أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، في كلمته أمام عدد من الدبلوماسيين والنواب والخبراء في العلاقات الدولية، أنه "لم يعد بإمكان
أوروبا الاعتماد على الولايات المتحدة في أمنه". وقال: "ضمان أمن أوروبا مسؤوليتنا"، كما دعا إلى القيام بمراجعة شاملة وبناء تحالفات جديدة.
كلمة ماكرون هذه تشير إلى الخلاف الأمريكي الأوروبي الذي اشتد في الآونة الأخيرة، بسبب أسلوب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التعامل مع جميع الأطراف، وقراراته في قضايا مختلفة. وأدّى انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران وفرض العقوبات الجديدة على طهران إلى تعميق هذا الخلاف، في الوقت الذي أعلن فيه الاتحاد الأوروبي أنه سيلتزم بالاتفاق، مضيفا أنه سيضمن ألا تتعرض طهران لأي من العقوبات الأوروبية التي رفعت بموجب الاتفاق المبرم عام 2015.
العلاقات التركية الأمريكية هي الأخرى تشهد أزمة غير مسبوقة، وخلافا شديدا بين أنقرة وواشنطن، بسبب احتجاز
القس الأمريكي أندرو برانسون في
تركيا بتهمة التجسس ودعم التنظيمات الإرهابية. وترى القيادة التركية أن
البلاد تتعرض لهجمة اقتصادية تستهدف
الليرة التركية وتقف وراءها الولايات المتحدة. ولمواجهة هذه الهجمة التي ترمي إلى تركيع تركيا أمام السياسة الأمريكية، تبحث أنقرة عن تحالفات مع دول أخرى منزعجة من مواقف ترامب وقرارته المستفزة التي تهدد مصالح كثير من الدول، بما فيها الدول الأوروبية.
لا يخفى على المتابعين للشأن التركي والعلاقات التركية الأوروبية تكثيف الاتصالات بين القادة الأتراك والأوروبيين في الأيام الأخيرة، بالإضافة إلى تصريحات يدلي بها المسؤولون الأوروبيون للتضامن مع أنقرة والتأكيد على أهمية استقرار تركيا واقتصادها، كالتي جاءت في كلمة وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، يوم الثلاثاء في برلين، أمام سفراء بلاده لدى الدول الأخرى، وانتقد فيها الوزير الألماني سياسة العقوبات التي تمارسها واشنطن في الآونة الأخيرة، مشددا على أن الأوروبيين "مهتمون في التقدم الاقتصادي المستقر في تركيا". وكان ماس قد ذكر يوم الاثنين، في تصريحات للصحفيين، أنه يجب على دول الاتحاد الأوروبي الرد على عقوبات الولايات المتحدة ضد تركيا.
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان؛ أجرى خلال أيام اتصالات مع نظيريه الفرنسي إيمانويل ماكرون، والألماني فرانك-فالتر شتاينماير، بالإضافة إلى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماري ماي. ومما لا شك فيه، أن هذه الاتصالات تندرج تحت البحث عن مواقف وإجراءات مشتركة لمواجهة الخطوات الأمريكية الأخيرة.
التقارب التركي الأوروبي، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، قد لا يكفي لمواجهة الولايات المتحدة ولكنه، بالتأكيد يخدم كلا الطرفين، في الوقت الذي تراجع فيه كافة الأطراف الدولية والإقليمية حساباتها، وتبحث عن تحالفات جديدة تحمي مصالحها القومية في ظل الظروف المتقلبة والمواقف المتناقضة واحتدام الصراعات. وتأمل أنقرة أن تؤتي الاتصالات والمباحثات التي يجريها المسؤولون الأتراك مع نظرائهم الأوروبيين أكلها، وتثمر عن نتائج إيجابية تعزز الموقف التركي في التصدي للغطرسة الأمريكية.
تركيا لن تقوم بأي خطوة لتصعيد الأزمة مع الولايات المتحدة؛ لأنها ترغب في إنهائها، دون أن تتنازل عن سيادتها الوطنية. ولكنها سترد على الخطوات الأمريكية عملا بمبدأ التعامل بالمثل، كما أكد
وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، الذي قال الثلاثاء في مؤتمر صحفي مع نظيره الليتواني، ليناس لينكيفيسيوس، إن الولايات المتحدة إذا قالت "أنا أفعل كل ما أريد"، وتصرفت مثل رعاة البقر، فسيكون هناك رد على ذلك. ومن المتوقع أيضا أن تلجأ تركيا إلى الطرق القانونية للدفاع عن حقوقها ومصالحها. وفي هذا الإطار، تقدمت أنقرة إلى منظمة التجارة العالمية بشكوى ضد الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على وارداتها من الصلب والألومنيوم التركيين.
العلاقات التركية الأوروبية ليست بديلة عن العلاقات التركية الأمريكية، كما أن التقارب التركي الروسي أو التقارب بين أنقرة وبكين لا يعني تغيير وجهة تركيا من الغرب إلى الشرق، إلا أن هذا التنوع في العلاقات من شأنه أن يخلق نوعا من التوازن، ويمنح أنقرة مساحة للمناورة في التصدي لضغوط الولايات المتحدة ومحاولة استفرادها بتركيا.