هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
البريطانيون لا يهمهم أن يكون بوريس جونسون صهيونيا حتى النخاع، أو مؤمنا بالسردية الإسرائيلية بالقلب ومرددا لها باللسان، أو متعاطفا مع حل الدولتين أو اللاجئين الفلسطينيين، أو أن يرى القدس عاصمة مشتركة للدولتين، ولا يهمهم كذلك إن كان زير نساء، أو كانت زوجته قد طردته من البيت واتفقت معه على الطلاق، أو كان عنصريا معاديا للمهاجرين فهذا لا يهم لا القاعدة العريضة من الشعب البريطاني ولا القاعدة العريضة لحزب المحافظين، فالذي يهم هؤلاء وهؤلاء هو الشأن الداخلي الذي أولاه بوريس جونسون اهتمامه الكبير، وهو ما لم يفعله خصمه جيرمي هانت.
ما يميز بوريس عن منافسه جيريمي هانت هو أن الأول متمرد راغب في التغيير حالم ببريطانيا عظيمة وجديدة، ومصر على البريكست مهما كانت المآلات، بينما يعد هانت استمرارا لتيريزا ماي كما كانت هيلاري كلينتون استمرارا لأوباما والجماهير، محبة للتغيير حتى ولو مضى بها إلى المجهول، كما أن كثيرين لا يفكرون إن كان جونسون قادرا على تحقيق ما يعد به أو غير قادر.
استطلاعات الرأي في التصويت الإلكتروني الذي يمارسه (160) ألف عضو من حزب المحافظين وجلهم من البيض (97%) لاختيار الزعيم الجديد للحزب، تشير إلى تقدم بوريس جونسون على منافسه جيريمي هانت في سباق خلافة ماي، بل يتوقع المراقبون أن يكون فوز جونسون في التصويت العام أكبر منه في تصويت النواب، بالرغم من الانتقادات التي يوجهها إليه الإعلام البريطاني اليساري والليبرالي.
فبوريس جونسون يرى نفسه أسدا لا يقهر وامتدادا طبيعيا لونستون تشرشل، ويود أن يؤدي دوره مدافعا عن بريطانيا العظمى؛ لذا فهو يبدو أمام مؤيديه رجلا واضحا وقويا، خاصة بعد الجلسات المتكررة للبرلمان البريطاني التي فشلت في حسم قضية البريكست، كما يبدو لديهم الرجل الذي استقال من منصبه احتجاجا على التنازلات التي قررت حكومة تيريزا ماي تقديمها في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو نفس الرجل الذي أعلن عن استعداده لتعطيل البرلمان من أجل تمرير اتفاق البريكست الذي سبق أن رفضه البرلمان ثلاث مرات.
الانتقادات التي وجهت إليه لإرجاعه تخلف المسلمين إلى الإسلام وتشبيهه النساء المسلمات اللاتي يرتدين البرقع بصناديق الرسائل ولصوص البنوك أو تلك التي وجهت إليه لخذلانه سفير بلاده لدى الولايات المتحدة كيم باروك، بعد وصف الأخير من قبل ترامب بالأحمق والغبي على خلفية التسريبات التي وصف فيها السفير دونالد ترامب بأنه غير آمن، وتشكيكه في قدرة إدارته "على تجاوز الخلل الوظيفي".
هذه الانتقادات رغم وجاهتها وصحتها، لم تقلل من شعبيته ولم تؤثر في احتمالات فوزه شبه المؤكدة؛ فأطروحاته بشأن قضايا المجتمع البريطاني الداخلية تجد قبولا واستحسانا كبيرين، فبوريس جونسون يود كما قالت صحيفة الإندبندنت البريطانية إنهاء دور الدولة المربية أو دور الدولة الرعوية التي تتدخل في مسارات حياة المواطن، ويرى أن يقتصر دورها على التنظيم عبر سياسات ضريبية، فالحكومات السابقة تدخلت في حياة المواطن لتقول له ماذا يأكل وماذا يشرب من منطلق الحرص على سلامته وصحته، وفرضت حزمة من الضرائب شملت المشروبات الغازية السكرية والتبغ والمشروبات الكحولية.
ويرى جونسون حتمية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حتى ولو زادت التعويضات الناجمة عن تبعات الخروج، دون اتفاق عن المبلغ الذي خصصته وزارة الخزانة، لكنه وعد بالحفاظ على عجز الميزانية في حدود منخفضة بتقليص عدد الوزارات ودمج الإدارات لتقليل الإنفاق والقضاء على البيروقراطية وتقديم خدمات عامة أسرع وأفضل، مستفيدا من الثماني سنوات التي أمضاها كعمدة سابق لمدينة لندن وهي الفترة من (2008 ــ 2016 ) التي نالت استحسان وتقدير الشعب، وربما مكنه ذلك من إلحاق الهزيمة بحزب العمال الذي يقوده جيريمي كورين فيما لو جرت انتخابات عامة مبكرة.
لقد شهدت الملكة إليزابيث الثانية منذ اعتلائها عرش بريطانيا اثني عشر رئيس وزراء، كان من أبرزهم ونستون تشرشل وهارولد ماكميلان والمرأة الحديدية مارجريت تاتشر وجون ميجر، ومن المرجح الآن أن يكون بوريس جونسون الرقم الثالث عشر، ويبقى أمام الرجل تحديان أولهما إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول الحادي والثلاثين من تشرين الأول/أكتوبر القادم كما وعد، وثانيهما تجاوز الانقسامات التي دبت في صفوف حزبه، فحزب المحافظين يمرّ بأزمة حقيقية أظهرتها بجلاء الانتخابات المحلية الجزئية، التي جرت في أول شهر أيار/مايو الماضي، والتي تخلت فيها قواعده الشعبية عنه، مما أدى إلى خسارته لنحو (1200) مقعد في المجالس المحلية في عموم بريطانيا، وكذلك توحيد البريطانيين من خلفه، فإذا لم ينجح في أيهما فستشهد بريطانيا انتخابات مبكرة قد لا يفوز فيها حزب المحافظين.
عن صحيفة الشرق القطرية