هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع بدء الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، اكتفى الاحتلال الإسرائيلي بمراقبة ما يجري من تطورات في سوريا، مع تصاعد خشيته من تصدر المشهد "تيارات متشددة" بدلا عن نظام الأسد، أو ازدياد نفوذ إيران.
لكن دخول الأطراف السورية في صراع وحرب استنزاف
طويلة، أراح الاحتلال الإسرائيلي كثيرا، واستمر الحال على ما هو عليه إلى أيار/
مايو 2013، بعدما شنت مقاتلات إسرائيلية غارات على مركز البحوث العلمية جمرايا
بريف دمشق.
واعتبرت هذه الغارات في حينها الأولى منذ اندلاع
الثورة السورية، وتوالت الضربات فيما بعد لتستهدف أهدافا إيرانية عسكرية في مناطق
مختلفة من دمشق إلى حمص وحماة وحلب، وآخرها الضربات التي استهدفت الأسبوع الماضي
مواقع شمال شرق حلب، ويعتقد أنها مخازن لصواريخ إيرانية.
ومقابل هذه الضربات الإسرائيلية المستمرة التي
تعتبر تحركا معلنا في الملف السوري، تثار اتهامات عن تعامل أطراف سورية مع الاحتلال
الإسرائيلي في إطار تحركات غير معلنة، ويعد البحث في طبيعتها ومحاولة الوقوف عليها
أمرا في غاية الصعوبة نظرا لسريتها.
اتهامات للمعارضة
ومع خروج المظاهرات الأولى ضد نظام الأسد، اتهم
الأخير المتظاهرين بالتعامل مع إسرائيل، وبدأت وسائل إعلامه تروج زورا لرفع أعلام
إسرائيلية في المظاهرات.
وساعده على ذلك، زيارات قامت بها شخصيات عدة محسوبة
على المعارضة لإسرائيل، ومنهم المعارض السوري كمال اللبواني، والمعارض عبد الجليل
السعيد، والمعارض عصام زيتون، والصحفي الكردي سيروان كاجو، ولم يوقف تأكيد بعضهم
أن زياراتهم هذه كانت شخصية ودون تنسيق أو تكليف من المعارضة، سيل التهم من
النظام للمعارضة بالتعامل مع إسرائيل.
اقرأ أيضا: "عربي21" تكشف خفايا استعادة الاحتلال رفات جنديه من سوريا
وزادت التسريبات غير المؤكدة عن دعم إسرائيلي لبعض
فصائل الجيش الحر في الجنوب السوري من وتيرة الاتهامات للمعارضة، إلى حد اعتبار
هذه الاتهامات بأنها واحدة من الأساليب السياسية التي استخدمها الأسد لتشويه صورة
المعارضة، ضمن بروباغندا التخوين لكل من يخرج عن طاعته.
جاء ذلك، بحسب ما أكده الصحفي سالم ناصيف، مضيفا
لـ"عربي21" أنه "ليس لدى إسرائيل الرغبة بالانفتاح على المعارضة،
وهي حرصت على عدم الظهور كلاعب دولي فاعل في الملف السوري".
إعادة صياغة
وبحسب ناصيف، فإن هذه الاتهامات غير دقيقة، لأن
النظام السوري اليوم هو من يحاول إعادة صياغة علاقته مع إسرائيل، كما كانت عليه ما
قبل الثورة، مشككا في رغبة النظام السوري بافتعال توترات مع الجانب الإسرائيلي، في
إشارة إلى تصريحات وزير خارجية نظام الأسد وليد المعلم.
وكان وليد المعلم قد قال الخميس، خلال مؤتمر صحفي مع
نظيره الفنزويلي خورخي أرياسا في دمشق، إن "سوريا ستعمل على تحرير الجولان
المحتل بكل الوسائل وجميع الخيارات مطروحة".
وأضاف المعلم أن "حقنا في الجولان العربي
السوري حق ثابت، فالأرض مقدسة وسيتم تحرير كل شبر من الأراضي السورية
المحتلة"، لافتا إلى أن "الخيار العسكري ليس مستثنيا، وهو خيار موجود
ضمن الخيارات المطروحة".
اقرأ أيضا: هل تتحول المعارضة السورية إلى حزب سياسي أم تبقى مسلحة؟
من جانبه، دافع الباحث السياسي نصر فروان، من درعا،
عن المعارضة، معتبرا أن المعارضة لو كانت تنسق مع إسرائيل لما وصلت إلى ما وصلت
إليه، وذلك في إشارة منه إلى سيطرة النظام السوري على كامل الجنوب السوري.
وخلال حديثه لـ"عربي21" سخر فروان من هذا
التهم، معتبرا أن على النظام أن يخجل من نفسه، وهو الذي لا زال يتعاون مع إسرائيل،
وحادثة استعادة رفات الجندي الإسرائيلي الذي قتل في لبنان خير دليل على هذا
التعاون.
وفي السياق ذاته، وصف رد النظام السوري على خطوة
ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، بـ"الرد الهزيل،
وغير المتناسب مع خطورة الموقف".
وبالتركيز على تنسيق المعارضة مع إسرائيل، قال:
"ربما تواصل بعض قادة الفصائل مع إسرائيل، بسبب عدم تماسك المعارضة"،
مستدركا بالقول: "لكن للتاريخ، فإن من تواصل مع إسرائيل من قادة الفصائل، هم
الآن من حلفاء النظام، بعد المصالحات والتسوية التي جرت في صيف العام الماضي".
وأضاف أنه "دون شك، فإن لإسرائيل دور في ما جرى
في الجنوب السوري الذي يعتبر نقطة ارتكاز سوريا، نظرا لأهميته الجيوسياسية"،
معتقدا أن "إسرائيل لا تثق لا بالنظام ولا المعارضة، وتريد الجنوب المجاور
لها منطقة خالية من المظاهر المسلحة".
ولذلك، وبحسب الباحث، فإن تركيز إسرائيل الآن منصب
على إخراج المليشيات الإيرانية من الجنوب السوري، بالتنسيق مع روسيا، مشيرا إلى أن
"إسرائيل تفضل انتشار القوات الروسية في هذه المنطقة".
تعاون غير مباشر
ومتفقا مع فروان، اعتبر الناشط الإعلامي أحمد البرم،
في حديث لـ"عربي21" أنه "لا يمكن إنكار وجود تعاون غير مباشر بين
بعض فصائل المعارضة المسلحة وإسرائيل".
وأضاف: "لكن الأمر لم يكن من بدايات الثورة،
إنما أتى لاحقا وتحديدا بعد العام 20.14، واقتصر على معالجة إسرائيل لبعض جرحى القصف والمعارك، من المدنيين والعسكريين
في بعض الحالات".
ووفق البرم، فإن الغالبية العظمى من فصائل المعارضة
رفضت التعامل مع إسرائيل، ورفضت إدخال الجرحى للعلاج في الأراضي المحتلة.
وعن المحددات الإسرائيلية للتحركات في سوريا، قال
الناشط إن "المخاوف الإسرائيلية اليوم يحركها القلق من تمدد المليشيات
المدعومة من إيران، التي انتشرت على مساحات واسعة في محافظة القنيطرة بالقرب من
الحدود مع الجولان المحتل".
وأضاف البرم أن "هذا الانتشار اليوم لم يعد
يقتصر على انتشار عسكري وتجنيد أبناء المنطقة في صفوف تلك المليشيات، بل ذهب أبعد
من ذلك ضمن مشروع هيمنة إيراني يحاول السيطرة على مختلف المجالات في المنطقة، عبر
نشر التشيع ومحاولة تغيير ديموغرافية المنطقة، لتكون الجهة المقابلة للجولان
المحتل، ذات طابع طائفي موال لإيران وراض عن سياساتها ومشاريعها".
اقرأ أيضا: "عربي21" تستعرض أبرز أنشطة "التشيع" الإيرانية بسوريا
وانتقالا من الجنوب السوري إلى شمال شرق البلاد، حيث
أعاد ظهور مراسل إسرائيلي، في مدينة القامشلي بريف محافظة الحسكة السورية، الخاضعة
لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ذات الغالبية الكردية، طرح
التساؤلات حول طبيعة العلاقة التي تربط إسرائيل بالقوات الكردية.
وكان مراسل القناة 11 الإسرائيلية، موآف فرداي، قد
أعد في الأسبوع الماضي سلسلة تقارير مطولة من داخل مناطق سيطرة "قسد"،
التقى خلالها بقيادات الأخيرة، وعلى رأسهم القائد العام مظلوم كوباني.
ويتضح من خلال متابعة "عربي21" لهذه
التقارير، تركيز المراسل على فكرة أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سحب
قواته من سوريا، يشكل تهديدا للحلم الكردي بتشكيل دولة كردية مستقلة.
وليس خافيا أن إسرائيل كانت الوحيدة التي جاهرت
بدعمها إقامة دولة كردية مستقلة، وذلك حين عبر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في
أيلول/ سبتمبر 2017، عن تأييده إقامة دولة مستقلة للأكراد، وذلك قبيل الاستفتاء
على تحديد مستقبل إقليم شمال العراق (إقليم كردستان).
استجداء إسرائيل
وفي تعليقه على ذلك، انتقد الباحث علي سينو، نهج
"الغاية تبرر الوسيلة" الذي يتبعه حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD"، قائلا: لا يدرك هذا الحزب أنه لا صداقة دائمة
ولا عداء أبديا في السياسيات الدولية.
وأضاف سينو لـ"عربي21" أن "الحزب أراد بجلب هذا المراسل استجداء
إسرائيل، وهذا الظهور يشير إلى تحقيق خطوات جيدة في التقارب بين الطرفين، والهدف
من وراء ذلك كما هو معروف الضغط على تركيا من قبل إسرائيل، وكذلك إيجاد الحجة
لبقاء حزب العمال الكردستاني، الذي لا يستطيع تبرير وجوده دون عدو افتراضي، فهو
حزب عسكري قمعي ليس له قاعدة شعبية تحتضنه، وإنما يعتمد على افتعال الأزمات لتبرير
بقائه بحجة الدفاع عن الكرد المظلومين".
ورأى سينو أن "إسرائيل لن تقبل بحزب الاتحاد
الديمقراطي ولا بقاعدته العمال الكردستاني حليفا، وإنما أداة لتحقيق مصالح آنية،
كما فعلت من قبل روسيا وإيران وأمريكا" وعلق بقوله: " بينما لا زال
الشعب الكردي المسكين يدفع فاتورة بقاء هذا السرطان من دماء أبنائه تحت تهديد
السلاح تارة، وتارة تحت تأثير الشعارات القومية الرنانة ظاهرا والجوفاء مضمونا"،
على حد قوله.