هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
فجأة، وأنت تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ينفجر في وجهك إشعار يقول لك أن فلان بدأ بثا مباشرا، وتلك ميزة ليست بالجديدة تماما، فقد كانت في البداية متاحة للمشاهير من رواد الإعلام الشعبي، ثم أصبحت متاحة لكل من يرتاد منصات التواصل، بل تسابقت التطبيقات المختلفة الموجودة على الهاتف الذكي، في توفير هذه الخدمة وزيادة الوقت المتاح للبث، حتى غدا في بعض التطبيقات بلا سقف!
ثورة في التواصل الإعلامي
والحقيقة أن هذه الميزة تشكل ثورة في التواصل الإعلامي، فقد كان أحدنا في منتصف القرن الماضي ونهاياته يحتفظ بأي قصاصة ورق من أي صحيفة نشرت اسمه، أو اسم أحد أقاربه، حتى ولو كانت في صفحة الوفيات، أو في قائمة أسماء الناجحين في امتحان التوجيهي، وكان يحلم أن تتاح له فرصة الظهور على شاشة التلفزيون، على أي نحو من الأنحاء، حتى إذا تبدل الزمان، امتلك أصغر مواطن محطة التلفاز الخاصة به، ناهيك عن الإمكانات المفتوحة التي توفرها منصات الإعلام الشعبي له لكي ينشر فيها ما يشاء من آراء وصور وأخبار ومشاركات!
لم يعد الإعلام محتكرا لفئة أو جهة، بل أصبح مشاعا للجميع، وما كنت تنتظر نشره صباح الغد في الصحيفة الورقية، جال القارات كلها في لحظة، وهو ما أغرى حتى كبريات المؤسسات الإعلامية ورؤساء الدول وأصحاب الرأي والباحثين عن الإثارة، وعوام الناس أيضا، لتأسيس منابرهم الخاصة للتعبير والنشر الفوري، الأمر الذي دفع بعض الحكومات للبدء بسن قوانين في محاولة بائسة ويائسة للسيطرة على الفضاء اللانهائي، ومحاولة "ترشيده!" وتجريم مرتكبي الأثير، كي لا يفضحها، ويخرج عن هيمنتها، وأنى لها ذلك!
المهمة المستحيلة
الحل الأمثل لمواجهة هذا السيل العرم من الإعلام الشعبي لن يكون بتشريعات وقوانين تغلظ العقوبة على من يرتكبون "جرم!" الحرية، ببث مباشر أو غيره، فتلك غدت مهمة مستحيلة، وواهم من يظن أنه يستطيع قمعها أو إخافتها، الحل هنا هو أن تواجه الفعل بفعل من جنسه، ولن يكون الذباب الإلكتروني هو الخيار المفضل، فهو وإن قام بمهمة ما للتشويش على أصحاب الرأي، ونشر الأكاذيب والأراجيف، إلا أنه غير قادر على الإقناع، بل إنه يستدر الرغبة بضربه بالشباشب أعزكم الله، لفرط غبائه وفجاجة ما يطرح، وسخف "تسحيجه" المكشوف!
الحل هو في تغيير عقلية نظم الحكم المختلفة، واعتماد الشفافية مهما كانت مكلفة، في التعامل مع الأحداث، البث المباشر يواجه ببث مباشر لا بتغطية الرأس تحت اللحاف، وتجاهل ما يجري، الصحفي المواطن أو المواطن الصحفي، سواء كان ببثه المباشر أم بنشره الإدراجات والصور والأفلام، بدأ يسرق قلوب الناس، ويهيمن على عقولهم، لأن له جمهوره ومحبوه ومتابعوه، وهؤلاء انصرفوا منذ زمن بعيد عن تصديق الإعلام الرسمي، وشراء رواياته المقتضبة عن الأحداث!
موضة البث المباشر، لا يمكن مواجهتها إلا ببث مباشر مضاد، يقول ما لم يُقل، أيام كانت أبصار الجمهور تنشد وتشخص لما تجترحه شفاه "الناطق الرسمي" فقد انصرفت منذ زمن بعيد للناطق الشعبي!