هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "إنترسيبت" تقريرا للصحافية سارة عزيزة، تحت عنوان "قمع المملكة: السعوديون الذين كانوا في مقدمة المطالبين بحق المرأة في قيادة السيارة يختفون أو يهربون للمنفى".
وتتذكر عزيزة مقابلتها مع الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي يعتقد أنه قتل في مبنى القنصلية السعودية في اسطنبول، وكيف عبر لها عن مخاوفه من الرقابة وغياب مساحة التعبير، بعد صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة منذ عام 2015.
وتقول الكاتبة في تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، إن مناخ الخوف المتزايد دفع الكثيرين للخروج من البلاد، ومنهم الصحافي المعروف خاشقجي، الذي قال إن مقالاته التي نشرها دعما للربيع العربي بدأت تتعرض للرقابة، وقال خاشقجي (59 عاما) ابن مدينة جدة، في لقاء سابق: "كانت الحكومة واضحة في أنها ليست راضية عنها".
وتقول عزيزة إنها التقت مع خاشقجي عدة مرات في عام 2018، قال في أحد هذه اللقاءات: "كان هناك اتفاق شرفي بين الدولة والإعلام، ننشر أشياء معينة ونحجب أخرى، وسارت الأمور بطريقة سلسة.. بعد ذلك بدأنا نلاحظ ضغطا مباشرا على الصحافيين، ونشر المقالات المؤيدة للحكومة فقط، وطلب من البعض توقيع تعهدات ولاء، ومنع آخرون من الكتابة، أو ألغيت أعمدتهم، وأصبح الوضع سيئا بالنسبة للناشطين أو الأشخاص الناقدين، وأرسلت الحكومة رسائل تفيد بأنك إن لم تكن معنا فأنت ضدنا".
ويشير التقرير إلى أنه لذلك غادر خاشقجي السعودية إلى الولايات المتحدة عام 2017، لافتا إلى أن الناشطين لم يهربوا من ملاحقة بلادهم في منافيهم، حيث ذكر عدد منهم تلقيهم مكالمات من سفارات بلادهم في أوروبا وأمريكا تدعوهم الحضور إلى مقر السفارة لأمر لم تكشف عنه، وقال ناشط تلقى عددا من المكالمات: "لن أذهب أبدا.. لا يعرف أحد ماذا سيحدث؟ وأخشى من ترحيلي؟".
ويلفت الموقع إلى أن ثلاثة أمراء ناقدين كانوا يعيشون في أوروبا اختفوا منذ عام 2015، مشيرا إلى أن هذه المخاوف كانت تدور في ذهن خاشقجي عندما دخل القنصلية السعودية في اسطنبول يوم 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وكان يريد الحصول على أوراق خاصة بوضعه الشخصي حتى يتزوج من خطيبته التركية، ولم يظهر منها، رغم مزاعم السعودية أن خرج مها، لكن الكاميرات التي فحصتها الشرطة التركية لا تظهر أنه خرج، فيما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن سيارات دبلوماسية دخلت وخرجت من القنصلية في اليوم الذي دخل فيه إليها.
وينوه التقرير إلى لجين الهذلول، التي سجنت في السابق 73 يوما؛ بسبب قيادتها سيارتها مع زميلتها ميساء العامودي، التي تعيش في المنفى، من الإمارات إلى السعودية، عشية صدور المرسوم الملكي الذي رفع فيه الحظر عن قيادة السيارة للمرأة في أيلول/ سبتمبر 2017، مشيرا إلى أن تعليمات من الديوان الملكي جاءتها، تطلب منها الصمت، وعدم إطلاق تصريحات عن المرسوم الملكي حتى لو كانت التعليقات مادحة للخطوة، وحذرتها المكالمة حتى من الثناء على القرار.
وتقول عزيزة إن الهذلول، التي تعد من الناشطات المعروفات، وتحظى بمتابعة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وجدت صعوبة في الالتزام بالأمر، خاصة أن القرار يعني حرية المرأة بقيادة السيارة ويعطيها فرص عمل ومتعة في التحرك دون قيود.
ويشير الموقع إلى أن الهذلول لم تكن الوحيدة التي كانت موضوعا لتكميم الأفواه، فقد اتصلت الحكومة مع ناشطات آخريات في الأيام التي سبقت الإعلان، بينهن اثنتان كانتا في الخارج، حيث أمرتا بالتزام الصمت، وقالت ناشطة في مجال حقوق الإنسان: "كان الانطباع أنهم لا يريدون من الناشطات نسبة القرار لأنفسهن، وأنه مجرد قرار من الأعلى للأسفل قام به الملك، وليس مكافأة على نشاطهن"، والتزمت معظم الناشطات بهذا الأمر، مع أن الهذلول قامرت وكتبت تغريدة قالت فيها: "الحمد لله" بعد الإعلان مباشرة، لكنها تلقت مكالمة من الحكومة تعنفها وتطلب منها السكوت.
ويلفت التقرير إلى المرحلة الجديدة التي تم فيها التبشير بالإصلاح، ورافقها فرض الرقابة على المدنيين وإسكاتهم من القطاعات الدينية والسياسية كافة، واعتقال الدعاة المعروفين والصحافيين المعتدلين، وممارسة ضغوط على الإعلام لنشر تقارير مؤيدة للحكومة.
وتنقل الكاتبة عن الباحثة في الشؤون السعودية في منظمة "هيومان رايتس ووتش" هبة زيادين، قولها: "كانت الدولة واضحة بأنها هي من ستقوم بالإصلاحات، من الأعلى للأسفل، وبناء على شروط الحكومة"، مستدركة بأنه رغم القمع فإن الناشطات كن يأملن في العمل من داخل النظام، إلا أن الدولة لم تمنحهن هذه الفرصة، ففي أيار/ مايو 2018، وقبل أسابيع من رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، بدأت الحكومة حملة اعتقالات لناشطات معروفات.
ويذكر الموقع أن الهذلول كانت من ضمن الموجة الأولى إلى جانب إيمان النفجان وعزيزة اليوسف، مشيرا إلى أن صورهن ظهرت على صفحات الصحف المحلية ومواقع الإنترنت، مرفقة باتهامات الخيانة والتعاون مع الحكومات الأجنبية، وانتشر هاشتاغ عميلات السفارات بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وتكهنات بشأن الهذلول التي اتهمت بأنها"جاسوسة" قطرية كانت تعمل على الإضرار بالمصالح السعودية.
وتعلق عزيزة قائلة إن الاعتقالات هي أول مثال على توسع أساليب السعودية، واستخدامها قوانين مكافحة الإرهاب لإسكات المعارضة، حيث تقول زيادين: "شهدت الأعوام القليلة الماضية ميلا متزايدا للتعويل على الخطاب الوطني واتهامات الإرهاب لسحق أي شخص قد ينتقد الحكومة".
ويجد التقرير أن اتهامات كهذه تسمح للنظام باعتقال الأشخاص لفترات طويلة دون محاكمة، وتقديمهم للمحاكم التي يطلق عليها "المحكمة الجزائية المتخصصة"، حيث يحكم عليهم في قضايا لا علاقة لها بالعنف.
ويذكر الموقع أن المرأة في المملكة فرحت برفع الحظر بحلول حزيران/ يونيو 2018، أما الهذلول وزميلاتها فمن غير المعلوم مصيرهن وأين يعتقلن، مشيرا إلى أنه بعد أيام من احتفال المرأة برفع هذا الحظر، اعتقلت أستاذة دراسات المرأة والداعية للإصلاح هاتون الفاسي، وبعد شهرين اعتقلت كل من سمر بدوي ونسيمة السادة، رغم توقفهما عن النشاط، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وينوه التقرير إلى أن الناشطات التزمن في الوقت ذاته بالصمت، فيما بدأن مع ناشطين محافظين وليبراليين وأكاديميين ورجال أعمال بمغادرة البلاد بهدوء، لافتا إلى قول ناشطة في مجال حقوق الإنسان غادرت البلاد: "هناك شعور بأنه لو لم تكن ناشطا فمجرد تعبيرك عن الرأي هو خطر".
وتقدم الصحافية سردا لحركة الاحتجاج المدنية، التي برزت في السبعينيات من القرن الماضي على شكل "الصالونات" التي شارك فيها مفكرون وناشطون وناشطات لنقاش قضايا تتعلق بالوضع السياسي، وفي عام 1990 شاركت 47 ناشطة في قيادة سياراتهن في شواع الرياض، فيما ظهرت في الفترة الماضية مجموعات صغيرة، مثل "إصلاحيو جدة"، والجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية، واتحاد حقوق الإنسان، ومركز عدالة لحقوق الإنسان.
ويبين الموقع أن المشاركين في هذه النشاطات دفعوا ثمنا باهظا، فاللاتي شاركن في تظاهرة 1990، وعرفن بـ"السائقات" اعتقلن ووصمن بالعار، وعانين من نكسات في مسارهن العملي، فيما واجهت ناشطات أخريات التحرش والسجن والتعذيب الجسدي، بالإضافة إلى أنه تم حظر نشاطات جماعات، مثل الجمعية السعودية للحقوق السياسية والمدنية.
وبحسب التقرير، فإن الانتفاضات المتكررة التي قامت بها الأقلية الشيعية شهدت مواجهات عنف مع قوات الأمن السعودية، مشيرا إلى أن ما زاد في قسوة الدولة هو الطريقة التعسفية التي فرضت فيها الأحكام.
وتنقل عزيزة عن صحافي سعودي، قوله: "حتى وقت قريب لم تكن هناك قواعد واضحة حول الجريمة والعقاب.. كان مرعبا اعتقالك لأسباب سياسية، وكان هناك شعور بأن كل شيء ممكن".
ويستدرك الموقع بأنه رغم إصرار الدولة الدائم على قمع الاحتجاجات السياسية، إلا أنها أًصبحت أكثر قسوة في السنوات الماضية، فوافقت الحكومة السعودية في عام 2008، وبضغوط من الحكومة الأمريكية لمواجهة خطر التطرف، على إنشاء "المحكمة الجزائية المتخصصة"، ومهمتها النظر في القضايا الإرهابية.
ويفيد التقرير بأن وليد أبو الخير حوكم بموجب قانون العقوبات الخاص بجرائم الإرهاب وتمويله؛ بسبب التحدث عن حقوق الإنسان، وتوقيع عريضة تنتقد الحكومة، وصدر بحقه حكما بالسجن 15 عاما، بالإضافة إلى حظر على السفر بعد الإفراج عنه، مشيرا إلى أنه منذ سريان مفعول قانون 2014، فإن الحكومة وسعت من مهمة مكافحة الإرهاب، وعدلته في 2017، حيث نقلت معظم سلطات المحكمة الجزائية المتخصصة من وزارة الداخلية إلى الملك مباشرة.
وتذهب الكاتبة إلى أنه نتيجة للمخاوف فإن معظم النشاط انتقل إلى وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن موجات القمع جعلت الكثيرات يشعرن أن المطالبة بالتغيير من خلال خطاب معتدل ووطني وإصلاحي لا يعطي الأمان، وقالت ناشطة: "فكرنا أننا سنبدو حلفاء لهم وندعمهم ونحصل على القبول في المقابل.. إلا أن كل شيء تغير مع صعود محمد بن سلمان"، ففي بعض الأحيان استهدفت الحكومة عائلات الناشطين.
ويقول الموقع إن السعودية تعيش اليوم لحظة مليئة بالحيرة والإثارة، حيث تروج الحكومة في دعايتها للكرامة الوطنية والنهضة القادمة، التي تجسدها رؤية 2030، ويقدم محمد بن سلمان نفسه على أنه الرجل الذي يقف وراء هذه التغيرات كلها، من خلال رؤيته التي قدمها عام 2016، لافتا إلى أن من أهم بنود رؤية 2030 إعادة تغيير صورة السعودية في الخارج.
ويشير التقرير إلى أن ابن سلمان حاول في سلسلة من اللقاءات مع الإعلام الغربي، العام الماضي، التركيز على نشر "الإسلام المعتدل"، وقال: "لن نضيع 30 عاما أخرى من حياتنا لمواجهة التفكير المتطرف، بل سنقضي عليهم مرة واحدة وللأبد"، ولهذا حد من سلطة الشرطة الدينية، وقام بحملة اعتقال دعاة معروفين، منوها إلى أن الكثير من المعلقين الغربيين صفقوا له، مثل توماس فريدمان، من "نيويورك تايمز"، الذي وصف ابن سلمان بأنه يجسد "ربيعا سعوديا"، بالإضافة إلى الكثير من السعوديين الذين رحبوا بخطواته، خاصة الشباب، فنسبة 70% من السكان هم تحت سن الثلاثين عاما.
وتقول عزيزة إن عددا ممن قابلتهم دافعوا عن اعتقالات ابن سلمان كون ذلك ضرورة للتغيير، وقال أحدهم قابلته في جدة، إن هذه تغيرات تجري من الأعلى للأسفل، ولو انتظر المجتمع حتى يكون مستعدا للتغيير لما حدث ذلك التغيير، وبالضرورة لو سمح ابن سلمان للمرأة بقيادة السيارة قبل اعتقاله رجال الدين، لتحول "تويتر" إلى حالة فوضى.
ويعلق الموقع قائلا إن الكثير من السعوديين يتمتعون بحرية اجتماعية، بمن فيهم النساء، وأنهم لا يعرفون بالاعتقالات، كما يقول صحافي سعودي، ولو عرفوا فإن المعتقلين يتم إظهارهم بالخونة، بالإضافة إلى حضور الدولة في حياة الناس تثبط الكثيرين من التعبير عن مواقفهم السياسية.
وبحسب التقرير، فإن "عددا من المنفيين والناشطين والأكاديميين يحاولون القيام بحملة علاقات مضادة لحملة علاقات ابن سلمان، والتركيز على انتهاكات حقوق الإنسان، مع أن وجود هذه الكفاءات في الخارج يعد خسارة للمملكة التي تريد التغيير وهي بحاجة إليهم في عملية الانتقال، ورغم نجاح هذه الجهود، إلا أن الحكومة لم تعتذر عن مواقفها، بل ردت بشدة، كما في حالة كندا، التي طالبت بالإفراج عن الناشطات".
ويختم "إنترسيبت" تقريره بالإشارة إلى قول الباحثة في جامعة هارفارد هالة الدوسري: "طالما ظل ابن سلمان يحظى بدعم القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات، فلا أعتقد أنه سيتغير".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا