سبع سنوات ولا يعرف أحد مصير قائد الأسطول السادس الأمريكي، الذي تحرك في عام 2013 تجاه السواحل
المصرية وتحديدا إلى شواطئ الإسكندرية، في عملية عسكرية سرية لحماية الإخوان المسلمين قبل فض رابعة، ليفاجأ بالطيران المصري في الجو والضفادع البشرية المصرية (الصاعقة البحرية) في البحر، ليحاصر الأسطول السادس جوا وبحرا، وتقوم الصاعقة البحرية المصرية بأسر قائد الأسطول، الذي تجرأ على عرين مصر المحمي بعناية
السيسي، ليتصل بعدها أحد أعضاء المجلس العسكري بالرئيس الأمريكي حينها، باراك أوباما، مهددا بالتصعيد لو أراد، ليأخذ الرئيس الأمريكي القرار فورا بانسحاب الأسطول بعيدا عن المياه الإقليمية المصرية، تاركا وراءه قائد أسطوله من هول الصدمة.
الدرس الذي تلقاه أوباما من السيسي كان كفيلا ليتعلم
ترامب أن التعامل مع السيسي له ضوابطه وحدوده، فمصر الكبيرة لا تستطيع قوة في العالم تركيعها مهما بلغت من قوة، مصر السيسي ليست مصر ما قبله. ولعل السنوات السابقة كانت كفيلة بتأكيد هذه المفاهيم، فالسياسة الأمريكية تجاه مصر قد اختلفت 180 درجة بعد وصول السيسي لسدة الحكم في مصر، فالآن مصر تأمر وأمريكا تطيع، ولعل حكمة القيادة المصرية أرادت الإبقاء على هيبة النسر الأمريكي، لا لشيء إلا لاستخدامه مستقبلا.
وها هو الوقت قد حان، بعد أن تجرأ أحد الناشطين، ويدعى محمد سلطان، ورفع دعوى أمام القضاء الأمريكي بهدف تقديم رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي بتهمة ممارسة التعذيب، بعد أن تم سجن الناشط 21 شهرا من غير محاكمة قبل أن يطلق سراحه بعد وساطات أمريكية ملحة على السيسي. لكن الضغوط التي تمارسها خارجية النظام المصري دفعت الخارجية الأمريكية إلى تقديم شهادتها المكتوبة أمام المحكمة مفيدة بأن
الببلاوي دبلوماسي يعمل حاليا في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، وعليه فإنه محصن من الدعوى القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعليه طلبت وزارة الخارجية المصرية رفض الدعوى شكلا لرفعها على شخصية محمية قضائيا. ولم تكن تلك الشهادة لتقدم وهذا الطلب ليطلب إلا تحت ضغوط مصر السيسي، الذي علم ترامب الدرس.
وبعيدا عن عدم جواز طلب الخارجية الأمريكية من المحكمة، لأنها غير ذي صفة في الدعوى، إلا أن شهادة الخارجية الأمريكية في الدعوى بالأساس لافتة، وتظهر مدى تماهي الإدارة الأمريكية مع
دكتاتور ترامب المفضل، والعجيب هو ضرب ترامب وإدارته بقيم الديمقراطية عرض الحائط، ودهسهم المبادئ التي أسس عليها الآباء المؤسسون الولايات المتحدة الأمريكية، التي طالما تغنى بها رؤساء أمريكا وأقسموا على حمايتها في الداخل ونشرها في الخارج، حتى تعم العدالة والمساواة في العالم، بغض النظر عن صدق النوايا والأفعال.
في أمريكا تحولت قضية محمد سلطان إلى ورقة تكشف المزيد من سوءات ترامب وسياساته الخارجية، حتى أصبحت أمريكا تصدر شيكات على بياض لدكتاتوريي العالم. فقد اتهم العديد من المشرعين الأمريكيين وجماعات
حقوق الإنسان مصر بابتزاز إدارة ترامب؛ من خلال التهديد بإضعاف شراكتها الإستراتيجية في الشرق الأوسط ما لم تتدخل واشنطن لرفض الدعوى القضائية المقامة من محمد سلطان.
وعلى الرغم من أن النظام في مصر تمادى بعد رفع الدعوى بتبجح شديد على القيم الإنسانية المنصوص عليها في المواثيق الدولية، بالقبض على
العديد من أقارب سلطان، عقابا على تجرؤ الأخير باستخدام حقه المشروع في ملاحقة من أضر به وبغيره من المعتقلين ظلما في غياهب السجون المصرية ويذوقون سوء العذاب ممن يوصفون على أقل تقدير بزبانية العذاب.
وقال السيناتور الديمقراطي توم مالينوفسكي الذي عين سابقا في وزارة الخارجية، والذي قدم مشروعا من 11 بندا لمجلس النواب يحث النظام في مصر على مراعاة حقوق الإنسان ووقف الانتهاكات ضد الناشطين المطالبين بالديمقراطية، فكانت كلماته بمثابة رصاصة الرحمة على إدارة ترامب التي توفر الحماية الكافية لنظام شمولي قامع لم يُبق على ورقة التوت التي كانت تغطي عورة الأنظمة السابقة قبل الثورة، إذ قال في خطابه أمام مجلس النواب الأمريكي: "إذا كانت وزارة الخارجية لديها أي سلطة تقديرية هنا واختارت استخدامها لحماية هذا الرجل (يقصد السيسي)، فسيكون ذلك أمرا شائنا. الحكومة في مصر تعتقل أقارب السيد سلطان من أجل استخدام حقه في رفع دعوى بموجب القانون الأمريكي".
لا تزال إدارة ترامب تمنح النظام في مصر معونات وتبيع له أسلحة يقتل بها الشعب المصري، والآن يستعد ليدخل ليبيا لقتل الشعب الليبي على نطاق أوسع بعد سبع سنوات من التدخل المستتر، فلا معنى لأن يرسل الجيش المصري إلى الحدود الغربية، وأن تنشغل السياسة المصرية بقضية لا تمثل خطرا محدقا على الأمن القومي المصري، والنيل يجف.
إذ الحديث عن الأمن القومي المصري وتعرضه للخطر من الغرب أمر يدعو للسخرية، ليس لأن حكومة الوفاق على بعد 1300 كيلومتر من حدود مصر، كما أن الحكومة الشرعية في ليبيا محكومة بالقوانين الدولية والاتفاقية، وملزمة أمام المجتمع الدولي براعية حسن الجوار وعدم تهديد السلم والأمن الدوليين، على خلاف الحكومة الإثيوبية التي أقسم رئيسها على ألا يضر بنصيب مصر في النيل، وقد حنث.
على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعيد حساباتها في المنطقة، وإلا فإن النار ستأكل الجميع بما فيها مصالحها التي حرص الرؤساء الأمريكيون عليها طوال عمر العلاقات بين أمريكا ودول المنطقة. وقبل كل ذلك فإن القيم الديمقراطية التي حاربت أمريكا من أجلها خلال الفترة ما بين الخمسينيات والتسعينيات من القرن الماضي ستضيع سدى، بعد أن كفر العالم بالمعايير المزدوجة لتلك الأيديولوجية الانتهازية التي لم تعد تزين المصطلحات وتزوقها، بل تسمي الأشياء بمسمياتها.. دكتاتوري المفضل.
ملحوظة:
• معلومة أسر قائد الأسطول السادس أطلقها الصحفي الموالي لنظام السيسي "محمد الغيطي" على قناة التحرير، وأكدتها المذيعة "منى بارومة" المذيعة في قناة "الحدث اليوم" مستشهدة بحوار أجرته المذيعة رانيا بدوي مع اللواء مهاب مميش، عضو المجلس العسكري السابق، فلا تعجب عزيزي القارئ فأنت في زمن اللا منطق.
• الكاتب لا يزال بكامل قواه العقلية وناقل الهبل ليس بأهبل.