قضايا وآراء

الدور المغاربي المطلوب في الأزمة الليبية

امحمد مالكي
1300x600
1300x600
تُؤكد الوقائعُ والأحداثُ الجارية في ليبيا أن ما يحصل فوق أراضي هذا البلد الشقيق يدعو بقوة إلى الشك وعدم اليقين في حظوظ خروج أبنائه من أزمتهم، والتوجّه الجماعي نحو إعادة وطنهم على قاعدة التوافق، والتسامح، والسلام.

فمنذ سقوط النظام (2011)، دخلت ليبيا دائرة التجاذب والصراع بين مكوناتها السياسية والاجتماعية الداخلية، وتحولت، بالموازاة، إلى فضاء مفتوح للتدخلات الإقليمية والدولية. ولأن ليبيا شاء لها تاريخها وجغرافيتها أن تكون كما هي، فقد تنامت صراعات أبنائها في الداخل، وازدادت شهيةُ الدول البعيدة عنها والقريبة منها للتحكم في سيادتها، واقتسام كعكة النظام المنهار. لذلك، وعلى الرغم مما قد يظهر من اختلاف في الاستراتيجيات، المعتمدة وتباين في المواقف والتصريحات المعبر عنها، فإن الهدف في جوهر مقاصد أطرافه يروم سلبَ إرادة الليبيين في إعادة بناء شرعية دولتهم وسلطة مؤسساتهم، وفتح أفق جديد لنقل بلدهم إلى برّ السلم والأمن والأمان.

تُعتبر الدول المغاربية الثلاث (المغرب، الجزائر، تونس) معنيةً بدرجة أولى بتجاوز ليبيا لأزمتها، وإعادة السلم والاستقرار إلى ربوعها. فعلاوة على شريط الحدود البرية الذي يربط ليبيا بكل من تونس والجزائر، هناك قواسم مشتركة أبرزها الدين، واللغة والتاريخ المشترك، كما أن هناك التزامات متبادلة تضمنتها معاهدة تأسيس الاتحاد المغاربي عام 1989. غير أن الأهم استراتيجيا من كل هذه الاعتبارات، هناك مصالح حيوية تستلزم خروج ليبيا من أزمتها، كي تظل المنطقة المغاربية في منأى عن كل ما يمكن أن ينجم من مضاعفات خطيرة، إن تعذرت عودة السلم والسلام إلى الأرض الليبية.

فمن زاوية الجوار الليبي التونسي، ثمة شريط حدودي بين البلدين، يشكل تهديداً حقيقيا إن لم تستقر الأوضاع الأمنية في ليبيا. ويسري الأمر نفسه على كل من الجزائر ومصر. أما المغرب، وإن كان غير مرتبط بحدود ترابية مع ليبيا، فإنه معني بعودة الأمن والسلام إلى هذا البلد الشقيق، وقد بذل جهودا كبيرة من أجل تصالح الفرقاء المتصارعين، والتوافق على مشروع إعادة بناء السلام في ليبيا ما بعد 2011، من خلال مسلسل التفاوض المباشر الذي احتضنته لقاءات مدينة "الصخيرات" المغربية.

يبدو أداءُ الدول المغاربية في موضوع ما يجري في ليبيا محدوداً، إن لم نقل ضعيفاً، من حيث الفعالية والنجاعة. فعلى الرغم من الجولات العديدة التي تمت على أرض المغرب من أجل خلق فرصة للسلام في ليبيا، لم تتمكن من فتح أفق حقيقي من أجل عودة السلم والاستقرار، بل بقي الوطن الليبي منشطرا ومنقسماً على نفسه، بين شرق بمؤسساته وجيشه، وغرب بشرعيته، المعترف بها دوليا، ومؤسساته هو الآخر.

كما ظل الاقتتال اللغة السائدة والمتحكمة في مصير هذا البلد. ولئن سعت كل من الجزائر وتونس إلى إمساك العصى من الوسط، والتطلع لأن يكون لهما دور في مجريات الأحداث، فقد عجزا عن إحداث تغيير فعلي في سيرورة الصراع في هذا البلد، بل ظهرا بأن قدرتهما على تغيير مسار الصراع في ليبيا نحو الأفضل غير مؤثرة، ولا قادرة على التأثير في الشروط الراهنة للأزمة. لذلك، يُطرح سؤال بالغ الأهمية، مفاده: لماذا ظل الدور المطلوب من البلاد المغاربية شاحباً وغير فعال؟

يُدرك المغاربيون قبل غيرهم أن جوهر الصراع في ليبيا من طبيعة مركبة، وأن الأطراف المتحكمة في تأجيجه متعددة، والاستراتيجيات كثيرة ومتنوعة، وأن الكلمة الفصل في الحل أو الحلول الممكنة ليست بيد أبناء ليبيا، ولا بيد أشقائهم في الجوار، بل متوقفة على إرادات القوى الكبرى المتنافسة في الخط الأول، وعزيمة الفاعلين الإقليميين غير البعيدين عن نظرائهم الدوليين، والذين يتقاسمون معهم جملة من الأهداف والمصالح.
والواقع أن الأزمة الليبية خرجت منذ نشوبها من معطف القوى الكبرى، أولا بتدخل حلف "النيتو"، باسم حماية الليبيين من اقتراب قوات النظام المنهار من بنغازي، ومخافة تعرضهم لإبادة جماعية، وثانيا بتدخل قوى إقليمية عربية (الإمارات وقطر ومصر)، وأخرى على تماسها الجغرافي (تركيا تحديدا). وقد ظل الداخل الليبي متأرجحا بين هذه القوى، و موزعاً على ولاءاتها، وعزَّ على أبنائه إمساك مصير بلادهم ووطنهم بأيديهم.

شاءت ظروف ليبيا الحديثة أن تكون ثرواتها الطبيعية الثمينة، وموقعها الجيوستراتيجي، وطبيعة الحكم الذي سادَ مجالها السياسي أكثر من أربعة عقود، أن تكون مصدر ما تُعاني منه منذ انطلاق ما سُمي "ثورة 17 فبراير 2011"، ولا تظهر على وجه اليقين حظوظ خروجها من عُشّ العنكبوت الذي تم نسجُه بعناية منذ سقوط النظام.

فلم يعد خافيا عن أحد تزايد شهية القوى الدولية والإقليمية على نفط ليبيا وغازها رفيع المستوى، كما ليس خافيا مساعي الدول المتنافسة على أن يكون لها نصيب وافر في اقتسام تركة ليبيا المنهارة. فالتواجد الروسي واضح ولا غبار عليه، عبر وسائل وأدوات متعددة، والزحف التركي لم يتردد في الجهر بـ"حقه" في التراب الليبي، والأوروبيون (فرنسا وإيطاليا أساسا) يترنحون بين تأجيج الصراع والدعوة إلى إخماده. والجانب الأمريكي يجهر بضرورة استتباب السلم في الأرض الليبية وغَضّ النظر عما يحصل فيها، عنوة تارة، وبإيعاز مضمر تارة أخرى.

أما الأطراف العربية فلم يحل بينها وبين التوغل سياسيا في الأرض الليبية لا اعتبارات الدم والدين واللغة، ولا متطلبات التاريخ المشترك. لذلك، فالخوف كل الخوف أن يتجدد المشهدان العراقي والسوري في ليبيا الشقيقة، فينفلت من أيدي أبنائها خيط المحافظة على الوطن من التمزيق والتجزئة وترسيم الكيانات الصغيرة.
التعليقات (1)
أحمد الجيدي
الأربعاء، 22-07-2020 08:31 م
واآسفاه الدور المغاربي في القضايا العربية والليبية بالخصوص تتمحور في الهوية التشاركية المفقودة ؟ لأن اليد العليا في السياسة المحورية في العالم العربي لا تمتلك مؤسسات عربية سلطة التأثير والجمع بين الفرقاء الميدانيين سياسيا لوضع الأولويات التي يمكن دراستها على طاولة البعد الإجتماعي والبعد السياسي والبعد الإقتصادي .والبعد المؤسساتي والبعد الأمني والبعد الأخلاقي والبعد الإنتماء الشامل دينيا وقوميا لتبني أمة مغاربية موحدة الكل يحس لوضع الآخر لتقارب الرؤى السياسية والأمنية كنوع من الدفاع المشترك بين الدول المغاربية ولها ما يجمعها أكثر مما يفرقها على مستوى التقارب الإجتماعي واللغوي والعادات واللهجات الوطنية فضلا عن اللغة الأم وهي لغة القرآن وحتى مذهبيا فهي لها تواصل على مذهب مالك( رضي الله عنه ) ولا تختلف في الخذ بالمذاهب الإسلامية الأخرى فالحق فيها جميعا هذا جانب فقط .لن القضية الليبية والقضية العربية الأخري تحتاج إلى بلورة سياسة مغاربية جديدة سياسيا لأن السياسة تحتاج إلى ساسة لهم حس تشاركي مع قوة بعد النظر من جميع السياسيين في المغرب العربي ويكون لهم مرجعية إقليمية مستقلة يمكن الرجوع اليها ساسيا كفكرة المغرب العربي الذي بقي بدون تفعيل سياسي لو نجح هذا المرفق السياسي بين الدول الخمس لما كان للحلف الأطلسي أن يتدخل عسكريا في ليبيا بتمويل عربي للأسف وبعدها الجريمة الإخلاقية سلمت ليبيا لتركيا وآخرون فأصبحت ليببا ساسيا خارج الجغرافية المغاربية سياسيا وعسكريا .من هنا أصبحت ليبيا دولة بلا سيادة سياسيا واقتصاديا رغم الرتوشات الإعلامية فوضعية ليبيا حاليا في تكالب امريكي روسي خليجي اوروبي تركي والمغرب العربي خارج اللعبة اليبية ولا مكان لدول المغرب العربي مكان يمكن التأثير فيه ولو أنفقت الدول الممولة للقتل بليبيا على تحرير الأقصى من الوجود الصهيوني لكان لها أن تفعل لكنها توجهت للتطبيع مع الصهاينة كان سرا واليوم في العلن على حساب الشعب الفلسطيني المحاصر من قبل تلك الدول المطبعة وزيادة هو سجن الرموز الفلسطينية في تلك الدول إنها جريمة في شكل مؤامرة على غنجاح صفقة القرن الإرهابية ... من هذا الجاتب المغربي العربي وليبيا وقضية الشرق الأوسط إمتداد للإنحطاط القومية العربية والإسلامية والبعد عن المشترك بين الدول العربية وتدخل الغرب على خط التقسيم للخريطة العربية لن زمام الأمر ممسوك لدى اليهود لعنهم الله بسبب التفرقة التي حلت بالأمة العربية .ولم يستفيدوا لا من التاريخ ولا من تجاريب الإتحاد الإوروبي ولا من الموروث الإسلامي ومن يفقد الهوية الوطنية يصبح لقمة سهلة للعدو وهذا ما حصل .. ...........الخ