هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لازال الحراك الشعبي في الجزائر مستمرا في رفع شعارات الانتقال الديمقراطي وإنهاء حكم الفساد والاستبداد. ولم تسفر الخطوات التي تم إنجازها منذ الإعلان عن وقف العهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ثم تنحيه ثانيا، وصولا إلى استقالة رئيس البرلمان معاذ بوشارب مرورا باستقالة رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، لم تسفر كل تلك الخطوات عن توافق يعيد المتظاهرين إلى ديارهم ويؤسس لحل سياسي توافقي، يبني الدولة الجزائرية الحديثة.
الكاتب والإعلامي الجزائري حسان زهار، يناقش في هذا التقرير الخاص بـ "عربي21"، الجدل الدائر بين النخب الجزائرية، حول الرؤى السياسية الممكنة لترجمة الحراك الشعبي إلى حلول واقعية تحمي الدولة الجزائرية، وتحقق مطالب الجماهير في إنهاء الفساد والتأسيس للدولة الديمقراطية.
منذ الإطاحة بالرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفيلقة، في الثاني من نيسان (أبريل) الماضي، بدأ الشارع الجزائري المنتفض ينقسم شيئا فشيئا على نفسه، حول الطريقة المثلى لإحداث الانتقال الديمقراطي السليم، وخاصة حول موضوع "المرحلة الانتقالية"، التي يطالب بها جزء من الحراك، بينما رفضها الجزء الآخر الداعم لـ "الحل الدستوري" الذي تتبناه المؤسسة العسكرية، إلى أن وصلنا اليوم إلى انقسام حاد في الشارع، وإلى استقطاب شديد تتحكم فيه الأيديولويجيا قبل القانون، خاصة بعد فشل محاولة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري في 4 تموز (يوليو) الجاري، اعتمادا على المادة 102 من الدستور، التي أطاحت ببوتفليقة، ومنحت رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح منصب رئيس الدولة، من أجل إقامة انتخابات رئاسية في أجل 90 يوما، الأمر الذي اضطر المجلس الدستوري إلى إصدار فتوى دستورية، تخول لرئيس الدولة الاستمرار في منصبه حتى إجراء تلك الانتخابات لمنع الوقوع في فخ الفراغ الدستوري، لكن من دون تحديد مدة زمنية لذلك.
وتُشعل هذه الوضعية الصعبة جدلا دستوريا وقانونيا وسياسيا كبيرا جدا، بين قوى الحراك نفسها، إلى درجة تختلط فيها الشعارات المتناقضة في المسيرات المشتركة، الأمر الذي يجعل من استبيان أفضل الطرق لإخراج الجزائر من أزمتها في غاية الصعوبة والضبابية. ومعها تطرح أسئلة ملحة داخل الشارع الجزائري بقوة الآن، هل الأفضل للجزائر واستقرارها وحريتها هو اعتماد مرحلة انتقالية، بكل ما تتفرع عنها من مجلس رئاسي، أو مجلس تأسيسي، عبر التعيين والتوافق، بكل ما يحمله هذا الخيار من مخاطر جسيمة على أمن واستقرار والبلاد، أم إن الحل يكمن في عدم الخروج عن نص الدستور أو روحه على الأقل، والإسراع بالذهاب إلى انتخابات رئاسية في أقرب وقت، باعتباره الحل الأكثر أمانا، حتى وإن كان يترك بدوره شكوكا عميقة حول بقاء بعض رموز النظام السابق لضمان بقاء الدولة؟
الحل الدستوري.. حقيقته وأنصاره
يرافع جزء من الحراك للطرح الذي تقوده قيادة الجيش، بضرورة الحفاظ على المسار الدستوري، على اعتبار أن الإطاحة ببوتفليقة جاء بناء على تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تثبت عجز الرئيس عن أداء مهامه، وليس عبر انقلاب عسكري، وأن أي محاولة للخروج عن الدستور، الذي تم باسمه إزاحة بوتفيلقة، سيدخل البلاد في متاهات خطيرة، كما سيفتح أبواب التدخل الأجنبي على مصراعيه، كما حصل في السودان مثلا، وهو ما يجعل سيادة وأمن الجزائر في خطر داهم.
ويؤكد أصحاب هذا الخيار، وهم في الغالب من الوطنيين تحت مسمى (النوفمبريين الباديسيين)، المعادين للنفوذ الفرنسي في البلاد، الذين وجدوا في أدبيات قيادة الجيش متنفسا لهم، خاصة بعد إدخال رموز النظام السابق المتهمين بالتعاون مع فرنسا إلى السجون، أن الحل الوحيد يكمن في الذهاب سريعا في أقرب وقت إلى تنظيم انتخابات رئاسية عبر ضمانات كاملة، يمارس فيها الشعب سيادته، كما يمكن للرئيس المنتخب بعدها أن يفتح ورشات الإصلاح السياسي والدستوري، بما يمتلكه من شرعية شعبية، وفي ظروف تكون فيها البلاد قد بدأت تستعيد استقرارها وأمنها.
ويطرح هذا التيار رؤيته المتناغمة مع السلطة القائمة، بضرورة الذهاب إلى حوار وطني شامل لا يقصي أحدا، من أجل البحث في كيفية تشكيل هيئة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات من أولها إلى غاية الإعلان عن نتائجها، مع تعديل وتكييف قانون الانتخابات لكي يستجيب لشروط النزاهة المطلوبة، وهذا على الرغم من أن داخل هذا التيار أيضا توجد تيارات فرعية، منها تلك المتطابقة حرفيا مع توجهات السلطة، ويوجد على رأسها أحزاب السلطة التقليدية بقيادة جبهة التحرير الوطني، ومنها من تزيد عليها ضرورة ذهاب حكومة بدوي، بوصفها من بقايا النظام السابق مع قبول بقاء رئيس الدولة بن صالح، ومنها من تذهب إلى حد القبول بهذه الرؤية، شريطة ذهاب كل رموز النظام السابق، بمن فيهم بدوي وبن صالح، لكن عبر الاحتفاظ بشكل الإخراج وروح الدستور، بتعيين رئيس جديد للمجلس الدستوري، ثم يتولى رئيس المجلس الدستوري الحالي مهام رئيس الدولة (وهي رؤية حركة مجتمع السلم / الإخوان) مثلا.
ورغم أن هذا التيار يكتسب زخما أكبر مع مرور الوقت (ندوة الحوار الوطني كدليل)، إلا أن صعوبة الشروع في حوار وطني شامل، والتردد في الإعلان عن الشخصيات الوطنية المستقلة التي سوف تشرف عليه، واستمرار جزء من الحراك في رفع سقف المطالب، وغموض أجندة السلطة الفعلية في البحث عن الحلول، يجعل هذا التوجه معطلا في الوقت الحالي، أو مؤجلا إلى حين، خاصة أن فتوى المجلس الدستوري منحت السلطة الفعلية هامشا للمناورة بعدم تحديد فترة التمديد الممنوحة لرئيس الدولة لكي يقوم بتنظيم الانتخابات الرئاسية.
ويلاقي هذا الخيار أو التوجه انتقادات الطرف الآخر التي تركز على أن الالتزام الحرفي بالدستور الذي أخاطه نظام بوتفليقة، من شأنه أن يمدد في عمر النظام، ولن يكون هنالك فرصة حقيقية لتغيير النظام جذريا، كما يعطي فرصة لقيادة الجيش لمواصلة السيطرة على مقاليد الحكم كما ظلت دائما من قبل، عبر تعيين الرئيس القادم، وإعادة إنتاج نفس منظومة الفساد البائدة، حتى وإن كانت مثل هذه الانتقادات هي أقرب للهواجس منها إلى الحقيقة الكاملة.
مبررات المرحلة الانتقالية والمجلس التأسيسي
يصر قطاع واسع من الحراك الجزائري، على رفض كل رموز النظام البوتفليقي، وقد رفع الشارع شعاره البارز بعد سقوط بوتفليقة، بضرورة سقوط "الباءات الأربع"، التي تمثل بقايا ذلك النظام، غير أن نضال حوالي خمسة أشهر كاملة لم يسفر سوى عن سقوط باء رئيس المجلس الدستوري (بلعيز) وباء رئيس المجلس الشعبي (بوشارب)، بينما بقي كل من رئيس الدولة (بن صالح) ورئيس الحكومة (بدوي)، في منصبيهما، وهو ما يرفضه هؤلاء، مطالبين بتغييرهما والدخول في مرحلة انتقالية تقودها شخصية توافقية لفترة قصيرة (طرح جمعية العلماء المسلمين وقد اقترحت اسم الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي) أو مجلس رئاسي من ثلاث إلى خمس شخصيات يتم التوافق حولها، لقيادة مرحلة انتقالية، وهناك من يطالب بأن تكون متوسطة في حدود سنة، وهناك من يريد أكثر.
لكن يوجد ضمن هذه الدائرة تيار من المتطرفين الذين يطالبون بضرورة الذهاب مباشرة إلى مجلس تأسيسي، يقوم بإعادة صياغة دستور جديد بالكامل، ويعيد تأسيس الدولة الجزائرية منذ الاستقلال، وهذا التيار يمثله العلمانيون من الديمقراطيين تحت مسمى البديل الديمقراطي، الذي يضم أحزابا ذات صبغة (أمازيغية من القبائل) في مقدمتها جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال وغيرها، ويتحجج هؤلاء بأن انطلاقة الدولة الوطنية بعد 5 جويلية 1962، كانت انطلاقة خاطئة لأنها اعتمدت على الهوية العربية الإسلامية، اعتمادا على بيان أول نوفمبر، بينما هم يناضلون لأجل أن تكون الجزائر أمازيغية علمانية على أسس مبادئ مؤتمر الصومام.
غير أن متغيرات كبيرة حصلت في الأسبوعين الماضيين، جعلت من دعاة المرحلة الانتقالية يتراجعون خطوات إلى الوراء، بعد عقد اجتماع ندوة الحوار الوطني لقوى المعارضة الوطنية والإسلامية (العلمانيون قاطعوها)، التي حضرها حوالي 800 شخصية وطنية، وعدد معتبر من الأحزاب والنقابات المهنية وغيرها، انتهت إلى تجنب ذكر المرحلة الانتقالية بسبب ما صارت تحمله من حساسية ومدلولات غير مريحة، والذهاب إلى انتخابات رئاسية بضمانات كاملة بعد حوار شامل، من دون اشتراط ذهاب رئيس الدولة بن صالح بالاسم، وهو ما زاد في عزلة المتطرفين من دعاة المجلس التأسيسي، ومهد بشكل واضح لبداية حوار حقيقي، دعا إليه رئيس الدولة وقبله قيادة الجيش من أجل الخروج من هذه الأزمة.
ولعل ما يأخذه الشارع على أصحاب هذه الدعوة للمرحلة الانتقالية، اعتمادهم على فكرة التعيين بدل الانتخاب، والتوافق بدل الصندوق، وهو ما لا يرضاه الشارع الجزائري كثيرا، الذي رفض تمثيل الحراك لأنه لا يثق بالشخصيات التي تحاول ركوبه، كما أن فكرة التعيين في حد ذاتها فكرة غير ديمقراطية، تتيح الفرصة للعصب والجماعات الأيديولوجية المنظمة لسرقة حراك الشعب، الذي ما زال غير مهيكل جراء سياسة "التصحير" التي مارسها نظام بوتفليقة، كما يؤخذ على هؤلاء أنهم غير قادرين على تحديد فترة زمنية بشكل دقيق للخروج من المرحلة الانتقالية الخطرة، ولا هم قادرين على إعطاء ضمانات نجاح التحول الديمقراطي.
الانتخابات هي الحل الوحيد
وبينما يستمر الجدل على أشده في الساحة الجزائرية حول ضرورة المرور لهذه المرحلة الانتقالية، يلقي كل طرف بحججه في الشارع عبر المواقف الاجتماعية في شكل حروب لا منتهية تشبه حروب (داحس والغبراء)، ويصر أنصار الحل الدستوري كما يرى محمد صالحي على أنه هو الحل الأسلم والأقل ضررا، لأن انتخاب رئيس شرعي يقود البلاد ويعمل على تجسيد طموح الأغلبية الشعبية هو الحل الأمثل.
ويوضح محمد صالحي أحد قيادي حزب العدل والبيان لـ "عربي 21"، أن الحل السياسي الذي يتجاوز الدستور يحمل مخاطر، كما يطرح إشكالية من سيختار الشخصيات المعينة؟ ضمن مساعيهم لتشكيل مجلس تأسيسي وهيئات قيادية من الشخصيات الوطنية والناشطين السياسيين وشباب الحراك. وهل سيقبل بهم المواطنون والحراك؟
ومعنى هذا برأي محمد صالحي، فإنه من المستحيل الاتفاق حول قيادات غير منتخبة وقد تم تجريب هذه الطريقة مثلا في ليبيا ولم تنجح، بل ما نراه من تمزق دليل على ما ذهبنا إليه، وبالطبع هناك أطراف خارجية تدخلت لتأزيم الوضع.
أما مدير بوابة الشروق أونلاين الإعلامي نسيم لكحل، فقد أوضح بدوره لـ "عربي21"، أن ما يحدث أمر طبيعي لما خلفه الحراك من عملية فرز على عدة مستويات، خصوصا في ظل النشاط الحثيث لأذرع العصابة منذ سجن رؤوسها المالية والسياسية والأمنية، حيث تحركت الأذرع لزرع المزيد من الانقسام في الشارع تحت شعارات فضفاضة انطلت على البعض، ولكنها للآن تفشل في استمالة الأغلبية التي ترى أن الحل المستعجل للأزمة، هو المرور سريعا لانتخاب رئيس جمهورية كامل الصلاحيات ليكمل عملية مكافحة الفساد ورموزه، وأيضا استرجاع هيبة الدولة ومؤسساتها.
ويشدد نسيم لكحل على أن الانتخابات يرفضها البعض لأنهم يعلمون مسبقا أن نتائجها لن تنصفهم، لهذا يستميتون في الدفاع عن مطالب غريبة على غرار المجلس التأسيسي الذي يريدون من خلاله الوجود في الحكم، لكن خارج إرادة الصندوق.
لا بد من حل سياسي بضمانات الجيش
أما الإعلامي الصغير سلام، فعلى النقيض من ذلك يرى أن الحل السياسي التوافقي بضمانات من مؤسسة الجيش، هو الأقرب إلى تحقيق أهداف الحراك الشعبي في بناء دولة القانون والحريات وتكافؤ الفرص وحماية الثروة الوطنية من النهب والتسيب، وتوجيهها نحو التنمية ورفاه أبناء الشعب.
ويفسر الصغير سلام الأزمة لـ "عربي21"، وجود تباين في الآراء حول حلول الأزمة السياسية بسبب الاختلاف في تشخيص الأزمة في حد ذاتها، فهناك من يرى أننا نعيش أوضاعا سياسية عادية تقتضي استمرارية في النظام السياسي عبر الدستور الذي قامت بتلغيمه عصبة الرئيس المستقيل، بينما هناك طرف آخر يرى أن الحراك الشعبي هو "ثورة سلمية" على النظام البوتفليقي، الذي قام بخوصصة مؤسسات الدولة والثروة لصالح رجال الأعمال الفاسدين الذين اغترفوا من المال العام .
ويوضح رؤيته هذه بأن ما نعيشه الآن هو مرحلة انتقالية لكن بأدوات منظومة الفساد البوتفليقية، ومن ثَمّ فإن المخرجات سواء تعلق الأمر بنتائج الانتخابات أو الجهاز التنفيذي، تخدم منظومة الفساد القديمة وتعيد إنتاج الطبقة السياسية المرتشية نفسها، التي لا أفكار ولا إيديولوجية لها سوى الولاء (أحزاب الموالاة الأفالان الأرندي تاج والجبهة الشعبية). وعليه، فإن الإصرار على الحل الدستوري سيجهض فرصة التحرر من منطق العصابة التي لديها قدرة على تغيير الجلد، لنلاحظ أن أنصار البوتفليقية تحولوا إلى مناصرة قائد أركان الجيش الوطني الشعبي، وهم من كانوا يخططون لكارثة الخامسة لولا أن أجهضتها هبة الحراك الشعبي في الـ22 شباط (فبراير) الماضي.
التنازلات المشتركة هي الحل
في المقابل، يرى الإعلامي عثماني لحياني أن المسافة لا تزال متباعدة بين تمسّك الجيش برئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح بمستند دستوري، وبين مطلب كتلة سياسية وشعبية واسعة بإزاحة رموز النظام السابق كافة بمستند ثوري وشعبي. نظريا، ليست هناك أية وسيلة ممكنة للتقارب والوصول إلى نقطة تفاهم وطني بشأن الخيار الممكن، غير سبيل واحد يفرض نفسه الآن في الجزائر، ويرتكز على مبدأين اثنين هما "الحوار المسؤول" و"التنازلات الممكنة".
ويقترح عثمان لحياني في رؤيته هذه لـ "عربي21" أنه في محطة حساسة كهذه التي توجد فيها الجزائر راهنا، ابتدع البولنديون "المائدة المستديرة"، للخروج من مرحلة الشارع والمرور إلى مرحلة الحل السياسي، واستحدث التونسيون "هيئة تحقيق أهداف الثورة" كمؤسسة حوار تمثيلية. أما في الجزائر، وقد أنجز الشارع استحقاقاته الثورية، فتتطلب المرحلة حلا إبداعيا يختصر زمن الأزمة ويضع البلد على سكة التحول.
ويضيف، "إن الشارع طرف مركزي في كل نقاش سياسي، لكن حيوية الشارع لا يجب أن تكون رادعا للمبادرة، بل محركا للقوى السياسية لجعل المرحلة الانتقالية تأسيسية، تتم فيها التوافقات الكبرى حول الأهداف الديمقراطية والقواعد الأساسية، وتنشأ فيها الأطر التمثيلية التي تساعد على الوصول إلى مؤسسات الانتقال الديمقراطي، المخوّلة لها إعادة صياغة مفهوم الدولة وكتابة النصوص المؤسسة ومراجعة العلاقات الوظيفية بين مؤسساتها. وعلى أن يرجأ في مراحل كهذه كل نقاش حول القضايا الجدلية إلى حين توفير إطار ديمقراطي، يتيح النقاش الهادئ ويوفر ظروف التفاهمات المجتمعية والسياسية، بشأن أي من القضايا والهواجس والمسارات المستقبلية".
من أجل جزائر الغد
في النهاية، مهما اختلفت المواقف، فإن أصلها هو اختلاف المنطلقات وزاوية الرؤية، ذلك أن الكل مثلا متفقون على اعتماد المادتين الـ 07 و08 من الدستور، التي تنص على أن الشعب هو مصدر كل السلطات، لكن عند التطبيق يرى البعض أن الصندوق هو الطريقة الوحيدة لتولي الشعب لتلك السلطة، من دون حساب مخاطر إمكانية تزوير تلك الإرادة في حال استمرت أدوات النظام القديمة في القيادة، بينما يرى البعض الآخر أن تسليم السلطة مباشرة لممثلي الشعب هي أفضل طريقة لذلك، من دون أخذ حدة التناقضات التي خلفها النظام السابق، وضعف النخب وعدم قبول الجماهير بتمثيليتها، وعدم القدرة على ضبط المرحلة الانتقالية من الناحية الزمنية.
ثم هل يدرك هؤلاء وأولئك، الدور الحقيقي الذي تؤديه القوى الخارجية، وبعض القوى الداخلية في تنشيط وإحياء الثورة المضادة؟ والأهم من كل هذا وذاك، هل ما قام به الشعب الجزائري ثورة كاملة الأركان فعلا، تستدعي تغييرا جذريا للنظام قد يصل درجة إسقاطه بالكامل واقتلاع جذوره، أم إن الأمر لا يتعلق إلا بحراك شعبي، بدأ من أجل التغيير وإسقاط عصابة بوتفليقة قبل أن يتطور إلى ما هو أبعد من ذلك؟
ربما الإجابة الصادقة عن هذه الأسئلة ستردم الهوة بين المتنافسين على رسم أجمل صورة لجزائر الغد.