قضايا وآراء

كم من "الهذلول" في منطقتنا العربية؟!

أميرة أبو الفتوح
1300x600
1300x600
بادئ ذي بدء، نحن ضد الظلم والقمع والاعتقالات التعسفية لأغراض سياسية، ومع الحرية للمواطن أيا كان معتقده أو هويته، وبطبيعة الحال مع حرية الفكر والتعبير، لذلك استقبلت خبر الإفراج عن المواطنة السعودية "لجين الهذلول" بشيء من الارتياح، لم يصل لدرجة الفرحة العارمة التي رقصت على أنغامها جميع وسائل الإعلام العالمية وشبكات التواصل الاجتماعي، من فيسبوك وتويتر، وما إلى ذلك، لأني في هذه اللحظة تذكرت عشرات الآلاف من المعتقلين، رجالا ونساء وأطفالا، القابعين في غياهب السجون العربية، وفي سجون دولة الاحتلال، يلقون فيها شتي أنواع العذاب، ويعانون فيها أشد الآلام والأوجاع الجسدية والنفسية، ولم تصل أهاتهم وأنينهم إلى السيد "بايدن" أو غيره، ولم يجدوا أحداً يتكلم عنهم، أو ينصفهم ببنت شفاه، كما فعلت منظمات حقوق الإنسان العالمية مع "الهذلول"، لأن تهمتهم الوحيدة أنهم قالوا ربنا الله، فالمسلمون لا بواكي لهم، ولا تدافع عنهم المنظمات الحقوقية ولا تنظر لهم أمريكا والغرب عامة..

وما "لجين الهذلول" إلا اسم في كتاب أسود مفتوح تدون فيه كل يوم مئات الأسماء من الشرفاء المجهولين في عالمنا العربي؛ فالسجون العربية تكتظ بعشرات الآلاف، وخصوصا الإسلاميين، وينعتونهم بـ"الإرهابيين"، والحكام العرب يتخذونهم ذريعة أمام الغرب في حربهم الوهمية والعبثية، أو ما تسمى "الحرب ضد الإرهاب"، فهي العملة السائدة الآن لشراء كرسي الحكم والحفاظ عليه!
 
لقد عبر الرئيس الأمريكي "جون بايدن" عن سعادته وبدأ خطابه في البنتاجون قائلاً: "أود أن أبدأ بخبر مفرح وهو أن الحكومة السعودية أفرجت عن الناشطة البارزة في مجال حقوق الإنسان لجين الهذلول"، وأشاد بها لأنها كانت مدافعة قوية عن حقوق المرأة واعتبر إخلاء سبيلها الإجراء الصحيح..

اندهشت للوهلة الأولى أن يبدأ "بايدن" كلمته في هذه المؤسسة المهيبة، وزارة الدفاع، بهذا الخبر الذي لا يخص الشعب الأمريكي في شيء، وأكاد أجزم أنهم لا يعرفون مَن تكون "لجين الهذلول"! بل ربما الكثيرون منهم لا يعرفون أصلاً أن هناك دولة تُسمى "السعودية"، وأين تقع!!

ربما كان متوقعا من الرئيس الأمريكي أن يعلن من هذا المكان الخطير عن وقف مبيعات السلاح للسعودية، لحين خروج جيشها من اليمن، كما توعدها في حملته الانتخابية، ولكنه لم يذكر اليمن، ومآسي الشعب اليمني وما جلبه له ولي العهد "محمد بن سلمان"، من خراب ودمار بسبب الحرب الطائشة ضد اليمن السعيد، والذي أصبح اليمن التعيس.

ومن الجدير بالذكر أنه قبل ذلك بفترة وجيزة، أعلنت إدارة "بايدن" رفع اسم جماعة "الحوثيين" من لائحة بالإرهاب، والتي سبق وأن أدرجها فيها "ترامب" قبل مغادرته البيت الأبيض بأيام معدودة، مما أثار حفيظة السعودية وغضبها المكتوم، ومخاوفها من إدارة بايدن.

ولكن سرعان ما ذهبت عني الدهشة بعيدا، بعدما أدركت أنها رسالة ناعمة من "بايدن"، أراد إرسالها لحكام السعودية بقفاز من حديد، من مقر أكبر جيش في العالم، لترويج بضاعته التجميلية، وبضاعة الحزب الديمقراطي؛ سلاح "حقوق الإنسان" الذي أدخله "بايدن" في منظومة الجيش الأمريكي، كنوع من الابتزاز. فمن هذا المكان تحمي أمريكا مملكتهم وعرشهم، ولا بد أن يدفعوا ثمن تلك الحماية، كما كانوا يدفعونها إبان عهد "ترامب"، وكما قالها مواريا، سيحصل عليه أيضا في الخفاء، بعيداً عن الأنظار. إنه نفس خطاب "ترامب" لكن بلغة مختلفة، فالاثنان وجهان لعملة أمريكية واحدة، الاثنان صهاينة بالسليقة، لكن الفرق بينهما أن الأول يأخذها كعقيدة وهذه هي الأخطر، أما الثاني يأخذها كبزنس، فترامب كان يحلب في العلن ويبتز السعودية بوجه مكشوف، وليس من وراء قناع خداع.

"ترامب" لم يكن يهتم مطلقا بحقوق الأنسان، بل كان يتعاون ويدعم جميع الطغاة في المنطقة، فهو الذي غطى على الجريمة البشعة التي ارتكبها "محمد بن سلمان" في حق الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي"، وساعده على الإفلات من العقاب، فهل سيفتح "بايدن" هذا الملف من جديد، كحق من حقوق الإنسان التي ينادي بها، أم سيظل مدفوناً في الأدراج، تغطيه أكوام من أوراق الدولارات؟!

من المؤكد أن ملف خاشقجي، لا يزال يقلق ويزعج ولى العهد السعودي، وخاصة أن "بايدن"، قد أشار إليه كثيرا في حملاته الانتخابية، وقد سبق أن تعهدت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية "أفريل هاينس"، بالضغط على السعودية من خلال تقديم ملف التحقيق في قتل "جمال خاشقجي"، إلى الكونجرس ورفع السرية عن الوثائق والمستندات لإجباره، على الإفراج عن الأمراء المحتجزين..
 
ولهذا فابن سلمان يجلس بجانب الهاتف، مرتعدا متلهفا، لمكالمة بايدن الموعودة!

لقد سأل أحد الصحفيين المتحدثة باسم البيت الأبيض "جين بساكي"، عما إذا كانت إدارة بايدن تعتبر إسرائيل والسعودية حليفتين مهمتين لأمريكا، فأجابت "بأن الإدارة لا زالت تراجع وتدرس ملفات عديدة من القضايا"..

وجاء سؤال تعقيبي: ومتى سيتحدث "بايدن" هاتفياً مع ولي العهد "محمد بن سلمان"، فردت "بساكي" على الفور: "ليس عندي أي علم بأن هذا الاتصال موضوع له جدول زمني".

لا شك أن هذا الرد قد زاد من قلق الأمير المغرور الطامح لاعتلاء عرش المملكة، والذي كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه، لو استمر "ترامب" في الحكم، ولكن الآن تبدل حلمه لكوابيس مفزعة، والغيوم تخيم على مستقبله السياسي، ولم يعد يرى ما يخبئه له "بايدن"، وخاصة بعد قراءته تقرير معهد "بروكينغز"، الذي يدعو فيه إدارة بايدن للضغط على ابن سلمان لإطلاق سراح غريمه "محمد بن نايف"..

وقال التقرير إن "بن نايف" لم يحتجز لجريمة ارتكبها، وإنما لأنه يمثل تهديدا للرجل الذي حل محله وليا للعهد..

ووصف التقرير "ابن نايف" بأنه رمز بديل وفعال لولي العهد "محمد بن سلمان"، المتهور والخطير..

ويرى التقرير أن تبني إدارة بايدن لقضية "ابن نايف" يجب أن يكون مهمة وعاجلة بالنظر لمساهماته الكبيرة في الأمن الأمريكي.. 
 
بكل تأكيد أن هذا التقرير خطير ومزعج لسموه، ولو كان لديه مستشارون عقلاء لنصحوه بالإفراج الفوري عنه طواعية لـ"وجه الله" قبل أن يُضغط عليه، ويُضطر للإفراج عنه لـ"وجه بايدن"، مثلما حدث مع لجين الهذلول..
 
ولو كنت مستشارة "محمد بن سلمان"، والعياذ بالله، لنصحته أن يلعب نفس لعبة "بايدن"، ويلاعبه بنفس أدواته، وإن كنت متأكدة أنه لا يملك الشجاعة الكافية ليلعبها، ولكنها نصيحة نوجهها إليه لوجه الله.. يجب عليه فورا أن يفرج عمن يُزعج أمريكا إطلاق سراحهم، وأعني بهم المئات من الدعاة والنخب الإسلامية القابعين في سجونه تحت الأرض، وعلى رأسهم العلامة الشيخ "سلمان العودة"، الذي كل تهمته أنه دعا بالمصالحة مع قطر، في تغريدة له عقب حصار قطر، وها قد تمت المصالحة، فلماذا يستمر حبسه حتى الآن؟!

 كذلك الشيخ الدكتور "سفر الحوالي" وتهمته أنه وجه نصائح وانتقادات للأسرة السعودية الحاكمة، وهاجم سياساتها التي تنفق المليارات على أمريكا والغرب عامة، في كتابه "المسلمون والحضارة الغربية"، كذلك انتقد شراء ولي العهد لوحة "سلفادور موندي" (المسيح المخلص) لليوناردو دافنتشي، بنصف مليار دولار. كما هاجم دولة الإمارات وأنها مستعدة لتحقيق كل مطالب اليهود، وقال: "وما بقي إلا تكلفة بناء الهيكل فهل تبنته الإمارات مثلا؟ تلك الإمارات التي تشتري البيوت من المقدسين وتعطيها لليهود؟!".

أيضا الشيخ "د. عوض القرني" والشيخ "علي العمري"، وغيرهم كثر في نفس الركب وعلى نفس الدرب يسيرون..

وكم سيكون عظيما ومزلزلا للأرض لو سجل هدفا موجعا لبايدن ومن ورائه الصهاينة؛ وأفرج عن السياسي الفلسطيني وممثل حركة "حماس" في المملكة، الدكتور "محمد صالح الخضري"، البالغ من العمر 83 عاما، ويعاني من مرض عضال، وهو مقيم في السعودية منذ ما يقرب من 30 عاماً، ولم يروا منه إلا كل خير، وابنه الدكتور هاني، المحاضر الجامعي، وسبعين آخرين من الأردنيين والفلسطينيين، اعتقلوا معهما منذ نحو ثلاث سنوات دون وجه حق، اللهم إلا تلك التهمة الجاهزة، وهي دعم "كيان إرهابي"، في إشارة بالطبع لحركة حماس، وللأسف هو نفس المصطلح الذي يستخدمه الكيان الصهيوني!!

استوقفتني مفردات الكلمات التي استخدمتها أسرة الخضري في بيانها الصحفي الذي وجهته لولي العهد السعودي: "إننا إخوانكم في عائلة الخضري في فلسطين نناشد مقامكم الكريم، بالتدخل لدى جهات الاختصاص للإفراج عن ابننا الدكتور محمد صالح الخضري الذي يعاني من مرض عضال".

فلا يزال الفلسطينيون يؤمنون بالأخوة ووحدة الدم والمصير، ويحملون الكثير من العشم لذوي القربي، رغم تآمرهم عليهم واغتيالهم لهم. فالأسرة تطلب من سجّان ابنها التدخل لدى جهات الاختصاص، وهو نفسه تلك الجهة التي أمرت باعتقاله، ربما لأن الأسر الفلسطينية الطيبة لا تزال ينبض في عروقها الدم العربي الأصيل، وورثت نخوة وشهامة العرب القدامى، فهي تنجد المُستغيث، وتجير وتؤمن المُستجير، وتكرم الضيف، فاعتقدت أسرة "الخضري" أن ولي العهد يعرف أيضا هذه القيم النبيلة، فخاطبته بهذه الكلمات الطيبة. فالدكتور الخضري وولده كانا ضيفين على المملكة، ولكن ولي عهدها لم يراع أصول وآداب الضيافة، وهو ما لم يفعله سكان تلك الأرض الطاهرة من كفار قريش أيام الجاهلية الأولى!!

إن "لجين الهذلول" ما هي إلا قطرة في بحر أسود يمر في البلدان العربية، دون غيرها، ويُقذف فيه كل من يتفوه بكلمة حق ضد سلطان جائر فيها..
التعليقات (1)
احسنت القول احسن الله اليك
الأربعاء، 17-02-2021 11:49 ص
بارك الله فيك وانعم عليك وعلى اسرتك بالصحة وحفظك واياهم من كل سوء. ادعوا الله ان تكون هذه الكلمات الصادقة المدافعة عن الحق في ميزان حسناتك وان يأجرك الله عليها خيرا في الدنيا والآخرة وان يكثر الله من امثالك ممن يصدعون بكلمة الحق في وجه طواغيت اهل الارض...اللهم آمين