها لمليشياتها الشيعية المنشورة في سوريا ولحزب الله في لبنان.
 
وتقدر الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بأن مساهمات إيران في ميزانية حزب الله – التي تبلغ 700 مليون دولار في العام – قد تعرضت لتقليص كبير في عام 2018.
 
ونجم عن ذلك تقليص رواتب عشرات الآلاف من مقاتلي حزب الله، كما أنه أدى إلى انكماش في الدفعات التي تقدم لعائلات من قتلوا أو جرحوا في الحرب الأهلية السورية، وكذلك إلى تقليص عدد التمرينات والمناورات، الأمر الذي أضر بالجاهزية والأهلية العسكرية.
 
ويحتاج حزب الله، وكذلك المليشيات الأخرى المدعومة من قبل إيران، إلى المال، وبسبب الظروف الطارئة فقد تم التوصل إلى خطة خلاقة، كانت من إبداعات الجنرال قاسم سليماني، القائد الأسطوري لقوة القدس النخبوية، الذي اغتالته الولايات المتحدة في يناير 2020.
 
وتمثلت خطة سليماني في تهريب النفط وبيعه داخل سوريا، وبذلك يتم الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على كل من دمشق وطهران.
 
واستخدمت في سبيل ذلك كل الوسائل الممكنة لتضليل وكالات المخابرات الغربية وشركات الشحن العالمية.
 
ويبدأ الأمر بتحميل النفط الإيراني في بعض الموانئ باستخدام شركات وهمية ثم تهريبه على متن ناقلات نفط تكون أسماؤها قد بُدلت للتو.
 
ويقوم متعاملون إيرانيون وسوريون ولبنانيون بشراء النفط، وبالمقابل يدفعون ثمنه للمليشيات الشيعية ولحزب الله بالليرة السورية. علماً بأن قيمة العملتين السورية واللبنانية تراجعت بشكل كبير على مدى العام الماضي. ولكن رغم انخفاض قيمتهما إلا أنهما تظلان مع ذلك سيولة نقدية.
 
اعتبرت تحركات سليماني المعقدة تحدياً لإسرائيل التي ما لبثت أن ردت بوضع خطة خاصة بها، وتتمثل بالعموم في شن حملة وقائية واسعة النطاق تستخدم فيها الأدوات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والنفسية.
 
تمت ترجمة ذلك إلى العشرات من عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية السرية من قبل وحدات تابعة للاستخبارات العسكرية وللموساد، إلى جانب شن آلاف الغارات الجوية على أهداف ذات علاقة بالمليشيات الشيعية وحزب الله والحرس الثوري الإيراني.
 
نفذت معظم الهجمات داخل سوريا، وبعضها تم تنفيذه على الحدود مع العراق، بينما تم تنفيذ عدد قليل من الهجمات المنعزلة، كما يزعم، داخل لبنان. وبهذا الشكل توسع ميدان المعركة بين إسرائيل وإيران ليشمل الأرض والجو والمجال السيبراني ثم البحار.
 
وكانت الفكرة هي استغلال قدرات الموساد والاستخبارات العسكرية للحصول على معلومات دقيقة من شأنها تمكين إسرائيل من تخريب وتعطيل السفن الإيرانية بدون إغراقها أو التسبب في كوارث بيئية.
 
وبدأت الثرثرة
 
سارت الأمور على ما يرام إلى أن قررت إيران أن الكيل لديها قد طفح.
 
قبل أسابيع قليلة قرر الحرس الثوري الإيراني الانتقام بالمثل. فقامت قواته بضرب سفينة شحن مملوكة جزئياً لتاجر سيارات إسرائيلي وواحد من أبرز المتعاملين في الشحن البحري واسمه رامي أونغار، وكانت السفينة تنقل سيارات من شرق آسيا إلى الهند. وأونغار هذا صديق لرئيس الموساد كوهين، حتى إنه ممن تبرعوا بمال للمعبد اليهودي التابع له.
 
وما كان لمثل هذا الأمر أن يحدث لولا قيام إسرائيل مرارا وتكرارا بتسريب أنباء عن تنفيذها لهجمات على السفن الإيرانية، إذ لم يعد بإمكان إيران غض الطرف.
 
وما لبثت إيران أن أعقبت ذلك بهجوم آخر، حين قام مغاوير القوة البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني بتخريب سفينة أخرى مملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي إيهود إينجيل، الشريك التجاري لعائلة أوفر.
 
وتملك عائلة أوفر أسطولا من السفن وناقلات النفط، وتتخذ من سنغافورة مقراً لها. وكانت العائلة في الماضي تتعامل تجارياً مع إيران إلى أن فرضت عليها عقوبات من قبل إدارة أوباما.
 
طوال الفترة التي كانت مهمات التخريب فيها تنفذ سرا وبعيدا عن الأضواء، فلم تكن إيران تجد غضاضة في تجاهلها، وكأنها لم تحدث.
 
ولكن بمجرد أن بدأت الثرثرة، فقد بدا واضحاً للقيادة الدبلوماسية والعسكرية الإسرائيلية أن اللعبة باتت خطرة وأنها ستكون لها ارتداداتها.
 
فبإمكان إيران أن تكيل الصاع بالصاع وأن تفعل نفس الشيء. إن آخر ما تحتاج إليه إسرائيل هو الدخول في حرب تخريب في عرض البحر. فما يقرب من تسعين بالمائة من البضائع التي تستوردها إسرائيل أو تصدرها إنما تأتي وتذهب عبر البحر. ولذلك تعتبر خطوط التجارة البحرية أشبه بالخاصرة لإسرائيل.
 
إضافة إلى ذلك باتت موجة التقارير مزعجة لدوائر الشحن البحري، لخشيتها من أن يسبب انعدام الاستقرار ارتفاعاً حاداً في أسعار التأمين وأن يفضي ذلك إلى خسائر فادحة. في نفس الوقت تعمل الإدارة الأمريكية الجديدة حالياً على إعادة النظر في سياستها تجاه إيران وتبحث عن سبيل للعودة إلى الصفقة النووية ورفع العقوبات.
 
وتضر هذه المواجهات البحرية بتطلعات البيت الأبيض نحو الاستقرار والتقدم.
 
ينوي كل من رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوتشافي ورئيس الموساد يوسي كوهان، الذي يوشك على مغادرة منصبه، السفر إلى واشنطن في نهاية شهر إبريل/ نيسان لمناقشة مخاوف إيران من الاحتمال المتزايد بأن تتمكن الولايات المتحدة وإيران من التغلب على مصاعبهما والخروج بصفقة نووية جديدة.
 
إلا أن المسؤولين الأمريكيين، الذين يدركون أن حملة إسرائيل البحرية إنما تهدف إلى تقويض المحادثات النووية، سيحذرون الزعماء الإسرائيليين من ألا يمنوا أنفسهم بالآمال.

التعليقات (0)