هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "حقيقة السبي البابلي.. الحملات الآشورية على الجزيرة العربية واليمن"
المؤلف: فاضل الربيعي
الناشر: دار الرافدين، 2020
"فلسطين المتخيلة: أرض التوراة في اليمن القديم"، و"القدس ليست أورشليم: مساهمة في تصحيح تاريخ فلسطين" هما كتابان للباحث العراقي فاضل الربيعي سبقا كتابه موضوع العرض "حقيقة السبي البابلي.. الحملات الآشورية على الجزيرة العربية واليمن" الذي صدر في طبعة جديدة هذا العام عن دار الرافدين. وفي هذه الكتب الثلاثة يحاول الربيعي تأسيس سردية مختلفة لتاريخ فلسطين وتاريخ اليهود فيها، و"كسر احتكار" الرواية الاستشراقية للتوراة التي أصبحت ثقافة عامة وسائدة، مستندا في ذلك إلى النصوص التوراتية نفسها، والنقوش الآشورية، وكتب المؤرخين القدماء العرب مثل "سير الملوك" للطبري، و"مروج الذهب" للمسعودي، و"نهاية الأرب" للنويري، و"صفة جزيرة العرب" للهمداني.
ويطرح الربيعي في كتبه هذه ما يعتبره تصحيحا ملحا لتاريخ تم تكريسه من قبل مستشرقيين غربيين لا تؤيده الآثار ولا الأخبار ولا العقل، بحسب ما يقول، فجغرافيا أحداث التوراة هي في مكان آخر لا علاقة له بفلسطين، إنها تقع كلها في اليمن تحديدا، ولكن تم تزييفها، سواء نتيجة للقراءة والتفسير الخاطئين للتوراة أو بشكل متعمد ومقصود، لتناسب وضعا احتلاليا استعماريا لفلسطين وإعطائه شرعية دينية وتاريخية.
ويضيف الربيعي في كتابه "السبي البابلي.." أنه لا يوجد أي دليل "مهما كان بسيطا" يشير أو يلمح إلى أن أحداث السبي قد وقعت في فلسطين أو أن اليهود وحدهم كانوا ضحاياه. هو إذن لا ينكر وقوعه لكنه ينفي أن تكون فلسطين مسرحا لأحداثه.
احتكار الفاجعة
التوراة في نصها العبري "تجهل اسم فلسطين والفلسطينيين كليا" وما يقال عن أنها أشارت أيضا إلى القدس هو "محض خيال استشراقي سقيم"، هذا ما يؤكده الربيعي، المتخصص في الميثولوجيا ودراسة الكتاب المقدس واللغة العبرية، مشيرا إلى أن محاولته لـ "تصحيح" تاريخ فلسطين القديم في هذا الكتاب يستند إلى منظورين هما إعادة بناء الرواية عن السبي عبر تفحص ودراسة النقوش الآشورية، وإعادة بنائها استنادا إلى المصادر الإخبارية العربية القديمة التي ذكرت الواقعة باعتبارها حدثا خطيرا شهدته اليمن والجزيرة العربية و"استهدف القبائل الوثنية والموحدة على حد سواء ولم يكن مقتصرا على القبائل التي دانت بدين اليهودية".
ويلفت إلى أن الحديث عن حقيقة السبي البابلي وما إذا كانت فلسطين مسرحها أم لا يكسر احتكار الرواية التوراتية "المهيمنة" عن السبي البابلي، ويضعه في إطاره الصحيح بوصفه حادثا تاريخيا مؤكدا تعرضت له القبائل العربية البائدة، ومن ضمنها قبيلة تدعى بنو إسرائيل، كانت تدين بدين اليهودية في اليمن. وكل هذه القبائل تعرضت لاضطهاد من قبل الآشوريين.
يقول الربيعي في مقدمة كتابه: "لقد اقتطع علماء آثار وكتاب تاريخ ـ من المستشرقين والتوراتيين الأجانب والعرب على حد سواء ـ أرطالا من اللحم الحي من جسد التاريخ وألصقوها زورا بتاريخ فلسطين واليهود لكي تبدو فاجعة السبي البابلي مستمرة ومتواصلة ومتكررة"،
ويتحدث الربيعي هنا عما يسميه "احتكار الفاجعة"، حيث قامت أجيال من المستشرقين والمنقبين وكتاب التاريخ ممن ينتمون إلى "التيار اللاهوتي" أو "التيار التوراتي" في علم الآثار، ببناء أسطورة حول اليهود جعلت منهم ضحية فريدة واستثنائية "وقعت في شراك امبراطورية ضخمة هي الامبراطورية الآشورية" وواجهتها منفردة، مع تعمد واضح لإقصاء كل الضحايا الآخرين (القبائل الأخرى) من المشهد، بهدف احتكار صفة الضحية.
معارك في اليمن
يقول الربيعي أنه لا يعقل أن تكون الامبراطورية الآشورية على مدى 200 عام قد أرسلت تسع حملات عسكرية ضخمة لإخضاع مقاطعة صغيرة مثل فلسطين محدودة الإمكانات. والصحيح أن هذه الحملات استهدفت القبائل العربية العاربة في الجزيرة واليمن، وهي قبائل عرفت بأنها مقاتلة وشرسة وسيطرت على طرق التجارة البرية والبحرية، لا سيما تجارة البخور. وبسلوكها الاستقلالي شكلت تهديدا حقيقيا للامبراطورية الآشورية يتعين التخلص منه أو اضعافه. و"هذا ما تؤكده النقوش المسجلة عن تسع حروب شنها الآشوريون ضد القبائل التي كانت تهاجم حدود الإمبراطورية من التخوم الصحراوية، ولم يكن بنو إسرائيل آنذاك سوى قبيلة صغيرة من هذه القبائل البائدة".
يضيف الربيعي أن خمس مجلدات من النقوش والسجلات الآشورية الموجودة حاليا في المتحف البريطاني كلها تتحدث عن معارك في مأرب وفي مصرين(مصر) وفي عدن وتعز. وفي سبيل السيطرة على طرق التجارة والموانىء وثروات اليمن من الذهب والبخور تم إخضاع القبائل العربية اليمنية وسبيها ومن بينها كان بنو اسرائيل الشماليون والجنوبيون (من سبأ وحمير).
وجدير بالملاحظة هنا أنه حدث في في الفترات الاخيرة ان تحالف اليهود الحميريون مع الآشوريين ضد اليهود في الشمال، ما يؤكد أن اليهود لم يكونوا مستهدفين بالسبي لكونهم يهودا. ويوضح الربيعي أن السبي حدث في مراحل مختلفة، لكن الذي أخذ صدى كبيرا كان ذلك الذي وقع على يد نبوخذ نصر ضد يهود جنوبيين تحالفوا مع اشقائهم في الشمال، رغم العداء الذي كان بينهم، ضد الآشوريين. أمر آخر يشير إليه الربيعي وهو أن أسماء القبائل التي تم سبيها على يد نبوخذ نصر(627ق.م)، والتي ذكرت في التوراة لا تزال تعرف بالأسماء ذاتها وهي في اليمن لا فلسطين، على سبيل المثال : بنو جبر، بنو بيت لخم (كما تلفظ بالعبرية) واللخميين من أشهر القبائل اليمنية، وبنو حريشة، و بنوصبيحة، و بنو حسفة، وبنو حشم .. وغيرها.
وفي العام 539 ق.م عندما سقطت بابل على يد قورش الفارسي كان أول قرار اتخذه هو تحرير القبائل العربية اليمنية واليهودية وإعادتها إلى اليمن،لا إلى فلسطين لأنها لم تكن تعيش هناك أصلا، وذلك بسبب علاقات ومصالح وروابط صداقة سابقة للامبراطورية الفارسية مع هذه القبائل، بحسب الربيعي.
اختراع إسرائيل وفلسطين القديمة
يؤكد الربيعي بشكل واضح على أن اليهودية، وكما ذكر الإخباريون العرب القدماء، ظهرت في اليمن، وبالتالي فإن التوراة هي كتاب من كتب يهود اليمن، وأن العبرية ليست أكثر من لهجة يمنية منقرضة. لكن الاستشراق الغربي(اليهودي التقليدي) احتكر رواية السبي البابلي وقام "بنسبتها دون وجه حق" إلى تاريخ اليهود الغربيين وحدهم. يقول: "في سياق هذا الاحتكار.. أصبح من المتعذر على أي باحث التجرؤ على طرح أسئلة يمكن أن تشكك في درجة دقة وصحة هذا السرد من منظور الحقيقة العلمية... (وهذا الوضع) قد يكون وراء إنشاء أرضية صلبة لفكرة "الحق الديني" في مشروع اغتصاب فلسطين". أدى ذلك إلى التسليم بأن حادثة السبي وقعت في فلسطين وأن مرويات التوراة وقصصها جزء من تاريخ فلسطين القديم وفوق ذلك أن هذا التاريخ هو ملك لجماعات أوروبية وأمريكية تنتمي إلى الدين اليهودي. وهذا "أمر يثير العجب" على حد تعبير الربيعي. لأنه ، كما يقول، يماثل ادعاء مسلم من أصل فلبيني أنه من قريش ومن نسل هاشم وأن له الحق في أرض العرب ما دام مسلما.ويضيف: كما أن الإسلام شيء وقريش شيء آخر فاليهودية شيء وبني إسرائيل شيء آخر. وكون المرء يهوديا أمريكيا او أوروبيا لا يجعله ذلك من بني إسرائيل لمجرد أنه يهودي.
ليست المصادر الاستشراقية الغربية وقراءتها للتوراة والتاريخ هي ما تستحق النقد والتفنيد فقط، فالربيعي ينظر بغضب أيضا إلى المصادر العربية والإسلامية المتأخرة، ويرى أنها تستحق "نقدا لاذعا وحتى رفضا تاما لمنطوقها ومضمونها. إن بعض هذه المصادر تشير دون أي علم حقيقي بالتاريخ، ودون معارف جغرافية رصينة إلى أن، البخت نصر( أي نبوخذ نصر) خرّب بيت المقدس في بلاد الشام، بينما هي تتحدث عن الحملة كحدث وقع في اليمن. وهذا خلط مريع للتاريخ والجغرافيا، كان من شأنه مع مرور الوقت، أن ساهم في خلق وعي مشوه عند العرب والمسلمين لتاريخهم. ومع ذلك فإن أهمية السرديات الإخبارية العربية القديمة تكمن في أنها رسمت إطارا صحيحا للأحداث بوصفها مواجهة عنيفة بين الإمبراطورية الآشورية والقبائل العربية المتمردة، وهذا ما يتوافق كليا مع النقوش والسجلات".
ويبين الربيعي أن "اختراع إسرائيل القديمة (كان لا بد له من) اختراع فلسطين قديمة يزعم أنها كانت وطن اليهود. بيد أن فلسطين هذه التي تأسست صورتها في وعينا طبقا للصور التوراتية عن السبي البابلي، ومعارك داود، وعبور الأردن، وسقوط أريحا،لا وجود لها في التوراة قط، وهي من تلفيق واختراع المؤرخين الغربيين ـ وعلى خطاهم العرب والمسلمين ـ لأن التوراة لم تعرف فلسطين ولم تذكرها بالاسم".
يقول الربيعي في مقدمة كتابه: "لقد اقتطع علماء آثار وكتاب تاريخ ـ من المستشرقين والتوراتيين الأجانب والعرب على حد سواء ـ أرطالا من اللحم الحي من جسد التاريخ وألصقوها زورا بتاريخ فلسطين واليهود لكي تبدو فاجعة السبي البابلي مستمرة ومتواصلة ومتكررة"، مشيرا إلى أن ما يحاول القيام به في كتابه هذا هو تصحيح لتاريخ فلسطين وتاريخ العرب، وهو عملية يجب أن تتواصل على أيدي الباحثين وكتاب التاريخ، للتخلص من "المزاعم الاستشراقية" و"الرواية الزائفة" التي تربط فلسطين بـ"أرض الميعاد" اليهودي، وتحطيم أي أساس قام عليه ما يسمى "الحق التاريخي".