أفكَار

قيادي جزائري: حكم الإسلاميين ينجح بالمشاركة ويفشل بالمغالبة

أحمد الدان: لم تعط للإسلاميين فرصة لتطبيق رؤيتهم على أرض الواقع (صفحة حركة البناء الوطني)
أحمد الدان: لم تعط للإسلاميين فرصة لتطبيق رؤيتهم على أرض الواقع (صفحة حركة البناء الوطني)

يؤكد الأستاذ أحمد الدان، نائب رئيس حركة البناء الوطني الجزائرية، أن امتلاك الإخوان المسلمين لمشروع تحرري مناقض لمشروع الاستعمار الحديث، عمل لإعادة إنتاج الإنسان المسلم على أسس علمية بعيدة عن الدروشة، علاوة على موقفهم الداعم للحق الفلسطيني، هو سبب هذه الحرب الشاملة المعلنة ضد هذا التيار، وذلك بخلاف تيارات أخرى (إسلامية المظهر)، أدت دورها في مساندة الاستبداد والجمود، وسينتهي دورها قريبا لأن منظومة التطبيع الجديدة، لن تقبل حتى بالتيارات الشكلانية الوظيفية التي تعمل بالوكالة.

ويعتقد الأستاذ أحمد الدان في حديثه مع "عربي21"، أن تغير موازين القوة، وتغيير الأنظمة العربية، يقف وراء حالة الهرولة ناحية التطبيع مع الصهاينة، مبرزا العامل التاريخي لتشكل تلك الدول، التي قامت برأيه برعاية بريطانية وقامت على أساس تدمير الخلافة الإسلامية تحت دعاية عرقية لعبت فيها مسطرة "سايكس بيكو" الدور الأبرز في رسم جغرافية المنطقة وسياساتها، وبالتحديد في فهم حالة النكوص الحالية، منوها في الآن نفسه إلى أن طرح إشكالية الهوية في منطقة المغرب العربي، لا تبتعد كثيرا عن هذا الاطار، كونها تعيد للواجهة الطروحات الفرنسية الخبيثة للواجهة بهدف تعطيل مشروع التنمية والحرية والتقدم في المنطقة.

 

وفي ما يأتي الجزء الأول من الحوار

س ـ الدولة الإسلامية هي دولة مدنية وليست حكومة ثيوقراطية بالمفهوم الكنسي، ومع ذلك يصر العلمانيون على وصمها بالثيوقراطية، هل هو جهل أم تعمد للتشويه؟ 


ـ هناك تقسيمات عدة للدول على أسس فكرية وأيديولوجية وسياسية وحتى تاريخية وعائلية، مثل الدول الرأسمالية والدول الاشتراكية والدول المسيحية والدول الإسلامية، وهناك من يسمي الدولة على العائلة مثل الدولة السعودية، والدولة العثمانية، والدولة الهاشمية وغير ذلك من المسميات.
 
لكن مضامين الأنظمة لا تحمل بالضرورة كل مكونات العناوين تلك، لأننا نجد دول الاستبداد تسمي نفسها بالديمقراطية ودول مملكات ولكنها في قمة الديمقراطية، وكذلك الأمر المتعلق بصفة الإسلامية، فالعالم الإسلامي كل دولة إسلامية بالإسم لكنها غير ملتزمة بالتشريعات التي تعكس الحالة الإسلامية خاصة في مسألة الحكم والشورى وتسيير الثروة والعلاقات الدولية على سبيل المثال.
 
وأما المصطلحات الجديدة في المشهد السياسي العالمي ومنها مصطلح الدولة الإسلامية، فأعتقد أنها مصطلحات وظفت لأغراض وأجندات غير موضوعية، أبعدتها عن مقصدها الحقيقي ومثال ذلك إطلاق تسمية "داعش" ومحاولة ربطها بمصطلح الدولة الإسلامية .
 
إن حالة الدولة الإسلامية من الناحية التاريخية مرت بعدة مراحل، كان منها دولة العدل ومنها دولة الجبر ومنها الدولة الوطنية التي عرفها العالم بعد مرحلة الاستعمار، وكانت كلها تتسمى بالدولة الإسلامية، لكن السؤال مستمر حول مدى قرب هذه الدول أو بعدها من المضامين الإسلامية.
 
والدولة الإسلامية هي في حالة تجاذب اليوم بين مفهوم سني يعطي للأمة حق الاختيار، ومفهوم شيعي يعطي القداسة للأئمة ولايستطيع طرف إلغاء صفة الإسلامية عن الطرف الآخر .
 
من هنا يمكننا القول إن المقارنة بين الواقع والنظرية يشهد الكثير من التصدعات التي تحتاج إلى إعادة القراءة والتميز بين رؤية الإسلام للدولة ورؤية المسلمين للدولة، قبل أن نتكلم عن رؤية العلمانيين لها لأن رؤيتهم هي رؤية رغبوية أكثر منها رؤية علمية.
 
أما التيار العلماني فقد ولد من الصراع مع الكنيسة، ولذلك حكم على الأديان الأخرى كما حكم على دين الكنيسة في القرون الوسطى وأسس التيار العلماني لمنظومة حكم عالمية بعد الاستعمار على رؤية مشوهة للإسلام بل ورؤية دعائية بعيدة عن الإنصاف، لأن الإسلام دين الحرية والدولة التي يؤسس لها هي دولة الحرية التي تناقض الثيوقراطية وحكم المقدس.
 
يبقى أن نشير إلى أن موضوع الدولة في الإسلام هو موضوع مركزي لأن الإسلام جاء لإدارة شأن الحياة على أسس الحقوق والعدل والحريات والتنمية والامن للإنسانية كلها، والتشويه الذي حصل لصورة الحكم في الإسلام سببه الانحراف الذي مارسته السلط، والدعاية التي مارسها الاستشراق قديما والاستغراب حديثا كما سببه الغلو والتطرف الذي مارسه بعض الإسلاميين خصوصا بعد حالات السجون والقتل والنفي والأذى الذي سُلِّط عليهم. 

س ـ يعتقد الكثيرون أن الإسلاميين ما زالوا بعيدين عن تطوير آلية واضحة للحكم، خاصة في مجال النظرية السياسية، هل هذا صحيح؟  


ـ الإسلاميون هم جزء من المسلمين، والشعوب المسلمة لحد الآن لم تعط لها الحرية لتطبيق اختياراتها في الحكم لا على مستوى النظرية ولا على مستوى الإنجاز. 

والنظرية الإسلامية في الحكم واضحة وبسيطة، وأعتقد أنه بعد سقوط النظرية الاشتراكية، تسقط أيضا النظرية الديمقراطية التي بدأت تتحول عن أصلها نحو الديمقراطية التشاركية، وهذا بداية فشلها في الحقيقة، ومن هنا في اعتقادي أن النظرية الإسلامية هي البديل المستقبلي لأنها تحمي السياسة من الهيمنة المادية ومن العصبيات الضيقة، خاصة وأن مشكلة السياسة العالمية اليوم هي الصراع الاقتصادي المادي أساسا.
 
ولم تتح للإسلاميين لحد الآن الفرصة كفصيل سياسي لتطبيق رؤيتهم في أرض الواقع، حيث أمامنا تجربة الإسلاميين في المغرب أو في السودان  أو في إيران أو حتى في تركيا كلها تجارب محكومة ببيئة قاهرة ومضادة صرفت جهود هذه التجارب عن التنمية وأدخلتها في الصراع .
 
ولعل تجربة حكومة الإسلاميين في مصر وفلسطين صورة أخرى لهذه الحرب على الإسلاميين.

ومع ذلك فإن الواقع يقول بأن آلية الحكم لدى الإسلاميين تنجح بالمشاركة وتفشل بالمغالبة والتفرد، ونظرية الحكم عند الإسلاميين لا تزال حديثة وصغيرة وغير ناضجة وتحتاج الى عاملين أساسيين للاستكمال .

ـ أولهما إخراجها من المذهبيات الضيقة والبحث عن سعة الإسلام ورحمته.
 
ـ وثانيهما تجميع تجارب الإسلاميين لاستخلاص الرؤية النظرية من عصارة تجارب القرن الماضي لمعرفة طريق البقاء والنجاح في القرن القادم أو الحالي.

س ـ وماذا عن العلمانيين العرب في هذا الصدد؟ 


ـ أعتقد أن العلمانيين العرب قد خاضوا التجربة خلال مرحلة الدولة العربية بعد الاستقلال وأنجزوا جزءا مهما من الدولة الوطنية لمدة تفوق السبعة عقود، ولكنهم كانوا ظلا للاستبداد وآداة من أدوات صراع الأنظمة ضد شعوبها، وحالة من التبعية للمعسكر الاشتراكي أو الرأسمالي حسب توجهات السلطة، وكانت معارضتهم ضمن هذه الثنائية القطبية أيضا ولم يستطيعوا إنتاج النظرية العربية في الحكم أو النهضة لأنهم هاجروا فكريا فحدث فيهم انفصام حاد وسيطروا على النخب لكنهم لم يستطيعوا القيادة السياسية للشعوب ولم يتحملوا التضحية من أجل أفكارهم مما حبسهم في حالة المداراة السياسية وأحيانا النفاق السياسي . 

س ـ هل الاستشارة الشعبية عبر الانتخابات، تنوب عن الشورى بمفهومها الديني، الذي يخص أهل الحل والعقد؟


ـ مجال الاستشارة الشعبية هو نمط من أنماط تعبير الأمة عن اختياراتها خصوصا بعد تراجع مفاهيم العامة والدهماء والغثائية، لأن الشعوب أصبحت واعية ومثقفة ومتعلمة ولها الحق في المشاركة السياسة المباشرة ويتأكد ذلك في الانتخابات ذات البعد المحلي.

ولا يتعارض هذا النمط مع الإسلام لأن نموذج الاستشارة التي قام بها سيدنا عبد الرحمن بن عوف كانت واسعة ووصلت إلى الصبيان والنساء وحتى إلى زوار المدينة حين قيامه بالاستشارة حول الخليفة.

كما أن هذا النمط لا يتعارض مع أهل الحل والعقد الذين يمكن أن يتجسدوا في البرلمانات أو المجالس المشتركة أو غيرها مما يتطلبه الاختصاص بعد توسع مجالات الاختصاص وتشعب الدولة المدنية في العصر الحالي ومنذ العصر الحديث. 

كما أن الشورى ليست طريقة صماء أو أسلوبا محددا بل هي نظرية مفتوحة للاستفادة من العقول في تقدير الموقف واختيار البديل الأفضل.
 
ولذلك فإن الانتخابات يمكن اعتبارها صورة واسعة للشورى في الأشخاص والأحزاب والبرامج ضمن الرؤية التعددية والتنافس على الإصلاح، ولكنها لا تكفي عن استمرار الشورى الملزمة للحاكم أمام الحالات المستجدة والقضايا الطارئة مثلا ولا عن الشورى المعلمة بين المسؤول والمواطنين لأنها حينئذ تكون جزء من ادارة الشفافية. 

س ـ إلى أي حد ما زال المشرق ملهما للمغرب العربي فكريا؟ وهل صحيح أنه بدأ يخرج من الحالة الإلحاقية المشرقية ويتحول إلى مصدر للتصدير والتأثير المعاكس؟  


 ـ هذه دعاية مشرقية على نمط هذه بضاعتنا ردت إلينا. ونحن بالرغم من تسليمنا بأن الشمس تطلع من المشرق وأن القبلة مشرقية بالنسبة لنا، إلا أننا لا نعتبر المشرق ملهما للمغرب ولكن هنا حوض حضاري تبادلي بين أطراف الأمة.. ومثال ذلك أن أول من شرح صحيح البخاري كان مغرببا وليس مشرقيا.
 
والمشرق كان دوره كبيرا في الحضارة المشرقية لكن المغرب كان له الدور الأكبر في الحضارة الإنسانية .
 
مكتبة المعصومية كانت تضاهي مكتبة بغداد ومكتبة قرطبة كذلك ثم الزيتونة هي أم الأزهر وأصله والقرويون وأمثال ابن حزم وابن خلدون وابن رشد وابن باديس والإبراهيمي نماذج نادرة قل نظيرها في المشرق. 
 
وصورة الجزائر كانت ملهمة إلى أبعد صور الإلهام في التحرر والوحدة . والمغرب هو أصل الرؤية المقاصدية الواسعة بخلاف المشرق تماما . 

ونحن هنا لا ننقص قيمة المشرق ولكن يجب أن تحكمنا الموضوعية في أن مسألة الإلهام والنورانية ليست بذلك الحكم الوهمي القديم .
 
لكن يجب أن نقر بأن علوم المغرب علوم مشافهة وعلوم المشرق علوم مخطوطة وعلوم كتابة واليوم مع تطور الإعلام الرقمي أصبحت علوم المشافهة أقوى في التأثير لأن العالم الموريتاني الذي كان مغمورا أصبح بواسطة الوسائط الرقمية هو من يؤثر في كل الساحات.
 
وهنا لا نتكلم عن الفكر فقط ولكن حتى في العلوم التجريبية كان المغرب مستقلا بأطبائه وفلكييه وجغرافييه ورحالته وسياسييه وقادته . 

التعليقات (2)
ناقد لا حاقد
الخميس، 08-10-2020 10:36 م
كلام فارغ .........
مصري
الخميس، 08-10-2020 09:19 م
نواب الاحتلال الذين يحكمون بلادنا لا يرون الا السجون مكان للمسلمين لان لو حكم المسلمون بلادهم التي انتخبتهم و قامت باختيارهم اكيد ستتحرر البلاد من الاحتلال