قضايا وآراء

منع القرآن الكريم في المساجد المصرية وحجة كورونا

محمد ثابت
1300x600
1300x600
قبل أن يشرّف شهرُ رمضان المبارك الكونَ بأيام قليلة، ثارت ضجة على ساحة الإعلام المصري لا تخفى على متابع وراغب في إحياء الشهر في ظل الروحانيات المعتادة. فالسبت السابق لدخول الشهر الذي يشرفنا مرة في العام، أعلنت السعودية أنها ستسمح بإقامة صلاة التراويح في الحرم المدني، لكن دون جماعة خوفا من عدوى فيروس كورونا، أي إن الصلاة مقصورة على الإمام والقليل جدا من الحضور دون أن تكون متاحة للعامة، ومن ثم يسهل نقلها تلفزيونيا. في اليوم التالي تلقف الفكرة المذيع المقرب من النظام أحمد موسى على برنامج على فضائية مشابهة له، ليتصل بالمتحدث الإعلامي الرسمي باسم وزارة الأوقاف الدكتور أحمد القاضي، الذي وعد بدراسة تعميم تطبيق الفكرة في مصر؛ وقبل نهاية البرنامج الكلامي الطويل لموسى، أعلن السيد الدكتور مختار جمعة إقالة المتحدث باسم وزارته لأنه قال "ندرس" دون الرجوع إليه، فلا مجال للدراسة لدى الوزير أو للقول بغير ما يريده.

والمسكوت عنه والمعلوم ضمنيا؛ ويجوز السكوت عن المعلوم بالضرورة، بحسب القاعدة الفقهية الصحيحة، لا ما يفعله جمعة ووزارته. المسكوت عنه هنا إذن، أن السيد الوزير رفض الاقتراح، وخرج مدير إدارة الشؤون الدينية في الوزارة معلنا أنه لا مجال لفتح المساجد بالأئمة خوفا عليهم من كورونا، وأن يقتحمها عليهم مصلون بعد أن يكسروا الأبواب.

كل ما مضى قابل لأن يندمج ويلتئم في عقد أو سياق واحد، هو الخوف على الناس من كورونا؛ رغم أن مصر ليست كغيرها من الدول، فالأسواق فيها سداح مداح، وقاعات الأفراح قبيل رمضان لم تخل من معازيم ورقص واختلاط، أحيانا مع الكمامات أو ملابس الأطباء، لا احترازا من الفيروس، ولكن إمعانا في السخرية منه ومن الإجراءات الحكومية، بالإضافة لزحام المواصلات المعتاد، بخاصة بعدما رفض رئيس النظام إعلان الحظر التام الكامل كما فعلت وتفعل دول تحترم نفسها ومواطنيها؛ ومن ثم فبسطاء العمال في المعمار والباعة يزاولون مهنهم كالمعتاد.

فإن كان المنطق والعقل يقبل كل هذا في سياق وجود سبب (أو شماعة وما شابه) الخوف من كورونا، ومن ثم الإغلاق للمساجد إغلاقا تاما وما شابه، ولاحقا تم السماح بصلاة التراويح في مسجد عمرو بن العاص وحده في القاهرة، فماذا عن منع إذاعة القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت؟

الأربعاء السابق مباشرة لشهر رمضان، أعلن رئيس الشئون الدينية في الوزارة السيد جابر طايع، ويبدو أنه ورث مهمة المتحدث الإعلامي باسمها، أو إذا شئنا الدقة "ما صدّق" هو ووزيره أن تخلصا من المتحدث الإعلامي ليكونا في منصبيهما ومهامهما الشاقة، ومتحدثين إعلاميين أيضا بالأصالة عن نفسيهما والوزارة أيضا، أعلن السيد طايع عن أن الوزارة قررت ألّا تذاع آيات الله الحكيم وقت الإفطار، كما تعود المصريون عليه منذ دخل الإسلام مصر، ومذ عرفت الكنانة مكبرات الصوت، بل تم فصل الإمام ومقيم الشعائر والعامل، وربما الميكرفون والجيران والمستمعين إن تجاسروا ففتحوا مكبرات الصوت على القرآن؛ مع إحالتهم جميعا للتحقيق، وربما الاعتقال والإخفاء القسري. ولاحقا قررت الوزارة أن إذاعة القرآن عبر ميكروفونات المساجد تتطلب موافقة من الإدارة العامة التي يتبعها كل مسجد في عاصمة المحافظة، وألّا يشتكي الجيران من "الصوت".

لكن لماذا المنع والعمل على تقليل إذاعة القرآن الكريم في مكبرات الصوت في المساجد بأقصى جهد؟ الأمر لا علاقة له بكورونا على الإطلاق، كما أن شبكة الاتصالات الخامسة والرابعة والثامنة والثالثة ليست لها علاقة بالفيروس، إلا بحسب السيد مفتي مصر السابق علي جمعة! العلم في بطن السيد جمعة (ليس المقصود به المفتي السابق بل وزير الأوقاف الحالي.. جعله الله سابقا وأمثاله وأراح البلاد والعباد منه).

الأمر يذكر بمطاردة الشرطة المصرية في 2014م للذين يلصقون ملصقات "صلّ على النبي" (صلى الله عليه وسلم) على السيارات الخاصة والعامة في مصر؛ مع أن الملصقات على وسائل المواصلات ما أكثرها، وما أكثرها من حكم وعبر، وأحيانا حواديت كألف ليلة وليلة.. بدا الأمر ساعتها على أنه اشتغالة لإلهاء الناس وجعلهم يتشدقون أكثر بأنها حرب على الإسلام. والخلاصة أن المجترئ على النفس البشرية وطوفان الدماء لن يحرجه أن يمنع ملصقا؛ وإنما هو "يمعن" في اشتغال المصريين ليستمروا في المكالم. فمن يجرؤ على إزالة سيرة المصطفى العظيم من القلوب لا الملصقات على السيارات؟ وهل قيمته، صلى الله عليه وسلم، من الأساس في لصق اسمه بمواصلة؟

لكن الأمر ظهر أكثر عجبا وغرابة في 2020م؛ فماذا عن منع وتقليل القرآن الكريم في مكبرات الصوت؟ التقريب الأقرب للعقل والمنطق لدينا، أن السيد جمعة لا يحب كلام الله، وكذلك نظامه لا يحبه، ولكن هذا الموقف يخصهما.. فماذا عما يخص المصريين؟ أو بمعنى أصح كيف أمكنهما أن يتجرأا على تحويل عدم المحبة هذه وإجرائها على المصريين؟ أو لأي هدف فعلا ذلك؟ فلكل فعل لديهم هدف مكافئ له في القوة ومضاد في الاتجاه.

يبدو لكاتب هذه الكلمات، أن السادة يمعنون في جس نبض الشعب المصري في أجمل وأفضل ما لديه على مدار العام، القرآن الكريم في شهره المبارك، لكي يسري قرار المنع بلا سبب؛ وبذلك يستريح النظام إلى أنه ماضٍ في إذلال المصريين ما نفذوا قراراته على أعز ما يمكلون ويحبون.

في المقابل، سيرفع المصريون أصوات المذياع ومكبرات الصوت الخاصة في الحاسوب، التي يطلق عليها "دي جي"، خلف البيوت وفي الطريق، لكي لا يريحوا الانقلابيين وليبشروا بيوم قريب ووشيك، يتحررون فيه ويتحرر آي الذكر الحكيم من سيطرة الذين لا يحبون لا المصريين ولا القرآن الكريم.
التعليقات (1)
عبدالله
السبت، 16-05-2020 03:48 م
بارك الله فيك وإيمانك وصكوك الإيمان التي توزعها