إن
تكنولوجيا الواقع الافتراضي (Virtual Reality) وما يصاحبها من تكنولوجيا مشتقة من نفس المبدأ، وهي تكنولوجيا الواقع المعزز (Augmented Reality)، وتكنولوجيا الواقع المتداخل (Mixed Reality).. هذه التكنولوجيا تمتلك خصائص فنية تتميز بها عن المحاكيات (Simulators)، وكذلك تكلفتها البسيطة التي لا تتجاوز كلفة حاسوب محمول متوسط الإمكانيات، والتي لا تقارن مع كلفة تلك المحاكيات، وكذلك ما تقدمه هذه التكنولوجيا من خدمات لقطاعات كثيرة كالتعليم والطب والصناعة والصناعات الحربية والسياحة والعقارات، وأخيرا وليس آخرا مكاتب العمل، والتي يمكن أن تشبه بيئات العمل الحقيقية بما تعنيه من تمثيل للموظفين كأنهم حقيقة داخل المكتب، وإنشاء المكتب داخل الواقع الافتراضي كنسخة حقيقية بما يملكه من أدوات وما يشرف عليه من مناظر طبيعية، بلى يتفوق عل ذلك بما قد يقدمه الواقع الافتراضي من ميزات، كالعمل في بلد آخر أو حتى على سطح القمر دون أن يفارق الموظف حدود غرفته أو شقته!
ستأخذ تكنولوجيا الواقع الافتراضي المكانة المتقدمة التي تحتلها تكنولوجيا الهواتف الذكية اليوم، حيث أنها تُعتبر بديلا أكثر تطورا منها، وتؤدي وظائف أكثر تعقيدا وشمولا من تلك التكنولوجيا. وكان من المفترض أن يأخذ مسار الإحلال وقتا كبيرا، ولكن مع حدوث جائحة
كورونا سيؤدي هذا إلى تسريع هذا المسار بالتبعية.
إن تكنولوجيا الواقع الافتراضي تجعل المستخدم منغمسا في البيئة الافتراضية التي تُنشأ عن طريق برمجيات متخصصة تراعي الشروط الفيزيائية، وبالتالي يعيش المستخدم حياة شبه حقيقية، إضافة إلى أنه يستطيع أن يضيف من يريد من الأشخاص الذين يريدون التفاعل معه داخل نفس البيئة، حتى لا تكون هناك حواجز نفسية تنشأ من الانغماس الكامل في البيئة الافتراضية، وما قد تولدها من مشكلات نفسية لدى المستخدم.
إن تكنولوجيا الواقع الافتراضي الآن تجد دعما لا محدودا من كبار اللاعبين في قطاع التكنولوجيا كشركة فيسبوك التي تمتلك شركة أوكولوس (Oculus)، وكذلك شركة جوجل، وشركة اتش تي سي، وشركة آبل، وغيرها من شركات التكنولوجيا العملاقة. وقد قدّر مكتب الاستشارات الأمريكي جولدن مان ساكس؛ الأرباح المتوقعة في مجال تكنولوجيا الواقع الافتراضي ما بين 80 مليار دولار و128 مليار دولار بحلول عام 2025.
إن القيمة المُضافة التي تقدمها تكنولوجيا الواقع الافتراضي، كتوفير الوقت والجهد والمال وما يتتبعه من حفظ الأنفس، غير محدودة ومتروكة لخيال المبدعين بما لديهم من إمكانيات واستشراف للمستقبل، وكذلك فهم لاحتياجات السوق والمستهلكين، لكي يقوموا بإنشاء وتطوير البرمجيات والمحتوى والعتاد اللازمين لكي تأخذ تكنولوجيا الواقع الافتراضي طريقها نحو الانطلاق السريع، فتستطيع أن تسد الفجوة التي نشأت من أزمة كورونا، وما تبعها من فرض لتباعد اجتماعي أو مكاني أدى إلى عدم مقدرة الناس على التواجد الحقيقي مع بعضهم البعض.
نسرد في ما بقي على عجالة ما تستطيع تكنولوجيا الواقع الافتراضي أن تقدمه من إسهامات في بعض المجالات، وكيف تحل المشكلات التي نشأت من أزمة كورونا:
التعليم
تستطيع تكنولوجيا الواقع الافتراضي أن تؤدي خدمة عظيمة لقطاع التعليم وخاصة التعليم الإلكتروني (E-Learning)، وكذلك التعليم الذاتي، بما لدى تكنولوجيا الواقع الافتراضي من إمكانيات، كإنشاء فصول افتراضية يستطيع الطلبة الحضور فيها وهم جالسون في البيت، كما لو كانوا يحضرون في مدارسهم مع زملائهم ومدرسيهم، وكذلك بالزي المدرسي الذي يريدونه. وتقوم تكنولوجيا الواقع الافتراضي كذلك بإنشاء مختبرات افتراضية للمواد المختلفة، كالفيزياء والكيمياء والأحياء.. إلخ، وما تمثله تلك المختبرات من تفاصيل ومواد، وخاصة المواد الخطرة التي لا تستطيع المختبرات في المدارس الواقعية التزود بها، كالمواد النووية، أو تشريح جسم الإنسان دون الحاجة إلى جثة حقيقية.
وبحسب مكتب الاستشارات السابق ذكره، ستكون أرباح تكنولوجيا الواقع الافتراضي في مجال التعليم ما يتجاوز نصف مليار دولار في عام 2025.
السياحة والترفيه
تقوم تكنولوجيا الواقع الافتراضي بإنشاء متاحف افتراضية شبه حقيقية، وليست ثلاثية الأبعاد تعرض على شاشات ثنائية الأبعاد، وبالتالي تفقد القدرة على الانغماس والإحساس بالبيئة المحيطة التي تقدمها تكنولوجيا الواقع الافتراضي، فتعرضها كأنه متحف حقيقي، يقوم الزائر فيه بما لا يستطيع القيام به في المتاحف الواقعية، كلمس التحف النادرة، واستكشافها بصورة مقربة قد لا تكون متوفرة في المتاحف العادية نتيجة ندرة هذه القطع. كذلك تسمح المتاحف الافتراضية بالتفاعل بين الزائر والقطع الأثرية، كأن تجعلها تتكلم وتحكي قصتها، فمثلا تستطيع أن تجعل مومياء توت غنخ آمون، الملك الفرعوني الشهير، حيّا داخل البيئة الافتراضية فيتكلم ويحكي قصته وقصة اكتشاف مقبرته.
وستكون الأرباح المتوقعة لعام 2025 ما يتجاوز أربعة مليارات دولار، إذا أُضيف قطاع الحفلات الافتراضية إلى السياحة.
العقارات
تجسّر تكنولوجيا الواقع الافتراضي الهوة التي نشأت من أزمة كورونا بين العملاء وشركات العقارات والمسوقين العقاريين، وذلك عن طريق إنشاء الوحدات السكنية افتراضيا، سواء الوحدات التي تم الانتهاء منها أو التي هي تحت التطوير أو حتى التي في طور التخطيط.
ويتم هذا الإنشاء الافتراضي كصورة طبق الأصل من المشروع أو المخطط، وبالتالي يستطيع العميل التجول داخل الوحدة السكنية التي يريد شراءها هو وأسرته، واختيار الأثاث المناسب، ورؤية المناظر الطبيعية التي تطل من شرفة الوحدة السكنية. إضافة إلى ذلك تستطيع شركات التسويق العقاري باستخدام تلك التكنولوجيا أن ترسل نظارة الواقع الافتراضي وبداخلها الوحدة السكنية الافتراضية إلى أي عميل في أي مكان في العالم، وبالتالي تحقق انتشارا لا يسبق له مثيل، ودون أن يتطلب ذلك حضور العميل إلى مكان المشروع، الأمر الذي ازداد صعوبة بعد توقف الطيران في العالم نتيجة أزمة كورونا.
وستصل الأرباح في مجال العقارات حسب التوقعات إلى ما يقرب من 2.5 مليار دولار عام 2025.
الصناعة والصناعات الحربية
ستقدم تكنولوجيا الواقع الافتراضي خدمة مضافة عظيمة إلى قطاع الصناعة والصناعات الحربية، من حيث أنها ستقوم بتوفير بيئات التدريب المختلفة على الآلات المعقدة، أيضا العتاد الحربي بطريقة سهلة ومبسطة، ودون إهدار موارد حقيقية. وكذلك ستقوم بدعم التشغيل عن طريق إرشاد العمال والجنود على أفضل الطرق لتشغيل الآلات لتقليل الأخطاء البشرية.
وقد وقعت شركة مايكروسوفت الأمريكية عقدا مع وزارة الدفاع الأمريكية سنة 2019 لإنتاج نظارة واقع معزز تساعد الجنود في أرض المعارك، وقد بلغت قيمة العقد ما يقارب النصف مليار دولار.
وستكون الأرباح المتوقعة لقطاع الصناعة والهندسة والصناعات الحربية لعام 2025 ما يتجاوز ستة مليارات دولار.
وهكذا ستلبي تكنولوجيا الواقع الافتراضي طلبات الزبائن على تكنولوجيا متطورة آمنة، وكذلك تسد الفجوة التجارية التي نشأت من أزمة كورونا وأثرت على جميع قطاعات الأعمال وغيّرت العالم من جديد.
[email protected]