تفاعلت التطورات السياسية والميدانية بين
لبنان والعراق مما يضع البلدين أمام أزمة خطيرة، ولا يمكن تكهن إلى أي مستوى يمكن أن تصل التطورات الميدانية في البلدين.
ففي
العراق، تصاعدت الأزمة السياسية
في ظل الخلاف حول تحديد الكتلة الأكبر وعدم التوافق على تشكيل حكومة جديدة، وتزامنت هذه الأزمة مع
التظاهرات الاحتجاجية في مدينة البصرة بسبب عدم تأمين الحاجات الأساسية للمواطنين من ماء وكهرباء، وتطورت
الاحتجاجات الشعبية إلى عمليات حرق لعدد من المقرات الحكومية والحزبية ومقر القنصلية الإيرانية في البصرة، مما وضع البلاد أمام مخاطر حرب عراقية داخلية واسعة.
وأما في لبنان، فلا تزال الأزمة الحكومية مستمرة بسبب الفشل في تشكيل الحكومة الجديدة،
وبروز الخلافات حول الصلاحيات الدستورية بين رئاستي الجمهورية والحكومة. وتزامن ذلك مع
ازدياد المشاكل الحياتية والاقتصادية؛ من تلوث الأنهار وانتشار النفايات، ومشاكل داخل مطار رفيق الحريري الدولي، والتخوف من انهيار اقتصادي وأزمة مالية واجتماعية، مما يضع البلاد أمام مخاطر حقيقية قد تطيح بكل الأنجازات السابقة.
فما هي حقيقة ما يجري في لبنان والعراق؟ وهل نحن أمام مشكلة سياسية وخلاف حول تشكيل الحكومة وإدارة البلاد؟ أمام أزمة تتعدى الحكومة إلى مشكلة النظام السياسي في البلدين؟
أولا على الصعيد العراقي، تقول مصادر قيادية عراقية إن الأزمة العراقية ليست أزمة آنية، بل هي أزمة لها علاقة بكل تركيبة النظام الحالي القائم على أساس
الطائفية والمذهبية والعراقية، وأن الخلافات بين مختلف المكونات السياسية في البلاد ستظل قائمة في ظل النظام الطائفي الحالي، والحل الوحيد والجذري هو إعادة دراسة كل تركيبة النظام الحالي، والبحث عن صيغة نظام جديد قائمة على أساس المواطنة والدولة المدنية والديمقراطية الحقيقية بديلا عن النظام الحالي الذي فشل في تحقيق آمال المواطنين.
ومع أن هذه المصادر العراقية تؤكد أنه حاليا قد يكون من الصعوبة إعادة مراجعة الدستور الحالي أو تغيير النظام العراقي الحالي، لكن ذلك لا ينفي ضرورة الدعوة من أجل إعادة النظر بكل التجربة العراقية السياسية الحالية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق إلى اليوم، وأنه حتى لو تشكلت الحكومة اليوم وتمت السيطرة على الأوضاع في البصرة، فإن ذلك لن يلغي جذور المشكلة، سواء على صعيد النظام السياسي أو انتشار الفساد أو غياب دولة المواطنة أو انتشار الطائفية والمذهبية. وكل ذلك يتطلب نظاما سياسيا جديدا قائما على أساس المواطنة، ويفتح الباب أمام تغيير حقيقي في المشهد السياسي والشعبي في العراق.
وحول الشأن اللبناني، تجمع الأوساط السياسية والحزبية في بيروت على أن المشكلة اليوم لا تقتصر على
أزمة تشكيل الحكومة والمشاكل الحياتية والاجتماعية والمالية، بل نحن أمام أزمة نظام متكامل بسبب عدم التطبيق الشامل لاتفاق الطائف، وعدم البحث في مراجعة هذا النظام ومعالجة الثغرات التي برزت خلال السنوات التسع والعشرين السابقة، والتي مرت منذ اتفاق الطائف عام 1989 وحتى اليوم.
وتوضح بعض المصادر السسياسية القيادية في تيار المستقبل أن "اتفاق الطائف كان يحظى برعاية دولية وإقليمية، وأن النظام السوري أُعطي دورا أساسيا في عملية تطبيقه، ووجود الرئيس رفيق الحريري شكّل عاملا مهما في تطبيق بعض بنود الاتفاق ومعالجة الثغرات التي كانت قائمة، ومنذ
اغتيال الرئيس الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان دخلت البلاد في أزمة سياسية".
والملفت أن معظم الحكومات التي كانت تتشكل كانت تواجه صعوبات كبيرة، وأن بعض القوى الخارجية كانت تساهم بدعم الاتفاقات الداخلية. وأما اليوم، فإن النظام اللبناني أمام أزمة جذرية بسبب عدم استكمال تطبيق الطائف، وعدم مراجعة الثغرات التي برزت خلال السنوات الماضية. ويضاف لذلك غياب الفريق القادر على ضبط الخلافات، سواء كان هذا الفريق داخليا أو خارجيا. وحتى لو جرى الاتفاق مجددا على تشكيل الحكومة، فإن ذلك لا يعني انتهاء أزمة النظام السياسي في لبنان، ويكون ذلك بل مجرد هدنة جديدة بين الأطراف السياسية بانتظار تبلور صورة الأوضاع في المنطقة.
إذن من العراق إلى لبنان، نحن أمام أزمة نظام سياسي عميقة، وإن بروز الاتجاهات الطائفية والمذهبية أحد وجوه هذه الأزمة، وإذا لم يتم الاتفاق على إقامة دولة المواطنة الحقيقية أو الدولة المدنية أو دولة القانون، فإن
الأزمات في هذين البلدين سستسمر وستتكرر. ويضاف لذلك، انتشار الفساد وتعاظم المشاكل الحياتية والاقتصادية، وقد يؤدي كل ذلك لانفجار الأوضاع في هذين البلدين على صعيد كبير، ويعيد إليهما أجواء الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية الواسعة.