هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "مصر وأمريكا وإسرائيل: قصة الصراع المستمر في الشرق الأوسط (1948 ـ 1973 )"
المؤلف: د. جمال أبو شقرة
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة "تاريخ المصريين" القاهرة 2020.
عن "القضية المركزية للعرب، يناضل العرب من أجل تحريرها، ويتاجر البعض الآخر بها"، أصدر د. جمال شقرة كتابه هذا، في 86 صفحة من القطع الكبير، مبينًا كيف تجاهل "مجلس قيادة الثورة" المصري، ضغوط إسرائيل، ومحاولتها "جرهم" إلى مفاوضات مبكرة. كما حاولت الولايات المتحدة ، مبكرًا، جر مصر إلى المعسكر الغربي" (صـ 8). وإن تغافل المؤلف عن العلاقات الحميمة التي قامت بين عبد الناصر والأمريكان، أولا عبر كيرميت روزفلت، مسؤول المخابرات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، حتى أواخر العام 955 . وإن عاد المؤلف، في الصفحة التالية، ليشير كيف "اصطدم النظام الجديد في مصر بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد نجاح عبد الناصر في عقد (صفقة الأسلحة التشيكية) العام 1955، واتخاذه للقرار التاريخي، بتأميم قناة السويس (صيف 1956)، بعد رفض (البنك الدولي) تمويل مشروع السد العالي، في مصر" (صـ 9).
يلفت شقرة الانتباه إلى الصراع الذي اندلع بين الدول الاستعمارية، غداة الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، التي تمخضت عن نتائج من بينها إخلاء بريطانيا موقع قيادة "المعسكر الاستعماري" للولايات المتحدة، التي خرجت من الحرب بأقل الخسائر، وبما لا يقاس بما لحق بكل من بريطانيا، وفرنسا؛ ما جعل واشنطن تبذل قصارى جهدها لوراثة بريطانيا، وفرنسا في مستعمراتهما، ووصل الأمر ذروته، في "مبدأ إيزنهاور" (كانون الثاني/ يناير 1957)، لملء الفراغ، الذي نشأ عن خروج الدولتين الأخيرتين من الشرق الأوسط، نتيجة فشلهما في تحقيق الأهداف السياسية من وراء "العدوان الثلاثي" على مصر وقطاع غزة ( خريف 1956).
إلى محاولات المخابرات الأمريكية اغتيال عبد الناصر، ولا أدري من أين أتى المؤلف بأمر "التي خططت لها تلك المخابرات مع جماعة الإخوان"؟! وكيف أن المرحلة الجديدة في علاقات واشنطن بالنظام المصري "لم تتوقف حتى تاريخ كتابة هذه السطور" ( صـ 20) .
إسرائيل وثورة يوليو1952
عن أسباب هزيمة العرب في حرب 1948 كان الفصل الأول، وقد بدأه المؤلف بلمحة عن حرب 48، وأسباب الهزيمة التي حاقت بالجيوش العربية فيها.
حول "إسرائيل وثورة يوليو 1952 ـ 1956"، لم يشر شقرة إلي ترحيب بن غوريون بتلك الثورة، تحت قبة الكنيسيت، في الأيام الأولي للثورة. أما انزعاج إسرائيل بشدة من برنامج الضباط الأحرار رغم خلوه من أية إشارة للصراع العربي ـ الإسرائيلي، الأمر الذي لم يحدث قبل نيسان / أبريل 1955، بعد انتفاضة غزة (3 ـ 1/3/1955) على أكتاف تحالف إخواني / شيوعي استثنائي وخاطف (لنحو أربعة أشهر متصلة) ضد الحكم المصري، الذي تهاون في الدفاع عن قطاع غزة، والذي كان وقٌع مع "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" اتفاقاً، قضي بتوطين اللاجئين المقيمين في مصر، وقطاع غزة، في شمال غربي سيناء "مشروع سيناء 1956"، وإن كان الصحيح أن عبد الناصر، وصحبه كانوا غارقين حتى، آذانهم، في أمر إخراج القوات البريطانية من قناة السويس، وثانياً أنهم كانوا حريصين على رضي واشنطن، التي لم تبخل عنهم بالمساعدة في إرغام البريطانيين على الجلاء عن قناة السويس، ودون أن يدري ثوار يوليو بأن واشنطن ليست جمعية خيرية، تُخرج البريطانيين لتسلمها ليوليو! بل لتحل محل بريطانيا، ولكن بالنفوذ الاقتصادي والسياسي دون الاحتلال العسكري.
اعتماداً على الوثائق الأمريكية فإن تبرم إسرائيل ازداد من التقارب المصري ـ الأمريكي؛ ما دفع واشنطن إلى إرجاء موضوع الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
صحيح أن واشنطن مع مصالح إسرائيل، كما تراها واشنطن. هذا، في حين تلقي عبد الناصر رسائل من موسي شاريت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ونحوم غولدمان، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية. على أن الرئيس المصري، رفض التفاوض المباشر، مؤكداً على أن موضوع إسرائيل يخص الدول العربية جميعها، كما أن فلسطين مسؤولية عربية جماعية. وتمترس عبد الناصر وراء الفصل بين جلاء القوات البريطانية، وبين ترتيبات الدفاع عن الشرق الأوسط، وبين تسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي؛ ما اعتبرته الأخيرة "تكتيكا خادعا"، من عبد الناصر، الذي واجه قضايا مصر الاقتصادية الملحة، وأنشأ جهاز مخابرات قوي حوى فرعا للشؤون العربية، أعد خطة لـ"ربط الوطن العربي بالقاهرة".
أصدر الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور مشروعه، الذي يحمل اسمه، بهدف "ملء الفراغ في الشرق الأوسط"، الذي نشأ عن اندحار بريطانيا وفرنسا منه. وقد أقر الكونغرس الأمريكي "مشروع إيزنهاور"، في 9 / 3 / 1957، وسرعان ما انضمت الولايات المتحدة إلى "حلف بغداد" 23 / 3 وغدت رئيسته!
في 26 / 7 / 1954، وقٌعت مصر وبريطانيا بالأحرف الأولى على "اتفاقية الجلاء"، التي تضمنت انسحاب القوات البريطانية من قناة السويس خلال عشرين شهرا. في الوقت الذي نفذت المخابرات الإسرائيلية "عملية سوزانا"، التي عُرفت لاحقاً بـ"فضيحة لافون"، حيث أقدمت المخابرات الإسرائيلية عبر عملائها في مر على إحراق مكتب الاستعلامات الأمريكي في القاهرة، والإسكندرية، فضلا عن داريْ سينما "ويفولي"، و"راديو" البريطانيتين في القاهرة. وإن نجحت الشرطة المصرية في القبض على عميل للموساد وهو يحاول إحراق سينما "ريو" بالإسكندرية، وبذا أخفقت المحاولة الإسرائيلية لتخريب علاقات مصر بكل من واشنطن ولندن.
ثم ما كان من عبد الناصر، حين رفض قبول المساعدات العسكرية الأمريكية، وفقا لقانون العمل الأمريكي المتبادل، وهدٌد بإمكانية لجوئه إلى السوفييت طلبا للسلاح. إلى ما كان من تصدي عبد الناصر لـ"حلف بغداد"، منذ قام (شباط/ فبراير ١٩٥٥)، دون أن يزعج هذا الموقف واشنطن، ذلك أن الحلف بدأ لحساب بريطانيا، ومن ضمن أهدافه التصدي لمحاولات واشنطن وراثة البريطانيين في مستعمراتهم العربية! وإن عادت الولايات المتحدة وانضمت إلى هذا الحلف، بعد أن أخفقت بريطانيا، وفرنسا في تحقيق أهدافهما السياسية، من وراء "العدوان الثلاثي".
هنا، أصدر الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور مشروعه، الذي يحمل اسمه، بهدف "ملء الفراغ في الشرق الأوسط"، الذي نشأ عن اندحار بريطانيا وفرنسا منه. وقد أقر الكونغرس الأمريكي "مشروع إيزنهاور"، في 9 / 3 / 1957، وسرعان ما انضمت الولايات المتحدة إلى "حلف بغداد" 23 / 3 وغدت رئيسته! وهي أمور لم يلق المؤلف الضوء عليها.
بعد انتفاضة غزة، سارع عبد الناصر إلى استحداث كتيبة فدائيين فلسطينيين، حملت اسم "الكتيبة 141 فدائيون"، ووضع على رأسها البكباشي (المقدم) مصطفى حافظ، وانتهز الرئيس المصري فرصة انعقاد مؤتمر "باندونغ " نيسان/ أبريل 1955، ليطلب من شو إن لاي، رئيس وزراء الصين وزير خارجيتها، مد مصر بالسلاح، فاعتذر له الأخير، وإن وعده بالطلب إلي السوفييت تنفيذ هذا الأمر. فكانت صفقة الأسلحة الشهيرة، والتي نصح كيرميت روزفيلت عبد الناصر، بتسميتها "صفقة الأسلحة التشيكية"، تخفيفا لوقعها على الإدارة الأمريكية! وإن لم يشر المؤلف إلى المعلومة الأخيرة لكنه أشار إلى أن الجرأة وصلت بإسرائيل حد طلب صفقة مشابهة من موسكو!
أبلغت واشنطن تل أبيب، بأن ليس في مقدور الأولي ضمان خطوط الهدنة، ما يُحتم على إسرائيل تحديد حدودها، بعد أن بلغ عدد قتلى إسرائيل على مدى الأشهر التسعة التالية لعدوانها على غزة (28 / 2 / 1955) 153 قتيلا.
عاد بنا شقرة إلى نغمة وقوع الإدارة الأمريكية تحت النفوذ الصهيوني؛ وكأن الذيل هو الذي يُحرٌك الكلب!
مبادرة إيزنهاور
بلور إيزنهاور مبادرة لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، مع أنطوني إيدن، رئيس وزراء بريطانيا، لتناول الصراع العربي ـ الإسرائيلي، على غرار الطريقة، والأسلوب نفسه، الذي عولجت به "قضية تريستا"، بمساومة أحد الأطراف على مطالبة، حتى يهبط بها إلى حدها الأدنى، وأبدت واشنطن استعدادها لتمويل مشروع "السد العالي"، ومد الجيش المصري بالسلاح، ودعمها برامج التنمية في مصر، ومدها بالقمح، ومساعدتها في تسويق القطن.
لكن بنغوريون رفض التنازل عن بوصة واحدة من الأرض، أو إعادة لاجئ واحد إلى فلسطين.
هنا، فاجأ عبد الناصر، الجميع، باعترافه بالصين الشعبية (19 / 5 / 1956)، الأمر الذي كانت تؤثمه واشنطن فسارعت إلى سحب عرضها بتمويل السد، وفي إثرها جاءت لندن، والبنك الدولي.
رد عبد الناصر بتأميم قناة السويس (26 / 7 / 1965)، ما أزعج الغرب الاستعماري، وكان "العدوان الثلاثي"، الذي بدأ رباعيا، بمشاركة القوات الأمريكية في اليومين الأولين من العدوان، ثم انسحبت، بعد أن كان أيدين قطع لإيزنهاور بأن العدوان لن يستغرق أكثر من ٤٨ ساعة، يسقط بعدها نظام عبد الناصر! الأمر الذي أكدته مجموعة من القادة العسكريين الفرنسيين، بمناسبة مرور نصف قرن على العدوان المذكور، الأمر لم يشر إليه المؤلف..
بلور إيزنهاور مبادرة لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، مع أنطوني إيدن، رئيس وزراء بريطانيا، لتناول الصراع العربي ـ الإسرائيلي، على غرار الطريقة، والأسلوب نفسه، الذي عولجت به "قضية تريستا"، بمساومة أحد الأطراف على مطالبة، حتى يهبط بها إلى حدها الأدنى، وأبدت واشنطن استعدادها لتمويل مشروع "السد العالي"، ومد الجيش المصري بالسلاح، ودعمها برامج التنمية في مصر،
أدى إخفاق المعتدين في تحقيق أهدافهم، إلى صعود نجم عبد الناصر، وتحوله إلى القائد العربي الأول، بلا منازع، لسنوات لاحقة.
خصص شقرة الفصل الثالث لـ"أثر أزمة قناة السويس ( 1956) على الصراع الانغلوأمريكي". وبين ما استغله إيزنهاور لمزيد من أضعاف سلفه على رأس" المعسكر الاستعماري" بريطانيا ؛ الأمر الذي اكتشفه إيدين، متأخرا.
بينما خصص المؤلف، فصله الرابع لاستعراض العلاقة بين "مصر وأمريكا وإسرائيل، من (مبدأ إيزنهاور) إلى مؤامرة1967"، وحين وصل شقرة إلى الخلاف، بين رأس النظام العراقي عبد الكريم قاسم، وعبد الناصر، رأى المؤلف أن إدارة إيزنهاور ارتاحت لهذا الانقسام ،" الأمر الذي مهد لنوع من الاسترخاء النسبي في علاقاتها مع عبد الناصر"، (ص148).
والحقيقة أن عبد الناصر أراد أن يفرض على النظام الثوري الجديد في العراق، وحدة اندماجية فورية مع الجمهورية العربية المتحدة، ورد قاسم باقتراح البداية بكونفيدرالية تراعي الفروق الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية، والثقافية، بين الدولتين، حتى لا تتكرر أخطاء الوحدة المصرية السورية. وأيد الشيوعيون، والحزب الوطني الديمقراطي، وبعض "حزب الاستقلال"، قاسم فيما عرض، بينما انحاز لموقف عبد الناصر هنا "البعث"، و"القوميون العرب"، ومعظم "الاستقلال"، وتصدرهم عبد السلام عارف نائب قاسم.
وفشل انقلاب لهذا التحالف (آذار / مارس 1952)، وكانت مذبحة، رد عليها عبد الناصر بحملة دعائية وأمنية ضد الشيوعيين، وغزل لواشنطن، التي سارعت إلى إعادة المساعدات المالية والزراعية، لمصر، الأمر الذي استمر حتى أواخر 1962، حين انتقل عبد الناصر بقواته، إلى اليمن تضامنا مع ثورتها؛ فأطل بذلك على منابع البترول في الجزيرة العربية.
وبذا، تبخرت نقطة التقاطع التي كانت استجدت بين القاهرة وواشنطن، ولكن بعد أن تضامنا في دعم "البعث" فكان انقلاب 8 شباط / فبراير 1963 الدامي في العراق.
عبد الناصر وفلسطين
عن "عبد الناصر والقضية الفلسطينية"، أشار المؤلف إلى خطاب الرئيس عبد الناصر الجمعية العمومية للأمم المتحدة (27 / 9 / 1960)، ثم كان الانفصال (28 / 9 / 1961)، هنا حدث تطوران هامان، أولهما انتزاع الثورة الجزائرية لاستقلال وطنها (آذار / مارس 1962)، فحث أربعة زعماء عرب الشعب الفلسطيني، على أن يأخذ قضية في الوطنية بين يديه (سعود بن عبد العزيز (السعودية)، بشير العظمة(سوريا)، جمال عبد الناصر(مصر)، احمد بن بيلا (الجزائر)، على التوالي، ما بين آذار/ مارس، وتموز/ يوليو 1962. وإن تميز عبد الناصر عنهم جميعا، بأن خاطب أعضاء المجلس التشريعي في قطاع غزة، مؤكداً لهم: "أنا معنديش خطة لتحرير فلسطين!".
لا أدري لماذا يُصر المؤلف على أن ايه جون كنيدي كان صديقاً للعرب؟! حيث يؤكد شقرة بأن اغتيال جون كيندي (22/11/1963) قد قلب الهدوء إلى توتر واضطراب، حيث أشار المؤلف إلى أن ليندون جونسون، خلف كندي، "كان حريصا على توثيق علاقته في اللوبي اليهودي، (ص 169 )". ولأسباب عدة عدا إطلال عبد الناصر على منابع البترول، أخذت واشنطن، ولندن، مع تل أبيب "تتأهب لتوجيه ضربة لمصر"، بينما كان ميل جونسون قد اشتد للتخلص من عبد الناصر، منذ الأيام الأخيرة منذ العام 1966.
حول "انتصار مصر في حرب استنزاف"، أورد المؤلف شهادات إسرائيلية، على مدار الفصل الخامس. قبل أن ينتقل، في الفصل السادس، إلى "الدبلوماسية الأمريكية السرية، ومصر قبل حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973"، حيث حاول السادات عبثا، إقناع واشنطن بضرورة الضغط على إسرائيل، من أجل منحه تسوية مشرفة، إلا أن واشنطن أقنعته بضرورة تحريك الأمور، فكانت الحرب المشار إليها، وما لحقها من تنازلات مجانية من قبل السادات، توجت بصلحه المهين مع إسرائيل، وفتحه الباب لما يسمى" التطبيع مع هذا العدو".