في هذا المقال لن أتحدث عن قضية الصحفي السعودي المختفي التي تثير الرأي العام العالمي الآن، فالكل يدلي بدلوه فيها رغم عدم ظهور ثوابت يمكن البناء عليها حتى الآن، ولن أتحدث عن لعبة الشطرنج كما يتبادر للذهن لأول وهلة من عنوان المقال، ذلك أنه من غير المتصور أن يقوم أحد في الحقيقة بالقيام بأعمال من شأنها أن تهزم جيشه، لكن المقال في الواقع يتحدث عن تلك المأساة غير المتصورة.
في تشكيلات الجيوش النظامية الحديثة توجد إدارة مهمة استحدثتها العلوم العسكرية الحديثة، وإن كانت مهام تلك الإدارة عرفها الإنسان منذ أن عرف القتال والوغى، هذه الإدارة هي؛ إدارة
الشؤون المعنوية. قد تعرف بأسماء مختلفة داخل الجيوش على اختلاف بلدانها، إلا أن مهامها في الغالب واحدة، وهي مصدر النشرات والمجلات العسكرية التي توزع على العسكريين، وتعتبر الواجهة الإعلامية للجيوش، والمنوط بها إصدار أخبار ذلك الجيش وتعد مرجع الأخبار للصحفيين؛ لأنها المصدر الرسمي لأخبار الجيش، إلا أن الدور الأهم لتلك الإدارة هو التأمين النفسي لأفراد
القوات المسلحة، وحماية قواتها من أي انحراف نفسي يؤثر على روحها المعنوية في زمني الحرب والسلم، وتقوم في سبيل ذلك بالخطوات العملية للوصول لذلك الهدف، عبر إجراء دراسات تساعد القيادة العامة للقوات على تحديد المؤثرات السلبية والإيجابية قبل أو بعد اتخاذ أي قرار.
في الندوة التثقيفية الـ29 للقوت المسلحة
المصرية، التي أتت بالتزامن مع الذكرى الـ45 لانتصار أكتوبر 1973، والتي عقدت يوم 11 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، قال رأس النظام المصري إن ما قام به الجيش المصري في حرب أكتوبر هو عملية انتحارية بكافة المعاني. وقد يظن السامع أن الرجل أراد إضفاء مزيد من الأهمية لذلك الانتصار العظيم، إلا أن حديث الرجل يوضح مقصده من هذا الحديث، حيث قال إن إمكانيات الدولة وقدرات الجيش لا تمكنه من استمرار العمليات القتالية، لضعف التسليح والتدريب والقدرات أمام قدرات جيش الاحتلال الذي كان يواجه. وظل الرجل يدق على نغمة هزيمة 1967 بشكل عجيب ليؤكد مفهوما محددا أراد توصيله للقيادة الوسطى والصغرى الحاضرة في الندوة التثقيفية. ولإضفاء شكل الواقعية والمعقولية على حديثه أردف قائلا، (إنني أقول ذلك وأنا "رئيس الجمهورية")، لكي أؤكد أن هذا الكلام لم يستطع أحد أن يقوله بشكل عملي وعلمي خلال كل هذه السنين".
هذا المنهج الذي ينتهجه الرجل منذ أن وصل إلى سدة السلطة بانقلابه على إرادة الشعب، تكرر مع كل فئات المجتمع من شباب ومهنيين واقتصاديين وعموم الشعب، فالمتابع يمكن أن يلمح كلمات مثل: "مصر شبه دولة"، و"إحنا فقرا قوي"، و"عايز أنشلكم من العوز"...، وغيرها من الكلمات المحبطة ذات الأثر السلبي على مجتمع حلم بدور ريادي في المحيط الإقليمي والدولي بعد ثورة شهد لها العالم.
لكن أن يطال هذا المنهج القوات المسلحة، فإن في ذلك أمر يجب الوقوف عنده.
ولطالما كان حديث رأس النظام عن القوات المسلحة إيجابيا، معتمدا عليها في تثبيت دعائم حكمه المرتعش بعد الجرائم التي ارتكبها ليصل له، وطريق الدم الذي مشى فيه، وظن أن رصيد القوات المسلحة لدى الشعب يمكن أن تغسل آثار هذه الدماء وتمحو هذه الجرائم، مستندا في ذلك إلى تاريخ هذه القوات في ضمير المجتمع المصري. لكن الرجل - فيما يبدو - بدأ ينتهج نهجا جديدا حيال القوات المسلحة التي كانت قبل أيام سنده، بعد أن ظن أنه ثبت أركانه، لا سيما بعد أن استطاع التخلص من شركاء تلك الجرائم بالإقصاء والإسكات. فلقد بدأ الرجل يسلك طريق الإحباط والتيئيس نفسه الذي وضع الشعب بكل فئاته على أوله.
بعد انتهاء الحرب الكورية - الأمريكية، قام الجنرال وليام ماير، المحلل النفسي في الجيش الأمريكي، بدراسة واحدة من أعقد قضايا تاريخ الحروب في العالم، حيث زادت حالات الوفيات بين الأسرى الأمريكيين في معسكر الأسر في كوريا دون وجود سبب ظاهر، رغم وجود كل الرفاهيات التي لم يحصلها أي أسير في دولة أخرى، لكن نتيجة بحث ماير أن تحطيم الحالة المعنوية للأسرى وفقدانهم الأمل في العودة كانت السبب الوحيد في وفاتهم.
ماذا يريد رأس النظام من تحطيم معنويات جيشنا الوطني، لا سيما في مقارنته الجيش المصري مع جيش الاحتلال الصهيوني والحط من شأن الجيش المصري مقابل جيش الاحتلال؟
ولصالح من تأتي هزيمة الجيش؟ وهل بات الجيش ورقة محروقة أو منديل ورق تم استخدامه من قبل رأس النظام ويريد الآن التخلص منه، كما فعل مع من دعمه من السياسيين ورجال الأعمال والفنانين والإعلاميين، وأخيرا مع شركائه من قيادات الجيش؟