الحال من سيئ إلى أسوأ على
المستوى
الاقتصادي الاجتماعي، وكأني بالبلاد تشبه تلك السفينة الغارقة على سواحل طرطوس، وفيها الأبرياء
الهاربون من جحيم الحياة في بلاد باتت ساعة الكهرباء وخزان الماء حلما ورديا، فلا أحد في الداخل والخارج، يسمع آهات
اللبنانيين
التي قد يشفق عليها الحجر، ولن يشفق عليها بعض المتغطرسين.
أصوات الناس تملأ المدى؛ من أصوات المودعين المقتحمين وغير
المقتحمين، الذين أصبحوا بلا صوت وهم ينظرون إلى آباء لا يستطيعون تطبيبهم، أو أم
لا يستطيعون الإتيان لها بحبة دواء، أو طفل لا يستطيعون إدخاله إلى إحدى المدارس
الخاصة، التي بات الكثير منها يتقاضى بالدولار الأمريكي (الفريش).
أما محطات البنزين المطالبة الأخرى بالفريش، فلم يعد باستطاعة
الناس مجاراة جدول أسعار المحروقات التي تحرق أعصاب اللبنانيين، فيكفي التذكير بأن
صفيحة البنزين الواحدة فاقت الحد الأدنى للأجور أمام سعر الدولار المتعملق على
الليرة. والخشية مع فلتان الدولار والانغلاق للحلول الاقتصادية والسياسية أن نصل
إلى الثورة الاجتماعية؛ نتيجة ضعف القدرة الشرائية لليرة التي خسرت أكثر من 90 في
المئة من قيمتها. وبتنا نسمع الحديث القديم الجديد عن الدولرة الشاملة في لعبة
انهيار أحجار الدومينو قطاعا وراء الآخر، وكأني بالدولة تتحلل من الداخل الممزوج
مع تراخي أو رغبة الخارج لوصول اللبناني إلى نقطة اللاعودة، ولا يبقى أمام الناس إلا ركوب سفن الموت.
من هنا جاء البيان الأمريكي الفرنسي
السعودي، ولكنه ليس الأول ولن يكون الأخير، حيث لا شعور بالزخم المطلوب لحل القضايا
المتشعبة، التي تزداد تشعبا يوما بعد يوم. لقد أصدر وزراء خارجية هذه الدول الثلاث بيانا عبروا فيه عن دعم
بلادهم المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره. ومع استعداد البرلمان اللبناني
لانتخاب رئيس للجمهورية جديد، شدد الوزراء على أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية في
موعدها المحدد وفق الدستور اللبناني، وانتخاب رئيس يمكنه توحيد الشعب اللبناني
ويعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة الحالية. ولكن كيف وأين
الآليات الحقيقية والبلاد غارقة في أزمتها منذ سنوات؟
بتنا نسمع الحديث القديم الجديد عن الدولرة الشاملة في لعبة انهيار أحجار الدومينو قطاعا وراء الآخر، وكأني بالدولة تتحلل من الداخل الممزوج مع تراخي أو رغبة الخارج لوصول اللبناني إلى نقطة اللاعودة، ولا يبقى أمام الناس إلا ركوب سفن الموت
ودعا الوزراء إلى تشكيل حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات
الهيكلية والاقتصادية اللازمة لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان،
وتحديدا الإصلاحات الضرورية للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، علما أن هذه
الإصلاحات لمتنفذ منذ بداية التفاوض مع صندوق النقد، أن لجهة قساوة الشروط الدولية
المبهمة، التي في حال تنفيذها كما هي قد تضرب البنية الاجتماعية لشعب بات عاجزا
عن أبسط مقومات الحياة، فكيف بوصفات حساسة قد تحمل مزيدا من الضرائب!
وأكد المجتمعون على دور القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن
الداخلي اللبناني المسؤولة عن حفظ سيادة لبنان واستقراره، مع أهمية استمرارها
بالقيام بدور أساسي في حماية الشعب اللبناني في ظل أزمة غير مسبوقة. وهنا السؤال:
كيف للقوات المسلحة الاستمرار وهي تعاني كما كل اللبنانيين من وضع اقتصادي مالي
مأساوي؟ فإلى متى تستطيع العمل تحت ظروف كهذه، وكل المؤشرات العملية تؤكد خطورة الحاضر
والمستقبل؟!
وأكد الوزراء ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ أحكام قرارات
مجلس الأمن (1559) و(1701) و(1680)، (2650) والقرارات الدولية ذات الصلة، بما في
ذلك تلك الصادرة من جامعة الدول العربية، والالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على
الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان. ولكن أين السعي للدعم الدولي لمساعدة
لبنان على إنجاز ترسيم مشرف لحدوده بعيدا عن المماطلة الإسرائيلية، ودعم اتفاق مع
صندوق النقد لا يؤذي البنية الاجتماعية، ضمن نقطة حوار حقيقية بين اللبنانيين بعيدا
عن الشعارات؟
وهنا يحضر ملف الترسيم الذي ربما يكون مدخلا للتعويم للحكومة
الحالية في حال صدقت المعلومات عن قرب الوصول إلى اتفاق ترسيم، وعلى العادة: "لا
تقول فول تيصير بالمكيول"؛ لأن الخوف من الإيجابية المفرطة وارد، حيث الداخل
الإسرائيلي الملغوم على وقع الانتخابات الإسرائيلية القادمة والصراع بين لابيد ونتنياهو، قد يأخذ منحى أكثر تشددا في معظم الملفات في لحظات الذروة الانتخابية وحماوة
المعركة، في مجتمع خاض مجموعة الانتخابات وتقلبات في السنوات الأخيرة، علما أن
الدفع الأمريكي الأوروبي لإيجاد حلول لأزمة الغاز عالميا عبر غاز حوض المتوسط ما زالت
قائمة، خاصة بعد إعلان الرئيس الروسي عن إعلان التعبئة العسكرية الجزئية. ولكن
دائما الشيطان يكمن في التفاصيل وما أكثرها مع المفاوضين من العدو الإسرائيلي؛ إن
لسياسة القضم الإسرائيلية المعتادة، أو لشراء الوقت لتمرير المرحلة الداخلية
الانتخابية الإسرائيلية، وهنا مربط الفرس.
أين السعي للدعم الدولي لمساعدة لبنان على إنجاز ترسيم مشرف لحدوده بعيدا عن المماطلة الإسرائيلية، ودعم اتفاق مع صندوق النقد لا يؤذي البنية الاجتماعية، ضمن نقطة حوار حقيقية بين اللبنانيين بعيدا عن الشعارات؟
مع هذه المعطيات، يبقى الملف الحكومي اللبناني مدخلا لتلافي الأزمة
الدستورية في حال شغور موقع الرئاسة، وهو العنوان المترابط مع ملفات الموازنة
داخليا والاتفاق مع صندوق النقد، التي تحتاج حكومة فاعلة لإقرار الإصلاحات، مضافا
إلى حكومة قادرة على اتخاذ القرارات اللازمة في موضع الترسيم.
من هنا يعود الحديث عن تعويم الحكومة الحالية عبر تغييرات طفيفة،
ولكن أليس مؤشر ولادة الحكومة هو تأكيد لعمق الأزمة القادمة والفراغ الرئاسي
الخطر بكل أبعاده؟ وعليه، أليس استيلاد حكومة عمرها في المهل الدستورية الحقيقة
أيام، هو مؤشر على أن كل وزير سيغدو رئيسا في وزراته، وتاليا لعبة الصلاحيات والتواقيع
والتجاذب السياسي في زمن لا يحمل ترف الوقت؟ ومتى تأتي دعوة رئيس المجلس النيابي
المقرونة بالتوافق الذي يبدو صعب المنال أقله آنيّا؟
في زمن التضخم العالمي وسياسات التشدد المالي التي تعصف بالدول،
وأسعار الفائدة المتصاعدة يوما بعد يوم، والدولار الذي يقسو على كل العملات، وحروب
القمح والحبوب والغذاء الآخذة بالاتساع حيث الجوع يهدد الكثير من الدول، وفي زمن
أسعار الطاقة التي تجتاح كل القطاعات في لحظة اضطراب وضبابية في الاقتصاد العالمي، وجب على القادة اللبنانيين الفاعلين حزم أمرهم لتمرير الاستحقاقات الدستورية والإصلاحية
والاقتصادية المالية بأخف ضرر على مجتمعهم، فالعالم ينظر إلى أماكن غير لبنان؛
تبدو أكثر سخونة واهتماما، وتاليا لا بد من الخشية أن يصبح لبنان مركونا على رف
الأزمات.
[email protected]