لن آخذك عزيزي القارئ إلى التاريخ ونشأة
الجيش المصري وبدايته، ولن أعرج طويلا على حقبة محمد علي مؤسس الجيش المصري الحديث، ولن ندخل في جدالات المحدثين من المؤرخين، حول هدف محمد علي من تأسيس الجيش، وديلمة ما إذا كان الجيش المصري وطنيا أم خادما لأطماع مؤسسه، ولن أقفز بك تاريخيا إلى انقلاب تموز/ يوليو 1952 وما أسسه من جمهورية سماها يزيد صايغ بجمهورية الضباط، وهي الجمهورية المستمرة حتى يومنا هذا بعد تغولها وتوغلها في كل مناحي الحياة في مصر، إثر انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 .
ولعلك عزيزي القارئ أن تتساءل: هذا جيش، فماذا عن باقي الجيوش التي ذكرت في العنوان، وكيف تتناحر، وعلام تتناحر؟
وأظنها أسئلة مشروعة، يحق لك أن تسألها، وواجب عليّ أن أجيب عليها، طالما أنا من فتحت المجال لكي تسأل، في زمن تكثر فيه الأسئلة وتعز فيه الإجابة، لا سيما من الحكومات في منطقتنا العربية التي ابتليت بداء الخرس، بعد أن استطاعت الثورات المضادة أن تحرز هدف السبق على ثورات الشعوب التي صرخت من أجل الحرية والشفافية.
في مصر عبد الناصر يوصف كل ما يراد تكريمه بوضع قبله وصف الجيش، فالجيش عز الأمة وحافظ كرامتها وحامي سؤددها، لذا فالمديح والثناء لمن سبق اسمه بالجيش، كجيش العمال والفلاحين والمهندسين والأطباء. والأخير حمل هذا اللقب خلال الأشهر الماضية لما قدمه من تضحيات في مواجهة فيروس
كورونا اللعين. فلقد تغنى رئيس جمهورية الضباط ببطولات الجيش الأبيض في كلماته خلال الشهرين الماضيين، قبل أن يطلق "جيشه" الإلكتروني عليهم الجيش الأبيض ليسلقوهم بألسنة حداد.
ومن الطبيعي أن ينحاز الجيش الإلكتروني للنظام لصانعه ودافع رواتبه والمؤتمر بأمره ضد
الأطباء المغضوب عليهم والضالين، بعد خروجهم عن الطريق "المستقيم" الذي رسمه النظام، فالموت للجميع باستثناء أصحاب الجمهورية من الضباط، وبما أن الطبيب لا ينتمي لتلك الجمهورية، فله ما للمواطن وعليه ما عليه. فله أن يصاب بالمرض وعليه أن يموت بصمت، أما أن يخرج ويشتكي من أن تجهيزات الحماية غير متوفرة، وهو يعرض نفسه للخطر في اليوم مئة مرة، فقد عصى، أو أن يشتكي على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن أغلقت دونه القنوات التلفزيونية والصحف المحلية، فقد مرق، وإن هدد بالإضراب، فقد خان وتأخون وصار إرهابيا.
إذن فالسبب معلوم، فقد تجاوز الأطباء، وحُق أن يسحب منهم لقب "الجيش" أشرف لقب يمكن أن يُمنح في دولة العسكر، لكن هل بالفعل تجاوزوا؟ الوقائع تؤكد أنهم طالبوا بما صرح به رئيس جمهورية الضباط، فهو من أكد أنه لديه من العتاد والعدد ما يعينه على نوائب الدهر، فسأل الأطباءُ وزيرتهم عما صرح به كبيرهم الذي علمهم الكذب، فالطائرات تحمل تلك العُدد وهذا العتاد لبلاد الدنيا للمساعدة، فطالب الأطباء بما أقره الله ورسوله (الأقربون أولى بالمعروف) ونظرة إلى أشقاء الوطن.
فكان الرد تدريجيا، كما تعلمنا في المعاهد العسكرية العريقة، تمهيدا نيرانيا لتهيئة أرض المعركة، ينفذه الجيش الإلكتروني، ثم تدخل المدفعية الثقيلة بهجوم، ينفذه الأمن الوطني، لتنتهي المعركة أمام القضاء العسكري بأحكام لا تقبل الطعن، يقضي فيها بعض الأطباء المتمردين في السجن بضع سنين، ليكونوا لمن خلفهم آية، وتفرح الجماهير بنصر الله على الإرهابيين المجرمين الذين قتلوا المنسي في الاختيار، فلا خيار لدى المواطن سوى قنوات غسل المخ، والآتي أدهى وأمر.
ويبقى سؤال واحد، لكنه مركب، أطرحه على أولي النهى من هذا الشعب، وأترك الإجابة عليه بعد أن تزول جرعة "الاختيار" وشيطنة الجيش الإلكتروني وبرامج التوك شو: هل سألت نفسك لماذا قدّم ما يقارب العشرين ألف طبيب مصري على الهجرة لأمريكا بمجرد أن أعلنت إدارة الهجرة الأمريكية فتح باب القبول للأطباء في العالم؟
وهل سألت نفسك بعد أن قبلت أمريكا ثمانية آلاف وستمئة منهم، هل يستطيع الجيش أن ينقذ حياتك لو (لا قدر الله) أصبت بالفيروس، بعد أن وصل الحال إلى أن تكون لديك واسطة كبيرة حتى تستطيع أن تدخل المستشفى لتلقي العلاج اللازم؟
الأمر يومئذ لله.. حفظ الله مصر وشعبها.