تأزمت
العلاقات التركية
الإسرائيلية بعد المجزرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في نهاية أيار/ مايو 2010، وقتلت 10 متضامنين أتراكا، حين هاجمت سفينة "مافي مرمرة" التي كانت تبحر باتجاه قطاع
غزة ضمن أسطول الحرية لكسر
الحصار، وسحبت أنقرة آنذاك سفيرها من تل أبيب. وقبل ذلك، كان رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان قد انسحب، في كانون الثاني/ يناير 2009، من منتدى دافوس الذي شارك فيه بصفته رئيس الوزراء التركي، بعد مشادة كلامية مع رئيس إسرائيل آنذاك شمعون بيريز، وقال له: "السيد بيريز، أنت أكبر مني سنا، لكن صوتك عال، وهذا يعني وجود أزمة نفسية لديك. وأذكركم بأنكم سبق أن قمتم بقتل الأطفال على ساحل غزة، ولم يكن هناك صواريخ تطلق منها".
العلاقات بين أنقرة وتل أبيب ظلت متدهورة حتى تدخل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ليضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويدفعه إلى الاعتذار من
تركيا. وعلى خلاف عادة الكيان الصهيوني، اعتذر نتنياهو من تركيا، بعد حوالي ثلاث سنوات من مجزرة مافي مرمرة، كما قبلت تل أبيب أن تدفع تعويضات لأسر ضحايا سفينة مافي مرمرة، وأن تسمح بوصول المساعدات الإنسانية التركية إلى قطاع غزة. وكانت لدى أنقرة ثلاثة شروط لعودة العلاقات، وهي: الاعتذار الرسمي والتعويضات ورفع حصار غزة.
العلاقات التركية الإسرائيلية
تشهد هذه الأيام أزمة جديدة بعد سقوط أكثر من 60 شهيدا في قطاع غزة بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي،
واستدعت وزارة الخارجية التركية سفيري واشنطن وتل أبيب إلى أنقرة للتشاور، كما
طلبت من السفير الإسرائيلي لديها مغادرة البلاد، بالإضافة إلى طرد القنصل الإسرائيلي في إسطنبول، احتجاجا على أحداث الاثنين في غزة، فيما طالبت إسرائيل القنصل التركي في القدس بالعودة إلى بلاده.
رئيس الجمهورية التركي،
في رده على قول نتنياهو إن "أردوغان من أكبر المؤيدين لحماس"، أكد أن حماس حركة مقاومة تحمي أرض فلسطين ضد المحتلين. وأضاف في تغريدة نشرها في حسابه الرسمي بموقع تويتر أن "نتنياهو على يديه دم الفلسطينيين، ولا يمكنه تغطية جرائمه بمهاجمة تركيا"، مشيرا إلى أن إسرائيل دولة فصل عنصري احتلت شعبا أعزل لأكثر من 60 عاما، في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة. وهذا في الحقيقة رد على جميع من يصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وإن بدا في الوهلة الأولى ردا على رئيس الوزراء الإسرائيلي.
الرد التركي على إسرائيل يتصاعد يوما بعد يوم، وهو لا يقتصر على المستوى الرسمي، بل عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك خرجوا في مظاهرات حاشدة بإسطنبول ومدن تركية أخرى للتنديد بمجزرة الاثنين، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ومن المقرر أن تنظم يوم الجمعة مظاهرة مليونية في ميدان يني كابي بإسطنبول، وأخرى يوم الأحد في مدينة ديار بكر، للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
تقود تركيا حملة التصعيد ضد إسرائيل، وتتحرك في جميع الاتجاهات لمواجهة "صفقة القرن" التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية والتنازل عن القدس والمسجد الأقصى. ودعا أردوغان قادة الدول الإسلامية، بصفته رئيس الدورة الثالثة عشرة
لمؤتمر القمة الإسلامي، إلى قمة استثنائية تعقد الجمعة في مدينة إسطنبول، لبحث التطورات الخطيرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، كما يجري اتصالات مكثفة مع قادة دول العالم لبحث الأوضاع في غزة. إلا أن المتوقع أن يكون مستوى مشاركة بعض الدول في القمة منخفضا، بسبب تأييدها لمشروع صفقة القرن.
تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية مرة أخرى ليس مفاجئا؛ لأن عودة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب في عهد أوباما جاءت تحت ضغوط واشنطن. وأما اليوم، فيتربع كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة رجل أكثر إسرائيلية من نتنياهو نفسه. كما أن نتنياهو يشعر بنشوة الانتصار وجنون الغرور والعظمة بسبب هرولة دول عربية نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، الأمر الذي يدفعه إلى عدم المبالاة باحتجاج تركيا أو أي دولة أخرى على الإرهاب الإسرائيلي.
التصعيد التركي الأخير ضد إسرائيل ليس بسبب مجزرة غزة فحسب، بل هو احتجاج أيضا على إعلان الرئيس الأمريكي مدينة
القدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها، كما يهدف إلى مواجهة صفقة القرن. ولذلك، يتوقع أن تنزعج الدول العربية المشاركة في هذه الصفقة من الجهود التركية الداعمة للقضية الفلسطينية، وتسعى لعرقلتها عبر الجامعة العربية التي تسيطر على قراراتها تلك الدول.