منذ الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، أراد قادة المجلس العسكري المصري تثبيت فكرة أن القوات المسلحة هي المهيمن الوحيد على الاقتصاد في مصر، لتتحول من الوسيط أو المسهل، إلى القابض الوحيد على مقدرات الدولة الاقتصادية، وليتحول جنرالات الجيش إلى مجرد تجار.. تجار في كل شيء، بداية من رغيف الخبز إلى أعلى التقنيات، مرورا بالحاجات الأساسية للمواطن. لكن الرقم الصعب في هذا الاقتصاد هو تجارة السلاح التي تقاسموها مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، والتي كانت بالنتيجة صك الترضية والقبول وتقاسم الغنيمة، لكن بعد أن دانت لهم الدولة على إثر الانقلاب على الثورة الشعبية، وتكشفت وجوه الجنرالات عن التحول الكبير في توجهاتهم بعد أن توحشوا وتوغلوا في كل مناحي الحياة الاقتصادية إلى سماسرة سلاح في العالم.
الإعلان عن مصادرة
الأسلحة الكورية ظهر، أول ما ظهر، في تقرير صادر عن الأمم المتحدة، وتحديدا من اللجنة التي أنشأها مجلس الأمن لمراقبة خرق الحظر على كوريا الشمالية، لكن الواقعة كشفت من قبل المخابرات الأمريكية حين وجهت تعليماتها للمخابرات المصرية بتوقيف السفينة، قبل أن تتكشف الأمور ويتم التأكد من أن السفينة التي ضبطت في قناة السويس لم تكن مارة بل كانت متجهة إلى الأراضي المصرية لتحط حمولتها.
الوثائق التي تم تسريبها من الخارجية المصرية أكدت الأمر عقب طلب وزير خارجية النظام في مصر تبريرا مقنعا من الجهات السيادية (جنرالات الجيش)، بعد أن واصل المسؤولون الكوريون الشماليون المطالبة بدفع ثمن شحنة الأسلحة، ما أثار مخاوف سامح شكري من تعرض البلاد لابتزاز الكوريين الشماليين فيسقط في يده ويتحمل هو مسؤولية الملف، لمعرفته المسبقة بالجنرالات وتضحيتهم بالمتعاونين مع نظامهم.
والسؤال هل النظام المصري وطني لهذه الدرجة، ويريد تسليح جيشه حتى لو بالطرق غير الشرعية، حماية للوطن؟
والإجابة بكل أريحية: لا، فالأمر لا يتعدى كونه صفقة يريد أحدهم التربح منها، والزبائن المحتملون قد يكون النظام في سوريا أحدهم، كما لا يمكن استبعاد أن تكون الجماعات الإرهابية جنوب الصحراء في أفريقيا زبونا آخر، لا سيما أن إصرار النظام المصري على التواجد في ليبيا يفتح الباب أمام هذا الاحتمال.
لكن المستفاد من هذه الجريمة (جريمة خرق القرارات الدولية) وهو ما يجب أن يعرفه المجتمع الدولي وعلى رأسه الغرب والأمريكيون، أن هذا النظام القابض على حكم مصر، وإن كان يحمي مصالحه، لكنه غير مأمون الجانب، حيث لا شرعية قانونية لتعاملاته، ولا التزام بقرارات المنظمات الدولية، وأن هؤلاء الجنرالات إنما هم تجار لا رجال دولة، ولا مانع عندهم من بيع أي شيء من أجل التربح، غير ملتفتين لأبعاد هذه الصفقات.
لذا، فإن إعادة إدارة ترامب المساعدات للنظام المصري بعد تجميدها في 2017 إنما كان خطأ فادحا، مدفوعا بأطماع تمرير صفقة القرن التي فشلت بامتياز، كما فشل عرابها كوشنر في تسويقها بعد أن اعتمد على السيسي غير ذي النفع، فلا قدرة للسيسي رغم القمع على إخضاع الشعوب، ولا لنظامه القبول العربي لتسييسه ودفعه لقبول تلك الصفقة.
وأعتقد أن فتح الملف في هذا التوقيت إنما يصنف تحت بند المنافسة الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين من ناحية، والصراع الداخلي في إدارة ترامب التي ترى في قرارات الرئيس الأمريكي انفرادا لا معنى له، وتجاوزا لقواعد راسخة في دوائر صنع القرار الأمريكية، والتي أظهرت قوتها في العديد من القرارات التي تراجع عنها الرئيس الأمريكي في الفترة الأخيرة، كما أنها مؤشرات على قناعة بدأت تترسخ شيئا فشيئا لدى الإدارة الامريكية بأن السيسي لم يعد يصلح لقيادة منظومة مصالها في المنطقة، وأن تقديمه التنازلات المستمرة للكيان الصهيوني حماية لمصالح ذلك الكيان لا تؤهله للعب دور مؤثر في منطقة تعج بالتحركات الشعبية التي في ما يبدو أنها ستطول نظامه قريبا.