قضايا وآراء

أسواق النفط: أليس منكم رجل رشيد؟

محمد موسى
1300x600
1300x600
سجل الأسبوع المنصرم لحظات تاريخية في عالم الطاقة والنفط تحديدا تمثلت بـ"الاثنين الأسود" الذي ضرب أسواق وعقود النفط الخام الأمريكي أولا ثم سائر الأسواق التي ترتبط به عضويا وتلقائيا، حيث تهاوت الأسعار إلى السالب وصولا إلى سالب 37 دولارا، في محاولة للمضاربين للهروب من العقود التي اشتروها على أمل أن يتعافى الاقتصاد خلال الفترة الضبابية بين شراء عقود أيار/ مايو والمهلة النهائية للتسليم والتي كانت في 21 نيسان/ أبريل، لكن اصطدمت بفيروس كورونا (كوفيد-19) الذي لم يبق ولم يذر للاقتصاد من حركة على كافة المستويات الصناعية والسياحية والتجارية. وعليه، أصبحت من الحكمة التجارية (لغة طمع التجار والمضاربين) البحتة الهروب من مصاريف النقل والتخزين والتأمين، فرمت البنوك الكبرى (سيتي بنك /بنك أوف أمريكا/ وغيرهم) بالعقود وهوت الأسواق في لحظات لن تمحى من ذاكرة مجتمعات الطاقة المتنوعة: دولا وسياسيين ومنتجين وبورصات.

لقد نامت أسواق النفط والطاقة عموما قريرة العين مساء الخميس، التاسع من نيسان/ أبريل، واستيقظت فجر الجمعة مستبشرة بنتائج اجتماع دول "أوبك+"، الذي افضى إلى مجموعة نقاط رئيسية بعد موافقة المكسيك المتأخرة، وهي تبدأ بإعادة التأكيد على إطار العمل الخاص بإعلان التعاون، والذي تم التوقيع عليه بتاريخ 10 كانون الأول/ ديسمبر 2016، وأعيد التصديق عليه في الاجتماعات اللاحقة، كذلك إجراء تخفيضات على إنتاجها الإجمالي من خام النفط بمقدار 10 مليون برميل يوميا ابتداء من 1 أيار/ مايو 2020 ولمدة تبلغ شهرين تنتهي في 30 حزيران/ يونيو 2020. وخلال مدة الأشهر الستة التالية، بين 1 تموز/ يوليو إلى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2020، سيكون مقدار التخفيض الإجمالي المتفق عليه هو ثمانية ملايين برميل يوميا، ويتبع ذلك تخفيض قدره ستة ملايين برميل يوميا لمدة 16 شهرا، تبدأ من 1 كانون الثاني/ يناير 2021 وحتى 30 نيسان/ أبريل 2022. وتلك فترة ليست بالقصيرة.

كذلك أصر البيان على دعوة جميع الدول المنتجة الكبرى للمساهمة في الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في السوق، غامزا من قناة النفط الصخري الأمريكي والذي لم يستجب للدعوات الظاهرة والضمنية وساعد في انهيار سوقه (النفط الأمريكي/غرب تكساس) قبل غيره ثم تبعه عدد من الخامات النفطية الأخرى، مثل خام "بحر الشمال/ خام برنت". وحتى خام "سلة أوبك" لم يسلم من الانهيار الحالي للأسعار والمرشح للاستمرار مع علمنا باختلاف الجودة والنوعية ونسبة الشوائب.

وكملاحظات أساسية على ما جرى نعتقد ما يلي:

أولا: نعم أثمر الضغط الأمريكي على أوبك ودولها وشركائها، لا سيما العربية السعودية والاتحاد الروسي، بتخفيض ما يقارب 23 في المئة من الإنتاج المحلي لكلا القطبين (من قرابة 12 مليون برميل إلى حوالي 8.5 مليون برميل يوميا لكل منهما). ولكن ماذا عن الشركات الأمريكية واللوبي القوي لكارتل النفط الصخري الذي وصل إلى حافة الانهيار والإفلاس بعد إغراق روسيا والعربية السعودية في حرب الأسعار الشعواء والتي بارك خطواتها الرئيس الأمريكي دونما تقدير للعواقب والتداعيات؟

ثانيا: ماذا عن مساهمات وكميات إنتاج النفط الصخري في الإنتاج العالمي؟ وهل ستستمر هذه الكميات في ظل الحديث عن إفلاس الشركات وتسريح العمال وتوقيف الحفارات في الولايات الأمريكية المعنية نفطيا (تكساس، بنسلفانيا)، خاصة أن المعلومات تشير إلى إمكانية إقفال ما يقارب 500 شركة أمريكية سريعا وقد تتبعها 500 شركة أخرى إذا بلغت العقود الآجلة ما دون العشرة دولارات للبرميل الواحد.

ثالثا: وهو السؤال المشروع سعوديا وروسيا على حد سواء: إذا بلغ الانهيار هذا الشكل الجنوني في الأسعار وأودى به تلك في الهاوية التاريخية والتي أثرت حتى على العقود الآجلة لحزيران/ يونيو وما بعده، فكيف كان سيكون الحال لو تابعت الحرب والإغراق بين القطبين على مدى زمني أكبر؟ فلربما استفادت الأسواق الناشئة بادئ الأمر، ولكن أرى أن الأسعار كانت ستعود إلى سابق عهدها في المدى المتوسط، حيث سيتم تحييد الدور الأمريكي ونفطه الصخري العالي الكلفة قياسا إلى روسيا ودول أوبك. وللأمانة، في هذه النقطة تضحيات كبرى من دول "أوبك+" وإن بفعل الضغوط السياسية، علما أنه بات لزاما على السيد الأمريكي تخفيض إنتاجه إن لم يكن بقوة القانون الذي لا يجبر الشركات الأمريكية كما يقول ترامب، فبقوة الاقتصاد الأمريكي والعالمي المنهار يوما بعد يوم وبفعل قانون العرض والطلب الذي سيحكم الجميع.

رابعا: بعيدا عن انخفاض أسعار النفط (برنت ونايمكس) في الجلسات الأخيرة وتخبط سوق الطاقة ومنتجيه، لقد بات من الواضح أن نقطة الهاوية النهائية للأسعار لم تنته بعد، وأن استجابة الأسواق لم تكن بحجم التخفيض التاريخي، لأنه قابلها انخفاض أكثر من تاريخي بفعل جائحة كورونا (كوفيد-19) والذي بلغ حوالي 30 مليون برميل يوميا. فما جدوى انخفاض 10 ملايين برميل في الإنتاج اليومي في حين أن الطلب قل بـ30 مليون برميل؟ فهل من تحرك فاعل واسع جديد يلوح في الأفق، علما أن بعض الأطراف تتصرف بخبث وتستغل الأوضاع بمنطق الانانية المطلقة؟

خامسا: رغم المخزونات الأمريكية الممتلئة بالنفط حتى الثمالة في أوكلاهوما، إلا أن الولايات المتحدة ما زالت تلعب بالأسواق وتضغط بمنطق التاجر على العربية السعودية تارة ودول بعينها تارة أخرى، بفرض الرسوم الجمركية أو عدم استقبال الناقلات الممتلئة بالنفط السعودي، أو عبر التهويل استجابة لكارتل النفط الأمريكي، وهذا ظهر في عدة تصريحات لأعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب ورفع لغة الوعيد والتهديد.

وللحقيقة أن الأجدى للرئيس ترامب معالجة الأزمة بمنطق الدولة الرائدة في الاقتصاد العالمي. إذ أنه إن لم يعالجها بطريقة دبلوماسية لبقة ستكون طامة كبرى قد يدفع ثمنها (ترامب) في الانتخابات المقبلة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، خاصة إذا لم تتعاف الأسواق سريعا، حيث أنه لن يسلم من ألسنة الديمقراطيين المتربصين ولا من الحلفاء الذين باتوا يشعرون بخطر الأزمة.

سادسا: إن الأمل الحقيقي يبدأ مع إيجاد لقاح لفيروس كورونا يحمي صحة البشر من جهة، ويشفي محركات المصانع والطائرات النائمة ويعيد الأسواق بكافة القطاعات إلى سابق عهدها، لأن الحقيقة تقول إنه حتى الساعة لا أفق لتحرك الطلب العالمي النفطي المرتبط بالصناعة والتجارة والسياحة في العالم. وعليه، على أوبك الرائدة في أسواق النفط والشريك القوي في أسواق الطاقة، ومعها الإدارة الأمريكية والقيادة الروسية والدول المعنية لا سيما مجموعة العشرين الدعوة مباشرة وعلى جناح السرعة إلى اجتماع استثنائي يلائم اللحظات الاستثنائية التي تعيشها صناعة النفط في ظل الحديث عن مأساة أسعار، والتحوط لما هو قادم من الأيام والشهور عبر الدعوة السريعة والعاجلة للجم الانهيار، بما يخفض الإنتاج النفطي بصورة عادلة ومتوازنة بين جميع المنتجين لحدود 30 مليون برميل، بعيدا عن العنتريات الأمريكية والمماحكات الروسية- السعودية، وتهربات الدول الصغيرة وعدم التزامها حتى تتعافى الأسواق في الشهور القادمة. وإلا سيغدو كل اللاعبين في سوق الطاقة بلا استثناء عرضة لموجة من حفلات الخسارات المتتالية.
التعليقات (0)