هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في إطار ممارسة بحثية أشرنا إليها أكثر من مرة باعتبارها تشكل مدخلا جديدا للتعامل مع مفهوم وظاهرة المواطنة، والتي تمثلت في فكرة المشاهد وتحليلها، واللقطات والوقوف عندها، وكذلك إعمال مفهوم التمثيل من خلال فكرة المعرض الذي اعتمدها تيموثي ميتشل في كتابه "استعمار مصر"؛ بدت هذه الممارسة البحثية في حينه وقوفا على مشاهد بعينها ربما لا تمثل تراكما أو ظواهر مكتملة، ولكنها في حقيقة الأمر كانت تؤشر على التعاطي مع هذا المفهوم، وتلك الظاهرة في سياقات تحليلية جديدة. وكان الاجتهاد ليس فقط في استخراج هذه المشاهد والوقوف عليها؛ ولكن أيضا محاولة نظمها من الناحية البحثية حتى ترسم صورة تقترب من الاكتمال حول مفهوم المواطنة والمواطن، ودراسة ذلك في سياق الخبرة المصرية آنذاك، ودراسة الإدراكات المختلفة سواء من السلطة الباطشة أو المواطنة البائسة، أو ما عبرت عنه ألسنة كثيرين بـ"الدولة المصرية"، ووصفها في مجال المواطنة بأوصاف سلبية تصل إلى حد محق مفهوم الدولة ووظائفها ذاتها. وبدت الأمور بعد تطورات عدة وبروز مشهد الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير، وبما حملته من أهداف كلية تتعلق بفكرة المواطنة والتأكيد على حقوقها الأساسية والتأسيسية من "عيش كريم، وكرامة إنسانية، وحرية أساسية، وعدالة اجتماعية".. شكلت كل تلك المطالب من خلال هذا الشعار العبقري تشريحا في سياق اهتمامات مساحات المواطنة بتلك الأمور؛ بحيث شملت الجوانب الحقوقية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية.
مثلت تلك الثورة في حقيقة الأمر إضافات مهمة لمفهوم المواطنة السائد والمعتاد، وربما أشارت الى مناطق مفقودة وواجبات مفروضة وأركان غائبة تم إهمالها أو التغافل عنها، والتعامل مع الظواهر المرتبطة بها مثلت تلك الثورة في حقيقة الأمر إضافات مهمة لمفهوم المواطنة السائد والمعتاد، وربما أشارت الى مناطق مفقودة وواجبات مفروضة وأركان غائبة تم إهمالها أو التغافل عنها، والتعامل مع الظواهر المرتبطة بها. بدا الأمر وكأن ثورات الربيع العربي تؤشر على حضور الشعوب في معادلة التغيير، فيقع المواطن وهمومه وقضاياه وكذلك ما يتعلق بمكاسبه ومقاصده؛ في جوهر اهتمامها. فقد شكلت الثورات في حقيقة الأمر تجسيدا حقيقيا لفكرة المواطنة ومطالبها التي تتعلق بها. ومن الواضح في هذا المقام أن فكرة المواطنة قد أصابها مع الثورات شوق من القوى الثورية الحقة والنشطة، خاصة من الشباب الذي مثل وبحق أحد محركات الثورة وعملية التغيير الجذرية للحفاظ على كرامة المواطن ومكانة الوطن. إلا أن عملية التغيير الحقيقية وارتباطها باختيارات انتخابية ومتطلبات أساسية للقيام بالتغيير الجذري، والاستقطابات السياسية التي برزت هنا وهناك، مثلت في حقيقة الأمر بيئة خصبة لهجمة مضادة من قوى مصلحية أرادات أن تلتف وتجهض ثورة يناير المجيدة. بدت هذه الثورة المضادة بمزيد من نشاط تحاول أن تقوم بعملية حصار وتطويق. فضلا عن ذلك، فإن الثوار الذين ارتبطوا بثورة الخامس والعشرين من يناير ارتكبوا أخطاء بالجملة في التعامل مع الثورة ومتطلباتها من جانب، وفي اصطفاف قوى الثورة واتحادها من جانب آخر، وصارت الأمور في سكة الاستقطاب، وتمكنت فيروسات الانقسام والفرقة بل وصناعة الفوضى، ضمن عملية خطيرة توجت بعد ذلك باحتجاجات؛ بعضها حقيقي وبعضها مصطنع مفتعل. وصارت الأمور في النهاية إلى مواجهة حقيقية؛ استطاعت الثورة المضادة فيها أن تتوج عملها وتحالفها الدنيء لتحقيق مصالحها الآنية والأنانية لاستمرار دولة الفساد والاستبداد. كان الانقلاب العسكري في الثالث من تموز/ يوليو ذروة هذا الأمر، وما خلفه ذلك من محاولة التمكين لدولة بوليسية قمعية، ودولة فاشية عسكرية أتت أول ما أتت؛ فانتهكت حرمة النفوس، وأسقطت مزيدا من الدماء، وجرّمت الاحتجاجات والتظاهرات، وامتدت يدها إلى مساحات واسعة من الاعتقالات. فضلا عن ذلك، غلبت عليها حالة من المطاردات التي غالبا ما ارتبطت بالتيار الإسلامي، ولكنها في سياق رؤية استبدادية تمكنت وطالت البعض ممن عارض هذا الوضع؛ من اتجاهات سياسية أخرى. تحركت الأمور مرة أخرى لاغتصاب مفهوم المواطنة، بل وقتله واعتقاله ومطاردته والالتفاف عليه وحصاره في أشكال شتى، ضمن عملية كبرى من اغتصاب مفهوم السياسة وتجفيف منابعها وتحركت الأمور مرة أخرى لاغتصاب مفهوم المواطنة، بل وقتله واعتقاله ومطاردته والالتفاف عليه وحصاره في أشكال شتى، ضمن عملية كبرى من اغتصاب مفهوم السياسة وتجفيف منابعها؛ إلا من حالات تتناسب مع رؤية الاستبداد والمستبدين. وارتكنت قوى وأفراد تجمعت مصالحهم الدنيئة والحقيرة في تلك القوى وسيطرتها؛ على مشهد زائف أقرب ما يكون إلى اغتصاب التطبيق الذي تبعه اغتصاب وتجفيف السياسة، وبدت تلك المشاهد التي كنا نحاول استخراجها من حشد الحياة العامة والبحث عنها في جوف المجال العام ومجال السياسة؛ أثرا بعد عين بعد هذا الانقلاب؛ الذي أصبحت الأمور فيه من الكثرة والتراكم والاضطراد بشكل محموم، حتى صارت هذه الممارسات طقسا يوميا يتعلق بالمواطنين يبدأ بالتهجير، وينتهي بالقتل ويمر بالاعتقال والتعذيب. إن انتهاك أصول المواطنة وكل الحقوق التي تتعلق بها صار أمرا اعتياديا؛ تمارسه سلطات الدولة العميقة القميئة والثورة المضادة، والتي استمرأت هذه الحال لعقود طويلة مع حكم العسكر الذي رأى كل شيء من خلال طبعته المعسكرة الخاصة، تارة في أشكال مباشرة وتارة أخرى في أشكال غير مباشرة، فاستطاعت بشبكة مصالحها أن تسيطر على مفاصل النظام، وتطرد وتطارد كل ما يتعلق بالثورة أهدافا ومكتسبات، بل قوى ورموزا وأشخاصا؛ ضمن عملية تصفية حسابات منظمة وممنهجة حتى لا تحدّث أي من هذه القوى نفسها بثورة أو تغيير. بدا الأمر في سياسات منظومة الانقلاب وكأنهم يتصرفون باستراتيجيات انقلابية تتكرر مشاهدها وتتراكم، بحيث أصبحت تسفر عن ممارسات يومية في انتهاك المواطنة والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان الأساسية والسياسية.. بدا الأمر حصارا ممنهجا للوطن والمواطن على حد سواء. ومن هنا، فإن الأمر لم يعد يحتاج الحديث عن فكرة المعرض أو التمثيل ولا حتى فكرة المشاهد واللقطات؛ صارت قصة المواطنة من أولها لآخرها بؤسا عظيما ومشاهد تترى تجعل من هذا المفهوم يُغتصب ويقتل، وتسال دماؤه على رؤوس الأشهاد، وبدت تلك الإشكالات الحقيقية التي تتعلق بطبعة ثانية لهذا الكتاب الذي يتعلق بالقراءة في دفاتر المواطنة المصرية في إطار زحف غير مقدس للدولة على مساحات الدين والتدين والدنيا؛ الأمر لم يعد مجرد التعبير عن لقطة هنا أو هناك ولكن نمط حياة ممتد يقوم على العسكرة والقمع، يهدف إلى الترويع والتطويع، وكذلك لكل عمل ما من شأنه أن يعمم عقلية القطيع.. هذه الأمور لا نتلمسها في مشاهد ولكن يشار إليها ضمن سياسات واستراتيجيات انقلابية تحاول إرسائها والتمكين لأدواتها واستبدادها وطغيانها. بدا أن المسألة لا البحث في المشاهد، ولكن البحث في أنماط ونماذج تولدت للمواطنة صارت أخطر ما يكون ضمن هذه السياسات والاستراتيجيات، في محاولة لتعميمها وتنميطها وبدا أن المسألة لا البحث في المشاهد، ولكن البحث في أنماط ونماذج تولدت للمواطنة صارت أخطر ما يكون ضمن هذه السياسات والاستراتيجيات، في محاولة لتعميمها وتنميطها. فقط نستطيع أن ندلي ببعض هذه النماذج في هذه المقدمة لنتعرف على حجم الانقلاب الحادث في النظر لمفهوم المواطنة حتى في طبعته القريبة قبيل ثورة يناير. فبعد الانقلاب انقلبت الأمور بالنسبة لذلك المفهوم وظواهره المتعلقة به، بحيث رأينا نماذج للمواطنة تدشن وتمكن ضمن رؤية المنظومة الانقلابية، وفي محاولتها لتعميم النماذج وفرض أنماطها. ضمن هذه السلسلة لا بد أن نعالج تلك النماذج وتحليلها سياسيا ومجتمعيا، بعدما سادت مجتمعات الكراهية والخوف والاستخفاف. كل هذه النماذج سنحاول في كل مرة أن ننحت لها مفهوما يعبر عن جوهر هذا المفهوم الذي طاله الاغتصاب في الخطاب والممارسة. twitter.com/Saif_abdelfatah