المشهد العام للحالة
المصرية والدفع الغربي من قبل الدول الإقليمية والغربية في محاولة تثبيت النظام المصري، رغم المجازر والإعدامات التي تتصدر أخبارها صحف العالم، وتشكل إحراجا لدول من المفترض أنها تحمي الحقوق والحريات وتدعو إلى العدال، وصولا لمجتمع السلم المنشود، وهو ما يدفع إلى وجوب التحرك الشعبي لإسقاط هذا النظام الذي بات يهدر سيادة هذا الوطن من أجل الحصول على شرعيته. ولما كانت إرادة الشعوب فوق كل مخططات، فإن القيادة الثورية الواعية المستندة إلى العلم والعمل والتخطيط المستنير يمكن أن تغيير الحال رغم أنف الدول ومخابراتها.
لم تكن المقالات السابقة إلا محاولة لخلق حالة توعوية لتشكيل شخصية القيادة الثورية المنتظرة. والقيادة الثورية هنا لا أعني بها شخص يقود المشهد، بل يمكن أن تكون عدة شخصيات تعمل في محيط صغير؛ تكون موجات تتلاقى لتصل إلى حالة تسونامي تضرب أركان النظام بشكل متتابع وهادر وصولا إلى اجتثاثه. فالتسونامي ينشأ مع وجود عوامل حرارة باطنية كامنة داخل الأرض، يصاحبها تقلصات في القشرة الأرضية، فتتسارع الأمواج وصولا إلى الانتشار الذي يتجاوز مساحة المحيط بأكمله خلال يوم واحد.
ويبدو أن الحالة المصرية مهيأة لذلك، لكن كل ما هنالك أن توجد الخطة، فالفرصة وحدها لا تكفي لتحقيق النجاح، والنجاح يحتاج إلى جانب الفرصة والبيئة المناسبة استعدادا وخطة. وحتى يتم ذلك، فعلى القيادة الثورية أن تكون واعية بطبيعة المعركة التي تخوضها تهيئة وتنفيذا على الأرض، تهيئة باختيار شريحة البدء، وتنفيذا باختيار الأدوات اللازمة لكل مرحلة من مرحلة الصراع من أجل التغيير. فلا يمكن التغيير بوسيلة واحدة ولا خطة واحدة، وعلى القيادة وضع سيناريوهات وخطط بديلة لمواجهة تحديات المعركة من جهة وتكتيكات النظام من جهة أخرى، مع الوضع في الاعتبار دائما عنصر الجماهير غير المؤدلجة والتي تركن دوما إلى الاستقرار، وتتحول في لحظة ما تحت الضغط الإعلامي إلى خصم، يجب كسبه أو على أقل تقدير تحييده، وفي هذا المجال يجب استلهام الدروس و العبر من التجربة السابقة للثورة المصرية أو من غيرها من الثورات والتعلم من أخطائها، وهو ما دفعنا للحديث في المقال السابق، وإن كانت المساحة لم تسمح لعرض المزيد، عن التجارب الثورية في العالم.
كما أن على القيادة الثورية أن تكرر على شريحة البدء دوما، وصولا إلى العقيدة الراسخة بحتمية الثبات على الموقف مهما كانت الإحباطات، التي من المتوقع أن تحدث نتيجة الخذلان في بعض الأحيان، أو نتيجة الإخفاقات المرحلية التي قد تحدث كجهد بشري له مساحة خطأ يمكن تصحيحها أثناء العمل، كما يجب أن تؤمن القيادة ومشاركيها من شريحة البدء بالاستعداد لدفع الثمن، وهو ما يتطلب فهم طبيعة هذا الثمن والتهوين من آثاره، فغالبا ما يُحجم العامة عن الانخراط في صفوف التغيير خشية من عواقب لا يدركون مداها، ولتعلم شريحة التغيير أن عبر بوابة السجون يتحرر الإنسان من صكوك عبودية الغرائز وسطوة الحاجات وأغلال الرغبة في المناصب، فمن ينفذ أوامر النظام في غياهب العبودية والأحرار في السجون ينعمون بحريتهم.
مع ذلك، فعلى القيادة الثورية العمل على الحفاظ على الثوار الموجودون على الأرض وعدم الزج بهم في معارك فاشلة، وهو ما يتطلب التخطيط المدروس لكل خطوة تقوم بها القيادة وإشراك القواعد في صناعة القرار؛ لإشعارهم أن الخطوة التي سيقدمون عليها هي وليدة إرادتهم ولم تفرض عليهم. وفي سبيل ذلك يجب على القيادة الثورية العمل على تطوير قدرات الثوار وتوسيع الفرص وسد الثغرات التي أوتيت الثورة منها، والتأكيد على أن التغيير سنة ربانية توهب لمن اجتهد لها وأخذ بالأسباب، وهو ما يلزم معه إعطاء القيادة الفرصة لأصحاب الهمم والعزائم للعمل، وعدم حجر الرأي، وتوسيع دائرة العمل ومرونة الأداء بتمرير القرارات بشكل سلس من دون مركزية أو جمود.
لكن أولوية العمل تقتضي على القيادة الثورية العمل على المصالحة المجتمعية، وتقبل الآخر، والالتقاء على نقاط التوافق، وتنحية الخلافات بكل أشكالها، سواء كانت أيديولوجية أو تنظيمية، والالتقاء على هدف واحد هو تخليص الوطن من الطغمة التي تسيطر على مقدراته. فالنظام يقتات على اختلافنا ويعيش على صراعاتنا، بل يخصم من رصيدنا كل يوم أمام الشعب بإلقاء الضوء يوميا على هذه الخلافات والاختلافات، وصولا إلى إشاعة حالة الإحباط لدى الجماهير وبين صفوف الثوار.
على القيادة الثورية أن تعمل سريعا على إنشاء شريحة البدء مستفيدة من المناخ المحيط بإيجابياته وسلبياته، ولا تلتفت لحالة
القمع الذي يصدره النظام، ولا تخشى رغبة الكثير في الاستقرار، فالقمع قد يصنع استقرارا مزيفا لكنه لن يثبت حكما.