هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أحداث كثيرة مرت على القضية الفلسطينية خلال عام 2020 رسمت واقعا جديدا فرضته حكومة الاحتلال الإسرائيلية، بدعم وتأييد الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، ومن أبرز ملامح هذا الواقع عمليات الضم والمصادرة للأراضي الفلسطينية، التي بحسب مراقبين استمرت دون تغيير.
ولكن اتفاقيات التطبيع التي برزت خلال هذا العام جاءت
لتغير المعادلة التي كانت موجودة دوما، فالاحتلال اعترف أن العلاقات مع بعض الدول العربية
التي وقعت معه اتفاقيات تطبيع كانت سرية طيلة سنوات وظهرت للعلن خلال عام 2020 على
عكس الأعوام الماضية، كما أنها شكلت غطاء لعلميات الضم بدلا من تجميدها كما يوثق الباحثون.
المحلل السياسي خالد العمايرة يرى بأن الحكومة الإسرائيلية
الحالية هي حكومة الاستيطان بامتياز؛ وأن الإدارة الأمريكية المنتهي زمنها أصبحت تؤيد
كل شيء؛ بل إنها تفوقت على الاحتلال في التغول الاستيطاني ومساندته.
ويقول العمايرة لـ"عربي21"؛ إن كل الأحزاب اليمينية
بما فيها حركة "غوش امونين" الممثلة في إسرائيل بحزب البيت اليهودي بدعامة
"نفتالي بينيت"؛ لم تصل في مطالبها إلى ما وصل إليه ترامب، لذلك هذه الفترة
ذهبية بالنسبة للاستيطان في عموم الضفة، وذلك لأن ترامب أعطى الاحتلال حرية كاملة للاستيلاء
على ما تشاء من الأرض الفلسطينية.
ويعدّ المحلل بأن هذه قضية تاريخية؛ وأن أي إجراء أو
تغيير للإدارة الأمريكية أو التطبيع لن يكون له تأثير تاريخي استراتيجي بعيد المدى
على القضية بشكل أكبر وأوسع وأعمق، لأن القضية هي مركزية للعرب والمسلمين وقضية عقيدة.
اقرأ أيضا: الاحتلال يصيب فلسطينيا بـ"شلل رباعي" بعد إطلاق النار عليه بالضفة
ويضيف: "ذلك لأن المسجد الأقصى موجود في فلسطين،
ولا يمكن أبدا للعرب والمسلمين أن ينسوه، إلا إذا حذفت سورة الإسراء من القرآن، وهو أمر
مستحيل ولن يكون".
ويرى العمايرة أن "القضية الفلسطينية سوف تبقى وتزداد
وهجا في السنوات والعقود القادمة، وستدور الأيام وسيكون الاحتلال في وضع أصعب بكثير
من الوضع الحالي؛ لأن الدول العربية لن تبقى محكومة بعائلات وحكام فاشلين ومستبدين"،
على حد وصفه.
ويبين أن الاحتلال استطاع التطبيع مع الدول العربية فقط
لأنها أنظمة ديكتاتورية؛ وتمنع شعوبها من التعبير عن رفضها للاحتلال؛ حتى إذا قال شخص
في البحرين إن إسرائيل تحتل الوطن العربي يتم اعتقاله؛ وفي الإمارات كذلك يحصل الشيء
ذاته، وهذه الأمور لن تبقى للأبد وسوف تشهد البلاد العربية والإسلامية انبعاثا جديدا،
وستختفي هده الحكومات الظالمة وتعود الأمور للمربع الأول من جديد، حسب تعبيره.
ويتابع: "الكيان الإسرائيلي دولة منبوذة ومحتلة؛
ومهما فعلت لا يمكن أن تقفز على حقائق الدين والتاريخ والجغرافيا؛ كما أن أعداد الفلسطينيين
في فلسطين التاريخية أكبر من أعداد اليهود وهذه حقيقة".
على أرض الواقع
ويؤكد مدير مركز أبحاث الأراضي رائد موقدي، أن هجمة شرسة
كبيرة للمستوطنين تم تنفيذها، خلال هذا العام على الأراضي الزراعية.
ويقول لـ"عربي21"؛ إنه كان من الملاحظ خلال
عام 2020 قيام عصابات من المستوطنين بالعمل على أرض الواقع بشكل مخيف، حيث تسلط المستوطنون
المدعومون من الاحتلال ماديا ومعنويا وعسكريا؛ وتم إطلاقهم في الجبال الفلسطينية خاصة
المناطق التي تصنف على أنها "أراضي دولة" وعلى الأراضي الزراعية المهجورة؛
وكذلك على مناطق حساسة بالريف الفلسطيني.
ويشير إلى أن هؤلاء المستوطنين بدؤوا بالعمل على شكل
إقامة بؤر استيطانية عشوائية، تبدأ بمنازل متنقلة مؤقتة وتنتهي عادة بإقامة مستوطنة
حقيقية؛ حيث تم رصد نحو 12 بؤرة جديدة في الضفة والقدس، أقيمت بشكل عشوائي خلال عام
2020، مبينا أن هذه البؤر تصادر مئات الدونمات من الأراضي الفلسطينية.
ويوضح أن المستوطنين في أثناء هجمتهم التي تصاعدت خلال هذا
العام، يقومون بطرد المزارعين ورعاة الأغنام، ويهاجمون المواطنين وممتلكاتهم ويطردون
البدو من تجمعاتهم؛ ويسعون لتغيير معالم المنطقة تحت حماية قوات الاحتلال كنوع من أنواع
الاستيطان غير المنظم.
اقرأ أيضا: اعتقالات بالضفة وهجمات عنصرية من مستوطنين (شاهد)
ويبين موقدي أن هذا العام تميز كذلك بكم هائل من الإخطارات
العسكرية التي تحمل رقم 17/97، وهذا القرار العسكري بدأ تنفيذه بشكل واسع النطاق؛ حيث
يتضمن إعطاء الفلسطينيين فرصة فقط لمدة 96 ساعة للاعتراض على أي قرار لهدم المنازل؛
بحيث لا تشمل البدء بإجراءات الترخيص التي يتم أصلا منعها من قبل الاحتلال؛ بل إما
يتم خلالها الحصول على رخصة أولا؛ وإذا لم يكن المواطن لديه رخصة بناء، فسيتم هدم منزله
دون أخذ أي شيء بالاعتبار.
ويضيف: "استنادا للقرار العسكري يتم الهدم بدون
ترخيص؛ وهذا حصل في الطيبة قرب جنين، وفي قلقيلية تم هدم 3 منشآت تجارية ضخمة، وفي الجفتلك
بالأغوار وسلفيت، وهدم منشآت زراعية في رنتيس وعابود غرب رام الله، وفي مناطق الصفيح
والديوك الفوقا في أريحا؛ أي إنها طالت مناطق واسعة من الريف الفلسطيني".
من جانب آخر، يؤكد الخبير بأنه تمت ملاحظة عمليات توسعة
في معظم المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية بشكل مخيف؛ حتى إن بعض المستوطنات
المهمشة والمتروكة منذ سنوات يتم هذا العام بالذات تطويرها.
ويقول إن الاحتلال استمر كذلك بالتزامن مع ذلك في التضييق
على المزارعين الفلسطينيين ومصادرة الآليات والمعدات الزراعية؛ كما اعتدى على حق السكن
لدى الفلسطينيين، مبينا أن هناك سياسة مستهدفة لفرض أمر واقع، ومنع أي توسع فلسطيني
بشكل عام.
وحول ادعاءات الاحتلال بتأجيل عمليات الضم مقابل اتفاقيات
التطبيع؛ يرى موقدي أنه يكيل بمكيالين؛ الأول أمام الرأي العالمي خاصة الدول التي تهرول
نحو التطبيع أنها دولة سلام وجمدت خطة الضم لفتح المجال أمام السلام والتطبيع؛ ولكن
ما يجري على أرض الواقع مغاير تماما.
ويوضح أن أي شخص من الممكن أن يلاحظ أن مناطق الأغوار كافة أصبح هناك تركيز عليها بشكل مخيف؛ حيث تتم توسعة المستوطنات على صعيد مكثف فيها، ويتم
تقنين الحصص المائية للقرى الزراعية في الأغوار مثل الجفتلك وبردلة؛ بحيث يتم خفض الحصة
المائية بالتزامن مع الهجمة على المنشآت الزراعية ومصادرة المعدات الخاصة بمشاريع الحصاد
المائي، التي تنفذ من قبل مؤسسات دولية لتطوير مناطق الأغوار ومساعدتها.
ويتابع: "تتم مصادرة الآليات الزراعية التي تستخدم
للتنقل والحصول على المياه؛ والتضييق بشكل كبير على حق السكن، حيث إن معظم المنازل
الجديدة مخطرة بوقف البناء أو الهدم، ويتم استخدام القرار العسكري 17/97 بشكل واسع
النطاق في الأغوار، ما يدل على أن هناك مخططا يتم تنفيذه، يتجه نحو ضم الأغوار ومساحات
شاسعة من الضفة".
ويشير إلى أن الملخص الفعلي على أرض الواقع خلال عام
2020 هو مخطط ضم تفصيلي للضفة ولكن بهدوء، بحيث يسعى الاحتلال من هنا لخمس سنوات كحد
أقصى إلى تغيير معالم مساحات واسعة من الضفة؛ ثم خلق سياسة أمر واقع، وهي أن أي مسؤول
إسرائيلي قادم سيقول إن الأراضي تغيرت وتم تهويدها، وأصبحت هناك مستوطنات جديدة وطرق
التفافية، ولا يمكن إخلاء أي مستوطنة لأنها أصبحت حقيقة واقعة".
ويعدّ أن ما يجري حاليا هو تهويد يومي للأراضي سيلقى
أثرا سلبيا خلال الخمس سنوات القادمة؛ ومن ثَمّ هو مخطط لا يتوقف يجري بوتيرة عالية
نحو التهويد، في حين يروج الاحتلال أنه صانع سلام ويتطلع للسلام ويوقف خطة الضم.
القدس
أما القدس المحتلة، فعاشت بدورها مراحل متقدمة في عمليات
التهويد خلال عام 2020، جعلت الخطى متسارعة نحو تغيير واقع المدينة بما في ذلك المسجد
الأقصى المبارك.
ويقول رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي؛ إنه لا توجد إجراءات خفية لم يعلن الاحتلال عنها في القدس؛ لأن الواقع الذي حصل بعد
الاعتراف الأمريكي بالمدينة عاصمة قومية لإسرائيل وعمليات التطبيع المتتالية أعطته
ضوءا أخضر، لممارسة سلطته وتزييف الواقع القانوني فيها.
ويقول لـ"عربي21"؛ إنه حين تحدث الاحتلال عن
منع إعطاء 20 ألف مقدسي الجنسية الإسرائيلية من عمر 18-21 عاما، إذا "ارتكبوا أي
جريمة بحق الاحتلال" هو بذاته يعبر عن جريمة للواقع القانوني في القدس، ويمثل
هجمة شرسة بالهدم والاعتقال والتهجير لفرض السيادة الإسرائيلية وتغيير أسلوب التعامل
مع المقدسيين.
ويوضح أن الاحتلال غيّر كذلك أسلوب التعامل مع دائرة الأوقاف
وموظفيها؛ حيث تغيرت اللهجة والحدة وتم تصعيد أوامر الإبعاد أكثر؛ وهناك تعمد لإهانة
الأوقاف أو عدم الاعتراف بدورها في القدس، مبينا أن كل ذلك يعبر عن مرحلة جديدة من
فرض السيادة وإظهارها بشكل واضح.
ويشير الهدمي إلى أن تغيير الواقع القانوني للمقدسيين
يفقدهم الكثير من حقوقهم؛ فحتى الآن القانون الدولي يعدّ المقدسيين تحت الاحتلال؛
لكن التغاضي الأمريكي جعل الاحتلال يغير الواقع القانوني.
وبالنسبة للمسجد الأقصى، يؤكد الهدمي أن خطوات جديدة
نفذها الاحتلال لفرض السيادة عليه خلال عام 2020؛ حيث للمرة الأولى يمنع دخول طعام
حراس المسجد؛ وهذا له بعد رمزي يعني أن سلطة دائرة الأوقاف فقدت دورها وتآكلت سلطتها
بشكل واضح في الأقصى؛ كما أن هناك زيادة في عدد عناصر شرطة الاحتلال في المسجد وإضافة
النساء إليها؛ بهدف تغيير الواقع القانوني فيه.
ويضيف: "يسعى الاحتلال لإلغاء سيادة دائرة الأوقاف
على المسجد وتبعيته للحكومة الأردنية؛ بل يريد أن يعدّه واقعا تحت سلطة أراضي إسرائيل
ومنطقة يسيطر عليها؛ وهناك تعدٍّ واضح على موظفي الأوقاف، وعلى سبيل المثال أنه في بداية
إغلاق الأقصى بسبب انتشار فيروس كورونا طلبت شرطة الاحتلال كل أسماء الموظفين؛ في وقتها
كان الهدف المعلن هو ترتيب دخولهم لأنهم المسموح لهم فقط بالدخول؛ لكن الهدف المخفي
هو معرفة الواقع ليتم تحديدهم والبحث وراءهم أمنيا، والدخول إلى خصوصياتهم من أجل السيطرة
على المسجد وتسهيل ملاحقتهم".