ندبت وسائل إعلام عربية، وجماهير من المعجبين بالجمال والرشاقة وفن الإغراء "الراقي"، فصلَ المذيعة الحسناء الشابة كندة ديوب من على رأس عملها وظهره، بسبب رقصة "واجبة الوجوب"، استجابت فيها لنداء الألحان الراقصة في معرض دمشق الدولي، وبثّتها على صفحتها. النظام ظالم وقاس، على خصومه وعلى مواليه. تحسّر الموالون على دماء شهدائهم التي ذهبت هدراً، ولم تفلح في إباحة رقصة العلمانية. ضاق النظام العلماني برقصة بريئة فيها غمزة مثل غمزات سميرة توفيق، وقبلة على الهواء من وراء الزجاج الكتيم، وتثني وتثلث من النوع الذي لا يرحم.
ترافقَ فصل المذيعة المظلومة مع المرسوم 16، الذي صدر من غير مسودة، فلا مزاح مع الأسود.. "هكذا تنظر الأسود، وهكذا ترسم الأسود".
المرسوم يحدد ماتريكس عمل وزارة
الأوقاف الجديدة والطموح في العهد الجديد بعد النصر. المرسوم جعل أبناء الأقلية الحاكمة مذعورين من دراكولا وزارة الأوقاف على الشعب السوري، سمّاها أحد الناشطين وزارة "الخلافة الإسلامية"، التي تقوم بزرع الطائفية والمذهبية والتخلف والتزمت والتعصب وقندهار، وداعش.. الموالون غافلون عن إدراك دهاء النظام الذي ينوي علمنة المجتمع من خلال مجلس الفقه الأعلى، وأنه يداوي بالتي كانت هي الداء. فالسنّة لا يزالون الأكثرية.
موالو النظام لا يريدون أن يسمعوا بكلمة أوقاف أو إسلام، أو تكبير، أو حجاب، ويريدون أن يزرعوا في أرض الإسلام البطاطا. سنقرأ قريبا بدلاً من: انتصر صلاح الدين في معركة حطين، أن صلاح الدين الأيوبي كان يزرع البطاطا.
هناك حقيقة أدركها علماء الجريمة في أمريكا وأوربا، وهي مواجهة المجرمين بأسلوبهم. وكان الأسلوب متبعاً في
سوريا الأسدية، فلم تكن الأوقاف شيئاً مذكوراً. الأوقاف كلها مصادرة، الأوقاف هي وزارة جباية، تقوم بجمع صدقات المسلمين الحاضرة والتاريخية لصالح أم الوزارات، وهي الأمن. هنالك أوقاف من عهد آدم، تذهب إلى جيب رامي مخلوف، وللمفتي عمل واحد هو: تفقد هلال رمضان الضائع، ورفع التبريكات للسيد الرئيس بحلول شهر رمضان، والعيدين؛ الفطر السعيد والأضحى غير السعيد، الذي تحدد السعودية موعد هلاله السياسي. والهلال الذي كانوا يرونه ليس هلال رمضان الحقيقي، فهو هلال خضع إلى تعجيل أو تأجيل نكاية بالسعودية، أو ممالأة لها حسب الحال. هلال ذي الحجة من اختصاص مفتي السعودية الأعمى، سينتقل النظام إلى طور جديد من أطوار العلمانية الطائفية العسكرية عن طريق الفقه والفتاوى هذه المرة، قال الإمام عادل إمام في مصنفه الواد سيد الشغال: إنهم يتبعون الدين الجديد.
الأكثرية المحكومة تشكو من فروع الأمن، التي تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، والأقلية تشكو من وزارة الأوقاف، وتصاب باليأس إن رأت لحية أو نقاباً في الشارع، ومن التجار. الموالون لديهم يقين بأن من يحكم سوريا قوتان لا تقهران هما: التجار والأوقاف. لديهم وهم بأن الاقتصاد والحرية محاصران بين فكي كماشة التجار والأوقاف.
ويرجح أن سبب فصل المذيعة، هو إشارات الإغراء اللينة المغناج، والتي تهدر هيبة المذيع في تلفزيون المقاومة والممانعة الرسمي. وكان جيل المذيع مهران يوسف مهاباً، حتى لتظنهم جلادين يتلون أحكام الإعدام، ولياسر العظمة لوحة ساخرة من شوارب مذيعي الأخبار السورية وسحناتهم الرصينة، التي تسبب الاكتئاب وتبث الذعر. لكن المعجبين يدافعون عن مذيعتهم قائلين: إنه قبل أيام رقصت مذيعتان صباحاً، وهما جالستان على أغنية شعبية للمطرب إيهاب يوسف نفسه، وفي بعض المصادر اسمه "بهاء اليوسف" لكنهم ينسون أن الرقص الجماعي جالساً غير الرقص الفردي واقفاً. والرقص بإشارات مغرية لماحة، غير الرقص خالياً من الإغراء: إنهم يغفلون عن أن الإغراء درجات.
وكان كثيرون ممن يرتكبون مخالفات قانونية وجنائية جرمية، يتسترون بالوطنية، منها مثلاً ما جاء في فيلم التقرير، عندما ارتكب أحد المدعومين جريمة قتل طفل في حادث سيارة مسرعة، يقودها سائق متهور، وعندما أوقف، زعم أنه كان ذاهباً إلى الجنوب للقيام بعملية استشهادية. ومن ذكريات كاتب هذه السطور الشخصية، أن حارساً قاد سيارة المدير من غير إذن أو رخصة، وهو لا يعرف القيادة، فصدم الباب المسكين، وحطم السيارة، فزعم أنه دخلها، وشغلها ليسمع خطاب الرئيس، فاصطدمت بالباب. وقد أُعلنت براءة الاثنين.
المذيعة نفسها دافعت عن نفسها، بأنها طربت بأغنية بهاء اليوسف (قلنا إن اسمه إيهاب في بعض المنشورات)، وهي أغنية لا تخلو من حس وطني ومقاومة. الرقص مقاومة والفرح ممانعة.
يظن الموالون بعد قراءة المرسوم الماتريكس الديني أن النظام قد أمسى سلفياً، بذلك المرسوم، بعد حرب سبع السنوات، والتي تجعل المفتي تابعاً لوزير الأوقاف، ولم تكن حرب النظام إلا على السلفية والدين، إلا إذا كانت هيمنة النظام الإيراني المحافظ قد تسللت إلى
التلفزيون السوري.
تأويل الحادثة، يذكّر بخبر شاع من يومين عن ثعبان برأسين. قال الخبر إن أمثال هذه الثعابين لا تعمر طويلاً، والظن أن النظام أمسى بعدة رؤوس، أو أن في الأمر محاولة تتويه يدفع الناس إلى الحيرة في فهم سياسة النظام، أو أن فيه إغراء للشعب السنّي النازح بالعودة، وإيهامه بأن النظام حريص على أخلاق شعبه وأوقافه. كاتب هذه السطور يتوقع أن تعود المذيعة إلى عملها بالسرعة القصوى، قبل أن يجف حبر القرار الظالم الذي قطع رزق مذيعة جميلة.
فاصل وتواصل.
سأتذكر للقارئ شهادة الشيخ أنس سويد، الذي دُعي لمقابلة السيد الرئيس في الأشهر الأولى للثورة مع وفد من علماء حمص الفاضلين. قال إنهم قبل مقابلة الرئيس عرضوا على وزير الأوقاف محمد عبد الستار، حتى يجفوا من رطوبة الطريق وأمطار الثورة، فأسمعهم في "التمرين" شتائم مقذعة ما كان رؤساء فروع الأمن يجرؤون عليها. وقال لهم ما قال عاطف نجيب لأمهات درعا.
قرأ ونستون بطل رواية 1984 شعارات الحزب الجديد:
"الحرب هي السلام، الحرية هي العبودية، الجهل هو القوة". يظن كاتب السطور أن أمّ الوزارات، وهي المخابرات، ستتولى إرسال طلاب الحرية إلى الآخرة، بينما ستتولى وزارة الأوقاف إعادتهم إلى حضن الوطن.
"الكفر إيمان، الشرك توحيد، سوريا الأسد هي الفردوس الأعلى".