كتب

الأحزاب السياسية دورها أساسي في صنع قرار الاتحاد الأوروبي

كتاب يعرض لدور الأحزاب في صناعة القرار بالاتحاد الأوروبي (الأناضول)
كتاب يعرض لدور الأحزاب في صناعة القرار بالاتحاد الأوروبي (الأناضول)

الكتاب: نظرية الأحزاب... الأحزاب الأوروبية فوق القومية و البرلمان الأوروبي معالم رؤية مستقبلية
الكاتب: د. حسين طلال مقلد
الناشلر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، الطبعة الأولى 2020.
(437 صفحة من القطع الكبير).

تُعدُّ الأحزاب السياسية، بوجه عام، من أهم متغيرات النظم السياسية، لأنَّها تؤدي مجموعة من الوظائف الأساسية، التي تأتي في مقدمتها: تلقي المطالب من القطاعات الشعبية المختلفة، وفرزها وتصنيفها وصياغتها بشكل مطالب سياسية، كما أنَّها تشكل وسيلىة للتعبير عن الرأي العام، وأداة لتعبئته وتوجيهه، وحافزاً على المشاركة في الحياة السياسية.

ففي ظل أنظمة الحكم الديمقراطية التي تقوم على مبدأ التعددية الحزبية، تعبر الأحزاب عن مطالب شرائح اجتماعية معينة، وتتنافس في عرض برامجها السياسية على القطاعات الشعبية المختلفة أملاً في كسب تأييدها ووصولها إلى السلطة. وحين ذاك تؤدي الأحزاب دوراً أساسياً في صياغة القرارات السياسية من خلال ممثليها في المؤسسات السياسية الشرعية (رئاسة الدولة، الحكومة، البرلمان) وتميز أنظمة الحكم الديمقراطية هذه بأنَّ الأحزاب السياسية الحاكمة فيها تأخذأيضاً في الحسبان توجهات الأحزاب السياسية المعارضة، التي يعد وجودها الشرعي شرطاً لازماً لحسن سير وعمل هذه الأنظمة.

ما يمز الاتحاد هو أن الحكومات ليس لديها السيطرة على المطالب السياسية: فهناك مجموعات معقدة ومتعددة: مجموعات المصالح والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، فجميعها تتنافس على التأثير في مدخلات المؤسسات الاتحادية.

وتؤثر الأحزاب السياسية في كل مؤسسة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فالأحزاب القومية تتنافس في دولها لتشكيل الحكومات من الأحزاب التي تصل الى السلطة سيصبحون الممثلين في المجلس (القادة في المجلس الأوروبي والوزراء في المجلس). وأعضاء البرلمان الأوروبي ينتخبون على أساس خطط حزبية قومية ويشكلون مجموعات حزبية تتنافس في البرلمان، وفي كل عائلة حزبية أساسية، المنظمات الحزبية في كل دولة عضو ومؤسسات الاتحاد الأوروبي ترتبط من خلال اتحادات حزبية فوق قومية.

تدخل الأحزاب في توزيع المفوضين وخصوصاً معاهدة لشبونة، اذ أصبحت عملية تعيينهم تعود الى البرلمان الأوروبي، الذي يتألف من ثلاثة بنى تنظيمية تتحكم بأجندة البرلمان. 

 



ويستعرض الكاتب حسين مقلد أهم هذه البني، وهي :

1 ـ القيادة البرلمانية، وهي الأهم وتضم رئيس البرلمان إضافة إلى 14 نائبًا للرئيس. كما يوجد ثلاثة أجهزة قيادية في البرلمان هي:

مكتب البرلمان ويتألف من الرئيس والنواب، ويركز على الجوانب التنظيمية للبرلمان الأوروبي والشؤون الإدارية، كما يدخل في الأمور السياسية التي تطرح أسبوعيًا. 

قمة الرؤساء وتتألف من (رئيس البرلمان وزعماء الأحزاب في البرلمان ورئيس مؤتمر رؤساء اللجان)، وتركز على الشؤون السياسية وعلاقة البرلمان بالمجلس والمفوضية، وتجتمع مرّتين في الشهر.

مؤتمر رؤساء اللجان ينسق أجندات(جداول اعمال اللجان) ويحل الخلافات التي تواجه الاختصاصات بين اللجان.

2 ـ المجموعات الحزبية في البرلمان الأوروبي ولها دور مركزي في آلية تشكيل التحالفات والنقاش في العملية التشريعية للبرلمان الأوروبي:

فالمادة 29 من الإجراء الذي يحدد عدد النواب لتشكيل مجموعة حزبية وهو 19 برلمانياً من خمس الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (6 من28 دولة عضو تقريباً) لكل حزب لديه موارد مالية وسكرتارية وقسم مختص بالبحوث. أهمية قادة الأحزاب تكمن في تقرير الشؤون السياسية الأساسية التي تبحث في البرلمان الأوروبي، اختيار قادة البرلمان الأوروبي، تحديد قواعد عمل اللجان البرلمانية وجداول الاعمال والجلسات ومواقف السياسية للمجموعات الحزبية. ونلاحظ أن الأحزاب القومية لا تستطيع تأمين تمثيلها ومصالحها في البرلمان الأوروبي إلامن خلال الانتماء إلى إحدى كتل البرلمان أو بشكل أساسي الانتماء إلى الكتلتين الأكبر في البرلمان. 

ونلاحظ أن الانتخابات تؤدي إلى تشظي الكتل، فعلى سبيل المثال في 1992 المجموعة الديمقراطية الأوروبية تم حلها وذلك بعد انضمام الأحزاب التالية لحزب الشعب الأوروبي (المحافظون من اسبانيا وبريطانيا والدنمارك، كذلك في عام 1996 تم حل مجموعة قوة أوروبا(forza Europe) بعد انضمام حزب قوة إيطاليا Italian Forza Italia إلى الاتحاد من أجل أوروبا، وفي 1999 مجموعة التحالف الديمقراطي الأوروبي تم حلها بعد انضمام الحزب الديغولي وهو الحزب الأساسي في المجموعة إلى مجموعة حزب الشعب الأوروبي.

وبشكل مشابه في 1992 الحزب الشيوعي الإيطالي السابق غادر مجموعة اليسار الموحد الأوروبي للإلتحاق بالحزب الاشتراكي الأوروبي، وفي 1994،1996، الحزب الفرنسي الجمهوري والحزب البرتغالي الديمقراطي الاجتماعي غادرا مجموعة حزب الإصلاح والديمقراطية الليبرالي الأوروبي للإلتحاق بحزب الشعب الأوروبي" (ص 251من الكتاب).

محددات عمل الأحزاب الأوروبية وصعود اليمين المتطرف في أوروبا

تكتب الفيلسوفة البلجيكية شانتال موف: كان الاتحاد الأوروبي نموذجاً بديعاً لتحويل أعداء الأمس خصوماً سياسيين، وكان ذلك هو الجسر إلى تجاوز الخلاف الناجم عن الحر ب العالمية الثانية. واليوم، يقال إن المشروع الأوروبي وثيق الصلة بالدفاع عن النظام النيوليبرالي ولا أوافق هذا الرأي، فالحاجة ماسة إلى تسييس أوروبا، أي تحويل مؤسساتها مؤسسات تحتضن النزاعات، وبروز نقاش بين الأوروبيين إرساء أوروبا على أسس ديمقراطية جديدة. وليست السيادة (العودة الى المؤسسات السيادية عوض المؤسسات الأوروبية الجامعة) خياراً بديلاً من هذه الأسس.

إبان تظاهرات (الساخطين) (اسبانيا) واحتجاجات (اوكوباي وول ستريت) في (أمريكا) في عام 2011، تفاجأ كثر بأنَّ لا حركات مماثلة في فرنسا، وحينها كان الناس يحسبون أنَّ التغيير ممكن عن طريق السياسة التقليدية، وكان معارضو الرئيس الفرنسي يومها، ومنهم نيكولا ساركوزي، يعتقدون أنَّ الأمور ستتغير حين يبلغ الاشتراكيون السلطة. ولكن مثل هذه الأوهام تبددت. وتمر فرنسا، شأن الدول الأوروبية، بأزمة في التمثيل. 

ويغلب على هذه المجتمعات رؤيةٌ ما بعد سياسة، مفادها أنَّ الحدود بين اليسار واليمين تهافتت، وأنَّ تداعيها هذا هو خطوة إلى الأمام نحو اجماع ديمقراطي جديد في مجتمعات "منطقية" (تحتكم إلى المنطق والتضامن الاجتماعي) ومستقرة بلغت مآربها. 

وسَرَتْ هذه الرؤية أول ما سرت في بريطانيا، مع تيار "العمال الجدد" البليري (نسبة إلى رئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير)، ثم في ألمانيا مع غيرهارد شرودر، وفي إسبانيا مع زاباثيرو، وفي اسكندنافيا. وقد وضع الأسس النظرية لهذه الرؤية ما بعد السياسة، دارس الاجتماعيات أنتوني غيرينز في بريطانيا، واولريخ بيك في المانيا(من منظري التيار الثالث)، إذ دعا إلى ما ما يمكن تسميته (إجماعاً وسطياً ) يلغي التضاد بين التيارات. ودرج توني بلير على القول: ( كلنا طبقة وسطى )، وعليه لا مسوغ لتباين الرأي، وهذا ما يدعوإليه إيمانويل ماكرون في فرنسا.

ولمَا كان الإجماع في السياسة من المحال، فالسياسة تعريفاً هي دائرة الخلاف أو التضاد والتنازع. والسياسة ترسم حدوداً بين الـ " نحن " والـ "هم"، وكل شكل من أشكال السياسة يقوم على استبعاد طرف من الأطراف. وحرِّيٌ بالرؤية إلى الديمقراطية الإقرار بالتضاد، وبالسياسة الديمقراطية إرساء مؤسسات تدور فيها نزاعات لا تذوب في قالب المواجهة بين أصدقاء وخصوم في آنٍ، بل تُقِّرُ بحقِّ المختلفين في الرأي الذود عن آرائهم. 

وإذا لم تشرع الأبواب أمام الخصام والخلاف، جعلت المواجهة في صورة مواجهة بين قيم غير سياسية، أي أخلاقية تعلو على المساومة، أو في صورة خلاف "إثني "عرقي" أو ديني. واليوم، هذه حال السياسة في أوروبا، إذا لم يعد الخلاف بين يمين ويسار بل بين مصيب ومخطئ. واذا كانت حدود النزاع أخلاقية، أو المناوئ عدواً لا يحاور ولا يساوم.

في هذا السياق، يقول الكاتب حسين مقلد: "تبدو الحاجة ماسة إلى نقدٍ يحمل المجتمعات الأوروبية إلى التزام المبادئ التي ترفع لواءها: الحرية والمساواة للجميع. ونعيش في مجتمعات ما بعد ديمقراطية. وعلى رغم أنَّ المؤسسات الديمقراطية لم تأفل بعد، فإنَّها لم تعد تقدم للمواطنين خيارات فعلية، ولسان حال هذه الديمقراطيات شعار رفعته حركة"إنديغنادوس" الإسبانية "الساخطون": "نملك الاقتراع ولكنَّنا لا نملك الصوت". لذا، تبرز الحاجة إلى تحسين النظام التمثيلي واقتراح أكثر من مشروع سياسي على الناخبين. والتفكير في أمثل النظم واجب، وجواب مسائل مثل: أيُّ الأنظمة هو الأكثر تمثلاً: "الأنظمة الرئاسية أم البرلمانية؟ فالجواب ليس بديهيًا" (ص185).

ومع تطور الرأسمالية بعد المرحلة الفورية في الولايات المتحدة الأمريكية، أُلحقت الشعوب بمنطق الرأسمالية وفُرضت عليها أشكال قمع متباينة. وفي دول كثيرة، أدركت الأحزاب اليمنية الشعبوية أهمية إرساء حدود سياسة جديدة شعبوبية بين الشعب و"المناصب" أو الهيئات الحاكمة، فارتفعت نسب تأييدها. والحاجة ماسة إلى يسار شعبوي، على غرار "بوديموس" الإسباني و"سيريزا" اليوناني، لمقاومة الهيمنة النيوليبرالية مقاومةً تقدمية، وفي فرنسا، في الإمكان بروز شعبوية يسارية إذا تقاطعت حركة "نوي دوبو" مع مشروع جان ـ لوك ميلانشون.

يرى أنطوني جيدنز أن العولمة قد غيرت، جنباً إلى جنب، مع تفكك الشيوعية، الملامح المميزة لكل من اليمين واليسار. فلم يعد هناك في المجتمعات الصناعية يسار متطرف له صوت عال. بل هناك يمين متطرف له صوت عال، وهو يعرف نفسه على أنه استجابة للعولمة الرأسمالية المتوحشة. وهو اتجاه مشترك يجمع السياسيين من جناح اليمين من أمثال بات بيوكانن في الولايات المتحدة وجان مارين لوبان في فرنسا وبولين هانسون في استراليا. 

وينسحب القول نفسه على شرائح اليمين الأكثر شراسة أو الأميل إلى العنف في الولايات المتحدة التي ينظر أفرادها إلى الأمم المتحدة والحكومة الفيدرالية بوصفهما من المؤامرات التي تحاك ضد الكيان الوطني الأمريكي(أنصار ترامب). وتنحصر الموضوعات التي تستحوذ على تفكير اليمين المتطرف في موضوعات تتعلق بالحماية الاقتصادية والثقافية.

أدت معاناة الاتحاد الأوروبي من كثير من المشكلات مثل مشكلة اللاجئين، والأزمة الاقتصادية وتعميم السياسات المخالفة لليبرالية، إلى نمو الأحزاب المشككة في اليورو أضعافاً مضاعفة، وطالبت بإعادة فرض السيادة الوطنية على كل من الحدود والأسواق. وفي الوقت الذي تعثر فيه الاتحاد الأوروبي بشكل سيئ في كثير من النقاط خلال فترة وجوده في نصف قرن من الزمن، وخطورة وتعدد التحديات التي يواجهها اليوم لم يسبق لها مثيل. 

وتعرف الجماعات والأحزاب اليمينية عموماً بأنها تلك التي تسعى إلى الحفاظ على الأعراف والتقاليد الدينية والاجتماعية وتنمية الروح القومية الخاصة بالقطر، بينما تتفرد جماعات اليمين المتطرف عن اليمين التقليدي بدعوة الأخيرة إلى التدخل القسري بل أحياناً استخدام العنف ـ وربما السلاح ـ من أجل فرض الأعراف والقيم الاجتماعية.

تتوزع أغلب أحزاب اليمين المتطرف على ثلاثة تحالفات وهي: 

1 ـ تحالف أوروبا من أجل الشعوب والتحرر. 


2 ـ تحاف أوروبا للحرية والديمقراطية المباشرة.


3 ـ تحالف المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين وهو الأكبر 71 مقعداً. 

يبلغ عدد مقاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي 165 مقعداً ن أصل 751. 

تتخذ في أوروبا جماعات وأحزاب اليمين المتطرف عموماً موقفاً مضاداً من تعزيز الوحدة الأوروبية، بل على النقيض من ذلك تميل إلى تعزيز القوميات القطرية، كما ترفض أحزاب اليمين المتطرف الهجرات إلى أوروبا وتميل إلى منعها والتقيد على المهاجرين الذين تعتبرهم خطراً ديموغرافياً عليها، كما يتبنى اليمين المتطرف الأوروبي مواقف مناهضة للأقليات الدينية وللمسلمين.

 

إقرأ أيضا: الحزب في الفكر السياسي الغربي.. قراءة في المفاهيم والأدوار


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم