كيف حولت جائحة كورونا منازل المصريين لمساجد وزوايا؟

رغم ما سببته الإجراءات الاحترازية للوقاية من جائحة كورونا في مصر من غلق للمساجد واختفاء للشعائر والطقوس الدينية الرمضانية؛ إلا أنها وفي جانب إيجابي من الأزمة تحولت البيوت المصرية إلى مساجد صغيرة وزوايا تجمع الأسرة حول إمام واحد بمعظم الصلوات وفي صلاة التراويح.

وكان وزير الأوقاف المصري مختار جمعة، قد قرر مد قرار غلق المساجد بسبب جائحة كورونا ليطال الأمر شهر رمضان أيضا، فيما شدد الوزير على تنفيذ إجراءات الإغلاق كاملة وعقاب من يخالف التعليمات.

ورغم الدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لفتح المساجد أو صلاة الإمام والعاملين للتراويح دون مصلين إلا أن الوزير، أكد أن الأصل في صلاة التراويح في شهر رمضان إقامتها بالبيوت.

وقال لبرنامج التوك شو الرئيسي بالتليفزيون المصري إن إقامة الصلوات لا تنعقد إلا بإذن الإمام أو حاكم البلاد وفقا لآراء جمهور العلماء، مؤكدا أن ولاية المساجد لوزارة الأوقاف وعليه لا يجوز لأحد أن يفتح مسجد للصلاة ومن يخالف ذلك فإنه آثم شرعا.

وفي نفس الوقت دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب، المسلمين لصلاة التراويح في البيوت والمحافظة عليها، في ظل جائحة كورونا. ونشر مصريون صورا لصالات بيوتهم أو بعض حجراتها، بعدما حولوها إلى زاوية أو مسجد صغير أو ركن للصلاة، مشيرين إلى أن الفائدة هذا العام طالت النساء والأطفال مع إقامة الصلاة بالمنازل، فيما تحدث البعض لـ"عربي21" عن تجربتهم.

— ??Hala Elboshi?? (@hallol70) April 24, 2020

"بيتك.. وأهلك"

المعلم والخطيب المصري بأجر لدى وزارة الأوقاف صلاح حسن، يقول لـ"عربي21": "سألني أحد الأصدقاء مع أول ليالي رمضان عبر الهاتف: كيف سنصلي التراويح؟ وأين يمكن أن نستمتع بها والمساجد مغلقة؟، فقلت له: في بيتك ومع أهل بيتك".

ويضيف أن "هذه فرصة لنا كي نعلم أبناءنا صحيح الشعائر، وتصلي نساؤنا بعد حرمان طويل من دخول المساجد وخاصة في الريف، وفرصة لنا ولهم كي نتقرب إلى الله كتفا بكتف وقدما بقدم، يسمعون مني خاطرة كل ليلة ونجتمع حول دعاء واحد".

ويؤكد أنه ومنذ الليلة الأولى من ليالي رمضان تجمعت أسرته الصغيرة من زوجته وأبنائه، ومعها أسرة أخويه وزوجاتهما وأبنائهما، إلى جانب والدته لتأدية صلاة التراويح جماعة لأول مرة في تاريخ العائلة.

ويقول: "كنا في كل عام نقيم ما يسمى لدينا في ريف مصر بـ(السهرة)، والتي كانت تبدأ إثر صلاة التراويح بمسجد العائلة وتكون في دوارها الكبير حيث يجتمع الأهل والأصدقاء والجيران حول القرآن والذكر والخواطر الدينية ومعها الشاي والقهوة والحلويات".

ويتابع: ومع الحظر وكورونا "طلبت من الجميع أن يحول السهرة إلى بيته ولا يحرم أبناءه من النفحات التي يعيشها الرجال وحرموا هم منها لسنوات".

"لا سقف ولا رقيب"

وفي حديثه عن جمال تجربة الصلاة بالبيت مع الأسرة، وكيف تحولت محنة غلق المساجد إلى منحة لتصلي النساء والأبناء أيضا، يقول معلم اللغة العربية "محمد. ع": "رب محنة في طيها منحة".

ويؤكد لـ"عربي21"، أن "من فوائد الحجر أن تحولت البيوت إلى مساجد، وأصبح شعار المرحلة؛ واجعلوا من بيتكم قبلة"، مشيرا هنا إلى غياب الرقابة الأمنية المفروضة في المساجد وعلى المصلين، ومضيفا أن "مساجد البيوت بلا سقف فلا رقيب ولا توجيه".

ويعتقد أن "أجمل ما في الموضوع هو صلاة الجمعة"، مشيرا لانضمام بعض الأقارب والأصدقاء لها في سرية، وموضحا أنه "ولأول مرة يستطيع الخطيب طرق موضوعات وأدعية كانت من المحرمات"، مضيفا: "وكأن كورونا تحمل معها ما يشبه لاهوت التحرير من قبضة الدولة".

وفي جانب فائدة الأولاد والزوجة من الروحانيات والوعظ والرقائق، يقول: "عن تجربتي فصلاة القيام الجماعية بالمنزل صارت متعة أشاعت الدفء الأسري وأنشأت جوا روحانيا غير معهود". ويضيف: "يمكننا الإطالة في التلاوة، وصار هذا الجمع حاضنة لغرس الهوية الإسلامية في الصغار والكبار، وخاصة بعدما صارت الأزمة ضاغطة مما جعل الناس تقترب من الله تعالى أكثر".

"مصريون في الغربة"

تلك الحالة تحدث عنها مصريون مغتربون حولوا بيوتهم إلى مساجد في زمن عزل كورونا، ويقول الطبيب المصري بإحدى دول الخليج الدكتور ابراهيم كسر عبر صفحته بـ"فيسبوك": "من جميل منح الله علينا وعطاياه لنا في محنة الكورونا؛ أن غدت بيوت المسلمين مساجد، وغدا الرجال أئمة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، نقل كسر (45 سنة) تجربته الأسرية الثرية وتأثيرها على إيمانيات عائلته، موضحا أنه يقيم صلاة التراويح مع زوجته وأطفاله الثلاثة الذين تتفاوت أعمارهم بين العامين و9 أعوام 12 عاما.

ويقول: "بالنسبة لنا هي تجربة ثرية إيمانية وتربوية، وحتى على مستوي الترابط الأسري والاجتماعي"، مشيرا إلى أنها المنحة التي خرجت من هذه المحنة.

ويشير إلى أن معظم من يعلم "يقوم بمثل ما أقوم، وربما بصورة أكثر شمولية مثل إعداد المسابقات بين أفراد الأسرة وخلق روح تنافسية في الاجتهاد في العبادة والقراءة".

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، دعا مصريون للمواظبة على صلاة التراويح من البيوت مع الأسرة.

وقال القاضي المصري المستشار محمد أحمد سليمان، المصريين بأن "علقوا زينة رمضان ورحبوا بالشهر الكريم واجعلوا أسطح بيوتكم مساجد لصلاة التراويح لتصعد الصلاة والدعاء إلى السماء". وأضاف: "أشبعوا أرواحكم بتجمع العائلة وتذكروا من غاب عنكم مطاردا خارج الوطن، أو أسيرا خلف أسوار الطغاة بالدعاء، وترحموا على أحباب فارقونا قبل رمضان".