هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "ذا أتلانتك" تقريرا للصحافية أليس سو، عن فظائع الحملة الأخيرة للنظام السوري في درعا، تقول فيه إن نظام بشار الأسد يعلن الانتصار في درعا تاركا المدنيين عالقين على الحدود السورية الأردنية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى سكان قرية جابر السرحان في شمال الأردن، الذين يجتمعون كل يوم لمراقبة السوريين الهاربين من الحرب وهم يتجمعون على الحدود، فيما تعلو بعيدا في الأفق سحب الدخان، حيث يبني اللاجئون خيامهم في المنطقة الخالية، التي يطلق عليها السكان المنطقة الحرة، التي كان يتبادل فيها الأردنيون والسوريون التجارة، وتحولت الآن إلى معسكر مؤقت لآلاف السوريين الذين فروا خلال الأسبوعين الماضيين من الطيران الروسي وقوات النظام السوري، التي هاجمت بيوتهم في محافظة درعا جنوب سوريا.
وتلفت سو إلى أن هجوم النظام جاء بعد عام من الهدوء النسبي في درعا والمناطق المحيطة بها، التي اعتبرت منطقة خفض التوتر، بموجب اتفاق تم التفاوض عليه بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن في تموز/ يوليو العام الماضي، حيث خفف الاتفاق من القتال، لكنه لم يقض عليه تماما، مشيرة إلى أنه مع قيام النظام بالسيطرة على المناطق، والتقدم في مساحات واسعة، فإن جنوب سوريا غلف بغلاف من الهدوء الخادع، وقام في ظله المقاتلون بإدارة مدن وبلدات ومراكز صحية وشرطة.
وتذكر المجلة أن الولايات المتحدة قررت قطع مساعداتها عن المقاتلين، في وقت رحل فيه الأردن آلافا من اللاجئين المسجلين، "فيما قرر سوريون العودة طوعا، حيث لم يكن الكثيرون منهم قادرين على العيش بسبب الظروف الاقتصادية في الأردن، فيما اعتقد آخرون أن مناطقهم أصبحت آمنة".
ويستدرك التقرير بأنه تم كسر هذا الوهم في 19 حزيران/ يونيو، من خلال الغارات الجوية التي بدأت تطلق النار وتقصف البيوت، فيما دمرت حملة برية المستشفيات، واستهدفت المدنيين، وشردت أكثر من 330 ألف لاجئ سوري، وهو أكبر نزوج منذ بداية الحرب الأهلية.
وتورد الكاتبة نقلا عن المرصد السوري لحقوق الإنسان في بريطانيا، قوله إن حوالي 159 مدنيا قتلوا، بينهم 33 طفلا، مشيرة إلى أن السوريين هربوا مع القصف إلى الحدود الأردنية والإسرائيلية التي كانت مغلقة.
وتنقل المجلة عن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، قوله في تغريدة إن الأردن استقبل 1.3 مليون سوري، "ولا نستطيع استضافة أعداد أخرى"، مشيرة إلى أنه في الوقت ذاته، فإن الآلاف على الحدود علقوا، لا لحاف لهم إلا السماء، ودون طعام أو شراب كاف، ولا خدمات طبية، وزاد الذعر بينهم وسط الغارات الجوية وأعداد القتلى المتصاعدة.
وينوه التقرير إلى أن قوات النظام والمعارضة توصلت إلى اتفاق يوم الجمعة، وافق فيه المقاتلون، الذين سيطروا على معبر نصيب منذ عام 2015، على الانسحاب منه، وتسليم جزء من السلاح الثقيل، والسماح للشرطة العسكرية الروسية بالانتشار على طول الحدود الأردنية، واتفق أيضا على منح ممر آمن للمقاتلين الذين يعارضون الاتفاق، للعبور إلى مناطق المعارضة في الشمال.
وتبين سو أنه بموجب الاتفاق، فإن الحكومة ستخرج من بعض أجزاء الجنوب، وستسمح سيطرة الحكومة على المعبر بمرور البضائع التجارية، مشيرة إلى أن علم النظام رفع على الممر لأول مرة منذ سنوات.
وتقول المجلة إن "اللاجئين العالقين على الحدود شاهدوا فصول هذا المسلسل: اتفاقيات وقف إطلاق النار يتم انتهاكها، ومفاوضات فاشلة، ودبلوماسية مقلقة، وكلام فارغ، وذورة انتصار جديد للنظام والمليشيات التابعة له، وفي الوقت الذي احتفل فيه النظام السوري، فإن الأردن تنفس الصعداء من مأساة إنسانية أخرى اندلعت على حدوده، وتُرك المدنيون في درعا لمواجهة الجحيم الذي نجوا منه، والتساؤل عن المجهول الذي ينتظر من لا يريدون العودة إلى مناطق النظام أو حكم الروس".
ويشير التقرير إلى أن الكاتبة تحدثت قبل أسابيع عبر الهاتف مع امرأة سورية من بلدة نصيب، عمرها 35 عاما، وقالت إنها هربت عام 2012 مع عائلتها من الحرب في سوريا إلى الأردن، حيث عاشوا لاجئين في مدينة إربد في شمال الأردن، ولأن الحياة كانت مكلفة، ولم يسمح للاجئين بالعمل، وانتشرت شائعات بأن درعا مهد الثورة عام 2011، أصبحت آمنة، فإنهم عادوا في عام 2014 إلى درعا مع خمسة أولاد، وزوج قتل بعد عدة أشهر في غارة جوية.
وتفيد الكاتبة بأن المعارضة سيطرت في عام 2015 على معبر نصيب، وأغلقت الحكومة الأردنية المعبر، ورفضت التعامل مع أطراف غير دولية، لافتة إلى أن تفجير سيارة في عام 2016، أدى إلى مقتل عدد من الجنود الأردنيين، ما دفع الحكومة الأردنية إلى إغلاق الحدود بشكل كامل.
وتذكر المجلة أن المرأة السورية تختبئ منذ يوم الثلاثاء مع 27 من أفراد عائلتها في خيمة مصنوعة من الحصر خارج المنطقة الحرة، فيما قتل واحد من أبناء إخوتها بسبب الغارات الجوية، وهربت العائلة جميعا طلبا للحماية.
ويورد التقرير نقلا عن المرأة، قولها: "نحن خائفون، والاستسلام ليس بعيدا عنا، ولا ندري ماذا سيحدث لاحقا"، حيث تحركوا في الأيام الماضية بعيدا عن المنطقة؛ خوفا من محاصرتها، كما فعل النظام سابقا مع مناطق المعارضة، وتضيف: "نعيش في حالة رعب".
وتفيد سو بأن شاحنات الإغاثة لم تستطع المرور عبر الحدود؛ لأنها قد تكون عرضة للضربات الجوية، مشيرة إلى أن بيانا لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" قال إن ثمانية مستشفيات استهدفت في ثمانية أيام، قتل فيها طبيب على الأقل، فيما أغلقت المؤسسات الطبية في الجنوب كلها، ولخوفها من الغارات اصطفت شاحنات الإغاثة على الجانب الأردني من الحدود، وقال السكرتير العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند: "هذه كارثة تتطور، ويمكن منعها، ويجب منعها".
وتقول المجلة إن حجم الكارثة كبير، حيث يستخدم النازحون على الحدود الحفر مراحيض، ويعيشون في خيم يقيمونها باستخدام العصي والخشب، فيما مات عدد من المرضى نتيجة للجفاف ولسع العقارب وشرب المياه الملوثة، لافتة إلى أنه بحسب الأمم المتحدة، فإن نصف النازحين هم من الأطفال، فيما قال بيان المجلس النرويجي للاجئين إن نساء وضعن حملهن في الصحراء.
وينقل التقرير عن ممثل أطباء بلا حدود صلاح دراغمة، قوله إن منظمته تخشى من وفاة الناس بسبب النزاع والحرب، مشيرا إلى أنهم أمام خطر الموت في ظروف يمكن التعامل معها ومنعها، مثل نقص المياه، أو توفير الأغطية للحماية من الشمس الحارة، ويضيف: "عندما لا تتوفر الحماية والملجأ للناس فإن الحياة ستكون مثل نار جهنم".
وتذكر الكاتبة أن الناس في بلدة جابر السرحان تحركوا وتبرعوا بالطعام والأغطية والمياه للناس على الجانب الآخر من الحدود، وقال عواد السرحان (60 عاما)، الذي يقوم بتنسيق عمليات المساعدة للنازحين من المسجد: "لا يملكون شيئا، هم مجرد أطفال ونساء وكبار في العمر، وهم إخواننا"، مؤكدا أن الدعم الذي يجمعونه يأتي من الأردنيين لا الحكومة، وقال: "سنكون سعداء بفتح الحدود أمامهم، وسنفتح لهم مخيما.. لكننا بحاجة لدعم من الخارج لعمل هذا"، في إشارة إلى المشكلات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وتجد المجلة أن العملية، التي مضى عليها أكثر من أسبوعين، تبعت النهج الذي مارسه النظام وحلفاؤه ذاته، وهو القصف الجوي والمدفعي لمواقع المعارضة، دون اهتمام بالضحايا المدنيين، ويزداد الضرب كلما رفضت المعارضة الاستسلام، مشيرة إلى أنه لم تتم الاستجابة لمطالب الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة لحماية المدنيين، فيما يعلم المسلحون أن لا أوراق نفوذ لديهم في أي مفاوضات بعد إخبار واشنطن لهم على عدم توقع دعم منها.
وبحسب التقرير، فإنه تم تنفيذ 600 غارة جوية في 15 ساعة بين جولات القتال الأخيرة، وقتل فيها 150 شخصا، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، لافتا إلى أن قوات النظام لم تصل إلى القنيطرة، حيث فر حوالي 189 ألف مدني من درعا باتجاه الحدود مع إسرائيل، التي قالت إنها لن تسمح لهم باللجوء إلى مرتفعات الجولان المحتل.
وتنوه سو إلى أن محمد (35 عاما) من بلدة طفس، يعيش في خيمة منذ الجمعة قرب القنيطرة، حيث هرب أولا إلى الأردن عام 2012؛ بحثا عن لجوء، وحصل على وضع لاجئ من الأمم المتحدة، وهو ما يعني حمايته من الترحيل إلى بلاده حتى لا يتعرض للخطر، وبعد خمسة أعوام رحلته السلطات الأردنية فجأة وعائلته إلى درعا، دون ذكر السبب، وقال: "أحاول النوم.. لو نظرت إلى الأمام فإن الأمور كلها تبدو سيئة، وعندما أنام وأفتح عيني واكتشف أنني في سوريا أتمنى أن أظل نائما ولا أستيقظ"، فيما قالت امرأة في معبر نصيب: "نعتمد على الله"، وتخطط للعودة إلى بلدتها لو توقف القتال.
وتختم "ذا أتلانتك" تقريرها بالإشارة إلى قول محمد، إنه لا يستغرب بقاء الناس تحت السلطة ذاتها التي تقوم بقتلهم وقصفهم، "والناس متعبون من التجول في البرية، ومن الجوع والنوم على الأرض والولادة تحت الأشجار.. وصل الناس إلى مرحلة لا يستطيعون فيها عمل أي شيء، ولا يوجد أي بديل".