في محاضرة غير تقليدية بكل المقاييس على مستوى الأفكار والأسئلة والمشاريع التي طرحها المفكر الإسلامي د. جاسم سلطان، ضمن فعاليات الملتقى الفكري الدولي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ما يستوجب التوقف معه مليا وتدوينها كوثيقة استراتيجية تستفيد منها المؤسسات الإسلامية العاملة في مجال بناء الإنسان أولا، وثانيا لكافة المسلمين المتحمسين للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومراجعة ذاتنا الإسلامية، والبحث في أسباب العمق الذاتي لأزماتنا الإسلامية الكبرى مع العلم.
في مفتتح المحاضرة، ألقى الدكتور جاسم بمجموعة من الأحجاز المتتالية السريعة في بحر ركود العقل المسلم المستغرق في تناقضه ونومه، في شكل أسئلة عميقة وجريئة متتالية الطرقات، قكانت بمثابة جرس الإنذار الموقظ على حقيقة الأزمة الذاتية التي يعيشها المسلمون.
س1: ما أسباب ضعفنا وتخلفنا الإسلامي، ولماذا حاجتنا الملحة إلى الغرب فكريا وماديا؟
س2: هل حقا نمتلك التمثيل الأخلاقي لما ندعيه ونفتخر به وندعو إليه من قيم وأخلاق الإسلام، وندعي تميّزنا به حقا عن البشرية، ومن ثم يصبح العالم في حاجة إلى ما لدينا ليحل بها مشاكله ويحسن بها من ذاته؟
س3: هل نتمثل أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا، ونحسن تجسيد منهجه ورسالته الرحمة والعدل والبر للعالمين واقعا عمليا في حياة العالمين، حتى تدرك البشرية قيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم تنافسنا في الإيمان به وحبه ونصرته؟
س 4: ما أسباب ضعفنا الأخلاقي والسلوكي، والفجوة وتناقضنا بين واقعنا الحالي وما ندعيه وبين النموذج الأخلاقي العالمي لرسول صلى الله عليه وسلم؟
س5: في ظل الإساءات المتكررة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخدام نفس الأساليب الدفاعية المتناقضة المتكررة، والتي تجمع بين اتهام الآخرين ومحاولة الانتقاص منهم، مع ادعاء امتلاك الحقيقة ومناط إنقاذ البشرية دون تمثّله، بل ممارسة عكسه.. إلى متى سنظل نكرر هذا الأسلوب غير العلمي وغير المنهجي، بما يمثل مسكنات ذاتية للتغييب عن حقيقة أزمتنا الأخلاقية والعقلية الذاتية التي تمثل جزءا أساسيا من المشكلة؟
س6: ماذا نحتاج للتحول من حالة التناقض بين واقعنا وما ندعي والتقوقع في مركز الدفاع؛ إلى معالجة تناقضنا وتمثّل رسالتنا، ما سيحسن تمثيل رسالتنا للعالمين، عندها نكون قد كفينا الآخرين الهجوم علينا وكفينا أنفسنا الاشتغال بالدفاع عن أنفسنا؟
ثم يكشف د. جاسم النقاب عن حقيقة الأمر:
1- أهل الإسلام يعيشون معضلتين؛ أخلاقية وعقلية، حيث لم ينجحوا بعد في تمثيل حقيقي مشرّف لرسالة الإسلام، كما أنهم يعيشون تناقضا صريحا بين الفعل والادعاء.
2- يعيش المسلمون إشكالية الخلط الكبير بين الإسلام كرسالة سماوية ودين مقدس ورسول الإسلام النموذج البشري الأمثل، وبينهم هم كمسلمين يحاولون فهم حقائق الإسلام وتمثل شيء من أخلاق رسول الإسلام، مما أودى بهم إلى أوهام التميز عن بقية البشر، في حين لم ينجحوا بعد في فهم الإسلام وتمثله. وخير دليل ومؤشر على ذلك هو تخلفهم وترديهم في كافة مجالات الحياة.
3- أننا بحاجة إلى مصارحة عميقة، ومواجهة تاريخية لذاتنا الأخلاقية والسلوكية، وتحديد الفجوة بين واقعنا الحالي ورسالة الإسلام الخالدة الرحمة للعالمين.
إذا نحن بحاجة إلى إدراك ماذا نفعل بأنفسنا وليس ما يفعله بنا الآخرون.
في هذا السياق طرح الدكتور جاسم سلطان تصورا عمليا متكاملا بما يمثل نظرية عمل قابلة للتنفيذ لتمثل مواجهة استراتيجية؛ ليس لأزمة الاعتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، وإنما لأزمتنا الإسلامية الأخلاقية الذاتية، ولإعادة إنتاج ذاتنا الأخلاقية والتمثيل الواجب لرسالة الإسلام، والتي ستعد مسارا عمليا لإعادة تأهيل الشخصية والمجتمع المسلم وتحسين الأداء العلمي والمهني في كافة مجالات الحياة وتعزيز القدرة على العبور إلى المستقبل.
وهذا ما أطلق عليه الدكتور جاسم: الانتقال من معالجة المناسبة والحدث إلى مشروع حياتنا مع الإسلام، وإعادة صياغة حياتنا على بوصلة ومرجعية ونموذج ومعيار محمد صلى الله عليه وسلم بشل دائم.
والمعني بحسن الخلق والمعاشرة وتقديم البر لجميع المخلوقات.
ثانيا: مشاريع التحول:
المشروع الأول: مشروع التمركز الأخلاقي للمسلم في الوجود
والذي يهدف إلى بيان وتأكيد التميز الحقيقي، والمركزية الفعلية لأخلاق المسلمين في العالم كبوصلة ومرجعية عليا للأخلاق الإنسانية العالمية التي يمكن أن يتحلى بها الناس كافة، لتصبح أساسا للتعايش الإنساني الآمن للجميع، ومصدرا للإلهام الإبداعي في كافة مجالات الحياة.
المشروع الثاني: تطوير المؤسسات الممثلة للإسلام
والمتمثلة في منابر وفعاليات الإسلام وما تقدمه من محتوى وخطاب إسلامي يجب تطهيره من المتناقضات وتجديده وتحديثه بما يتوائم مع معطيات العصر وطبيعة الجمهور المستهدف.
ثالثا: مؤسسات التحول:
1- مركز الدراسات الاستراتيجية لشؤون العيش المشترك للمسلمين مع غيرهم من الثقافات المختلفة، ليجيب على أسئلة التعايش الإسلامي مع التنوع البشري، وفق مرتكزات النظام الأخلاقي للإسلام ويزيل كافة الغموض والتقاطع والتوتر مع الآخر.
2- مركز رعاية العلاقات الاستراتيجية للحوار مع النخب الثقافية في المجتمعات المختلفة لإعادة رسم العلاقة مع النخب الثقافية والإعلامية والسياسية المؤثرة في المجتمعات الغربية، وبناء جسور من التفاهم والتعاون المشترك، وتصحيح مفاهيم الإسلام لديها، وبناء صورة ذهنية صحيحة لديها عن الإسلام، حتى تصبح رسلا وحمامات سلام طبيعبية للإسلام داخل مجتمعاتها.
3 - مركز صناعة وإدارة الهندسة الثقافية، ليجيب على أسئلة نحت وتطوير وجلاء المفاهيم والمصطلحات، وبيان تطبيقاتها السلوكية المناسبة في المجتمعات المختلفة، وإعادة تكييفها بما يتوافق مع الخصوصية الثقافية لكل مجتمع يهاجر إليه ويتواجد فيه المسلمون، ونسج المفاهيم والتصورات المشتركة مع الثقافات المختلفة، وتصميم بنى مفاهيمة صلبة مشتركة تكون أساسا ومنطلقا لما بعدها من المصالح المشتركة.
4 - مركز رعاية الحضور الإسلامي في المجتمعات الأجنبية، ليجيب على سؤال اندماج وتفاعل المسلمين في المهجر، وكيف يتحولون إلى قيم مضافة حقيقية للمجتمعات التي يعيشون فيها، يساهمون في حل مشاكلها وتنميتها وتطويرها، ويتحولون إلى أرقام إيجابية كبيرة في العلم والمعرفة والتكنولوجيا والزراعة والصناعة والثقافة والفن والإعلام والرياضة والسياسية.
5 - مركز لتنمية الأسرة يجيب على أسئلة وتحديات الأسرة المسلمة المعاصرة في تربية الأجيال التالية والتحول إلى وحدة فاعلة في بناء المكون المجتمعي.
رابعا: النتائج المتوقعة:
1- تحولات جذرية عميقة في منهجية التعامل مع النصوص الدينية، بالتحول إلى الفهم الشامل العميق المنفتح والمتصالح والمتكامل مع الفكر البشري المعاصر، وترجمتها إلى تطبيقات سلكوية فاعلة في واقع المجتمع.
2- إعادة النظر لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، والبحث في العمق عن طرق تفكير الرسول ومقاصده من أقوال وأفعاله في المواقف المختلفة، وإعادة تفسير وفهم أحداث ونصوص السيرة.
3- إعادة فهم النصوص الدينية في سياق المرتكزات الثلاثة: الرحمة والعدل والبر، وتنقية نظام الأفكار المسلم الجمعي مما اعتراه من تشوهات.
4- استعادة نسبية متدرجة لموازين الرحمة والعدل والقسك والبر بما تؤتي ثمارها على التحسين المستمر لجودة السلوك والأمن المجتمعي، وعلاقة المسلمين بغيرهم من المجتمعات الإنسانية.
5 - التحول من الانشغال بالآخر والرد عليه؛ إلى إصلاح وتطوير الذات الإسلامية.
كل ذلك سيمهد ويفتح الطريق إلى مفتتح عصر جديد، ليكون عنوان التحسن الأخلاقي والتنمية الذاتية المؤدي إلى النهوض واللحاق بركب العالم.