(1)
سلامة مصارينك يا سيادة الرئيس، سواء كان الخبر صحيحا أو كاذبا مثلك، على كل حال لا تقلق سيادتك فنحن السابقون، إذ تهتكت مصاريننا قبلك بسبب الغيظ وقلة الحيلة والويل الذي تفرضه علينا سياساتك، وأقولها لك ربما تسهم في تهدئتك وشفائك بإرادة الله: أنت كشخص ليست مشكلتنا يا سيادة الرئيس، فأنت في الأول وفي الأخير مجرد شخص، المشكلة في النظام الذي يسمح بوجودك، ويتيح لك كل هذه الصلاحيات الشمولية.. المشكلة في ثقافة العبيد الذين يقبلون بصيغة "الملك المقدس" و"الزعيم الفرد"، وحتى إذا تمردوا على زعيم، فإنهم لا يطيقون الاستقلالية والعيش بحرية، فيسرعون بالانضواء تحت راية زعيم آخر، بحيث صار معظم المجتمع قطعانا تتحرك بالتبعية خلف راية قائد كل قطيع. والأدهى ليس في تناحر هذه القطعان، بل في اتفاقها على مهاجمة الخارجين عنها، بحيث يصعب تكوين قوة مستقلة متحررة من التبعية العمياء.
(2)
تمنياتي بالشفاء ليست سخرية يا سيادة الرئيس، فقد واسيت مبارك في وفاة حفيده برغم المعارضة الجذرية، كما تجاوزت معارضتي لك وقدمت العزاء بمقال منشور في وفاة والدتك، لكنني لا أمانع في حق المشاركة السياسية للقدر، فللقضاء والقدر حق حاسم في التغيير السياسي وتداول السلطة، وهذا أمر لا نعترض عليه ولا نرفضه، فقط لا نجعله يلوث قلوبنا بالتشفي، وإذا كان في هذا الإحساس كثير من السذاجة والرومانسية، فإنني أتمسك مقتنعا بالرومانسية وأحب هذا النوع من السذاجة.
صدقني يا سيادة الرئيس، أنت لست المشكلة، فلدينا مثلك المئات في حراك المعارضة، ولدينا مثلك الملايين بين جموع الناس. وآه لو أتيحت لأحدهم الفرصة، أجزم أنه سيكون مثلك و.، ولمزيد من الصراحة أعترف أنني اكتشفت مبكرا أنني مثلك، مجرد شخص متسلط، أناني، متعصب لأفكاري ورؤيتي وأسلوبي في التفكير والعمل، لكنني عالجت ذلك بالابتعاد العمدي عن مسؤولية السلطة، وسعيت لإعفاء االناس من شر تحمي فيهم، ومن شر انحرافي عن إنسانيتي لصالح المستبد الذي يسكن أعماقي.
(3)
لن أذكرك بمقولات المفكرين الذين يؤمنون بأن السلطة بطبيعتها مفسدة، وبأن فسادها يتناسب مع درجتها، فالسلطة المحدودة فساد محدود، والسلطة المطلقة فساد مطلق. ولن أقرأ عليك حديث النبي عليه الصلاة والسلام مع سيدنا أبو ذر الغفاري عن السلطة والولاية، فقط أريد أن أؤكد على أن معركتي مع
الاستبداد وليست مع الأشخاص، معركتي مع
الفساد وليست مع أسماء بعينها، معركتي مع التبعية والشللية والجهل والقمع والنفاق والتعصب والظلم والغوغائية. ولا أفرق في ذلك بين حاكم ومحكوم إلا بدرجة التسلط على الناس، وبدرجة التأثير في حياتهم، ومقدرتهم على توسيع فعالية هذه الخبائث وإفسادها لحياة الناس. ولهذا فإنك تتقدم في الفساد على غيرك من الفاسدين، وتتقدم في القمع على غيرك من القامعين، وتتقدم في الجهل والظلم والغوغائية على غيرك ممن يشبهونك في حاشية السلطة وفي المعارضة، وبالتالي فإنني أواجه الظلم والفساد من أكبر رأس نزولا إلى التابعين بالترتيب، وهذا يعني أن مواجهتي لك (كسلطة) تشمل كل من يندرج تحت هذه التوصيفات المفسدة لحياتنا، كلا حسب شهرته وقدرته وتأثيره في حياة ومصائر ومصارين الناس.
(4)
يمكنك يا سيادة الرئيس أن تفهم هذه النظرية تحت مسمى "متلازمة أبو لهب"، فالقرآن لا يذم الشخص وفقط، لكنه يذم المنهج وكل من يعمل به. وقد كتبت كل ذلك كتمهيد للإشارة إلى خبر ترشح مرتضى منصور لمنصب "نقيب المحامين
المصريين".. يا له من خبر أسود يليق بعصرك وانحطاطه. وبصرف النظر عن حق الترشح وحق الانتخاب وحق تقلد المناسب، فإنني أتوقف عند ظاهرة مرتضى منصور باعتبارها علامة ومؤشرا بارزا عن مستوى الأخلاق السياسية والقانونية، وعن طريقة أداء الأجهزة.
صحيح أن المنظومة القانونية فاسدة بالجملة، وأن مستوى العمل بالمحاماة تدنى كثيرا، لكن مشكلة نقيب المحامين أخطر بكثير من مشكلة المحامين الصغار كلهم، خاصة وأن القائد الفاسد لا يدعم الفاسدين في القطيع وفقط، لكنه يغري أو يجبر الكثير من الصالحين على الفساد باعتباره الطريق الوحيد المتوح للعمل والصعود والنجاح.
وقد كتبت منذ سنوات مقالا بعنوان "واحد من جنودك يا سيدي"، عن ظاهرة عودة الفاسد المنحرف بحكم قضائي "محمد فودة"، ومنحه مواقع وأدوارا بدفع من الأجهزة الأمنية، كما كتبت عن مرتضى وغيره، لكن أجهزتك يا سيادة الرئيس تعرف، وتدعم، وتساعد على المزيد من التدني والانحطاط والابتذال وتقطيع المصارين.
(5)
لسيادتك أن تعلم أنني لا أحب ثنائية "الخطيب ومرتضى منصور"، كما لا أحب ثنائيات السعودية وقطر، ومرسي وشفيق، والإخوان والجيش.. إلخ، لكن الإنصاف يدفعني للقول إن الخطيب بأخلاقه الظاهرية ومسايرته للتوجهات الرسمية النافعة في كل مرحلة؛ تجعله "الفاسد المهذب" في مواجهة ظاهرة "الفاسد الوقح".
ولهذا فإن نظرية الترتيب بالقوة التي ذكرتها سلفا تقتضي تقديم مواجهة نموذج مرتضى على نموذج الخطيب، وإن اتفق الثنائي "المهذب والوقح" في الذهاب إلى مائدة تركي آل شيخ. لكن مرتضى يبقى النموذج الأنسب للنظام، ويبقى الأكثر نفعا واستخداما في المعارك العاجلة، بينما ينحصر الخطيب في مهام المهدئات و"رشات العطر" على جسد النظام العفن، لهذا يتمدد مرتضى مدعوما بحصانة برلمانية غير قابلة للرفع، ومدعوما بمناصب وألقاب وقنوات تليفزيونية وحظوة، تمنحه مساحات للردح والتشيت والفرقعات التي تخدم النظام، حتى يشعر كل متابع أن صوت مرتضى منصور ليس إلا صوت النظام نفسه، وأن اتجاه مرتضى منصور ليس إلا اتجاه النظام نفسه، وأن سلوك مرتضى منصور، كمحام ورئيس ناد رياضي كبير ونائب برلماني وقاض سابق، ليس إلا سلوك النظام نفسه في كل هذه المجالات.
وقد تابعت الأخبار المنشورة عن المؤتمر الأخير لمرتضى وحديثه المخنث عن التهديدات التي تنهمر عليه من قطر، وتفرض عليه رفض مشاركة نادي الزمالك في مبارة السوبر الأفريقي في الدوحة. فلم أجد في المؤتمر إلا عينة من لغة الإعلام الرسمي، ومن سلوك الخارجية المصرية.
وبمناسبة كلمة "مخنث" سابقة الذكر، فإنها ليست توصيفا جنسياً، لكنها تعبير عن الحديث مزدوج التوجهات والميول، بمعنى أن المؤتمر الذي يرفع درجة الغوغائية في الحديث عن هذا الموضوع، يعد في الوقت نفسه مدخلا للقبول بلعب المباراة، لكن بعد افتعال المعارك وإثارة الغبار وتوريط الناس في جعجعة تعود إلى نقطة البدء المحسومة، والانصياع لقرارات الاتحادات الرياضية والهروب في اللحظة المناسبة من العقوبات المعروفة للجميع.
(6)
ألا يعرف مرتضى منصور ذلك؟.. ألا يعرف أنه سيلعب المبارة في المكان المحدد سلفاً حسب العقود القانونية المبرمة والجداول المعلنة قاريا ودوليا؟
طبعا يعرف، لكنه يريد أن يؤدي دوره في الردح، وأن يستغل الفرصة كأي "أرسونيست" لإشعال نيران الحرائق وإلهاء الناس وتكريس العداء في اتجاهات معينة؛ تخدم النظام الساعي بقوة لتغيير هوية العدو في المنطقة. فمرتضى لا يعزف لحنا خاصا، لكنه يقرأ من نوتة موزعة على الجميع، حتى لو قدم عزفه بأسلوب انفرادي. فمعظمنا يعرف ان مرتضى سيقبل في النهاية بالسفر إلى الدوحة، لكنه يريد أن يبالغ في الحديث عن "قطر الشريرة" التي تخطف العيال. والمقصود بالعيال ليس ليس حفيدته "أميرة" وفقط، لكن لاعبي فريق كبير، وهي الدولة التي تستعد لاستقبال أشهر منتخبات كرة القدم على وجه الأرض في كأس العالم المقبل.
(7)
تعليقي على مؤتمر مرتضى منصور، وعلى إثارته منذ البداية لأزمة مباراة سوبر أفريقيا، ليس دفاعا عن قطر. فموقفي من النظام القطري معروف ومعلن، لكن موقفي الرافض للأنظمة العربية جمعاء لا يعني الموافقة على الغوغائية وخلط الأمور. فقطر دولة صغيرة لديها كثير من سلبيات النظام العربي التابع لهيمنة أمريكا في المنطقة، لكنها دولة عصرية تدير شؤونها بنجاح وتحقق الكثير من الإنجازات التي فشلت فيها دولة كبيرة مثل مصر، ربما لوجود فارق كبير في الإمكانات المالية، لكن الأهم لوجود فارق كبير في العمل بمفاهيم الإدارة الحديثة والاستعانة بالخبرات الدولية لرفع كفاءة مشاريعها وتحقيق مستهدفاتها، فحصلت مثلا على حق تنظيم كأس العالم وبطولات قارية ودولية أخرى، بينما حصلت مصر على "صفر شهير" عندما تقدمت لذلك.
وباختصار يا سيادة الرئيس أقول لك: مصارين النظام كلها تعبانة، وما مرض مصر إلا بسبب ما يملأ مصارينها من قاذورات. وقد دعونا للنظافة والتطهير فانتفضت ديدان المصارين وطردت المستشار هشام جنينة من منصبه كمطهر للفساد، وانتعشت أكثر حتى وصلت إلى مصارينك، فهنيئا لك بالدود والفساد حتى يعتدل الميزان.
[email protected]