تباينت الآراء الحقوقية وتعددت القراءات حول
مغزى تعامل مؤسسات
النظام السوري مع حالات
المفقودين مؤخرا، حيث بدأ باعتبار أن كل
مفقود سوري مضى على غيابه أربع سنوات ويوم واحد، متوفيا بشكل رسمي.
وأوضحت صحيفة "الوطن" الموالية لنظام
الأسد، أن "عدلية دمشق" التي تستقبل يوميا العشرات من طلبات توفية
لمفقودين وغائبين من ذويهم تعتبر أن كل من مضى أربع سنوات على فقدانه، من دون أن
يُعلم عن وضعه شيئا في الحالات الحربية، يعتبر متوفيا بشكل رسمي.
طي ملف المعتقلين
وفي هذا الصدد، أوضح القاضي المنشق عن النظام
والخبير بالدستور، خالد شهاب الدين، أن الهدف من تفعيل النظام للمادة 205 من قانون
الأحوال الشخصية الذي يتعامل مع المفقودين في حالة الحرب، هو طي ملف المعتقلين
السوريين.
وقال لـ"
عربي21" إن النظام يريد
تحويل المعتقلين قسريا إلى متوفين من خلال تثبيت وفاتهم عبر أحكام المحاكم، استكمالا
لقوائم الموت التي أرسلها النظام لكل المحافظات السورية.
وأشار شهاب الدين إلى تزامن ذلك مع مطالبة
الأمم المتحدة أواخر الشهر الماضي للنظام بالكشف عن مصير المحتجزين والمفقودين في
جميع أنحاء البلاد، وعن أماكن وجودهم، بحسب بيان صادر عن لجنة الأمم المتحدة
للتحقيق بشأن
سوريا.
ورأى القاضي أن الخطة هي للتغطية على كل هذه
الجرائم، مشككا بالجهة التي توثق هذه الحالات، على اعتبار أن النظام هو الخصم
والحكم في آن واحد.
وبيّن شهاب
الدين أن القانون السوري ينص على أن كل شخص ثبت على فقدانه مدة أربع سنوات وغلب
على الحالة أنها تميل إلى الهلاك، يجوز تثبيت وفاته، متسائلا عن السبب الذي منع
النظام من تفعيل هذه المادة مع المفقودين السوريين في فترة الثمانينيات
"أحداث حماة".
وتساءل أيضا،
"لماذا لم يكشف عن مصير هؤلاء وهم بالآلاف، ولماذا لم يتم تثبيت
وفاتهم"؟، واستدرك بالقول "الأمر واضح وخطير، النظام يريد التخلص من ملف
المعتقلين نهائيا، في ظل سلطة غير شرعية.
وفي قراء مختلفة، ذهب المحامي والكاتب الصحفي
عروة سوسي، إلى اعتبار أن النظام بتفعيله هذه المادة، يهدف إلى إرضاء الحاضنة
الشعبية الموالية له.
إرضاء الحاضنة الموالية
وأشار سوسي في حديثه
لـ"
عربي21" إلى الضغوط التي يتعرض لها النظام من الحاضنة الشعبية
الموالية له، والمطالبات بالكشف عن مصير أبنائهم الذين قتلوا في أثناء المعارك،
وتلقيهم تعويضات مالية، واعتبارهم من الشهداء.
ووصف المحامي، عدد المفقودين ممن كان يقاتل إلى
جانب النظام بالعدد الضخم والكبير، وقال: "يبدو أن النظام اضطر للاعتراف
بوفاتهم، للشروع بتعويض عائلاتهم، بعد أن كان متهربا من تطبيق ذلك".
وعن ملف المعتقلين من جانب المعارضة، قال سوسي،
"النظام بدأ بإرسال قوائم بأسماء الموتى، وهو غير مهتم أصلا لهذا الملف، بسبب
غياب المحاسبة، وتراخي جميع الأطراف الدولية في محاسبته".
إجراء قانوني
أما رئيس "تجمع المحامين السوريين
الأحرار" غزوان قرنفل، فأوضح أن القانون السوري أجاز تسجيل المفقودين في زمن
الحرب على أنهم متوفين، طالما تم تصنيفهم على أنهم من المفقودين وليسوا من
الغائبين.
وبيّن لـ"
عربي21" أن "المفقود غير معلوم حياته من
مماته، بينما الغائب معلوم حياته لكن غير معلوم مكان تواجده، والقانون السوري
تعامل مع هذه الحالة بشكل مفصل".
وعن دلالات ذلك، استبعد قرنفل أن يكون وراء هذا
الإجراء استثمار للنظام، وقال "هو إجراء قانوني، لتسيير أمور الأهالي الذين
فقدوا فردا من أفراد أسرهم".