أكدَّ ولي العهد السعودي،
محمد بن سلمان في تصريحاته لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن نشر
السعودية للوهابية، كان بطلب من حلفاء بلاده الغربيين، لمواجهة الاتحاد السوفيتي، ومنع تقدمه في العالم الإسلامي إبان الحرب الباردة.
ووفقا لباحثين ومراقبين فإن تصريحات ابن سلمان تكشف عن طبيعة الدور الوظيفي الذي قامت به السعودية في تمويلها ودعمها لنشر
الوهابية، ما يقوي الفرضية التي ترجع انتشار
السلفية الواسع إلى المال السعودي الذي حظيت منه بنصيب وافر.
وتوضيحا لطبيعة الدعم السعودي للسلفية قال الداعية السلفي الأردني: "يأتي ذلك الدعم من جهتين: الأولى حكومية، والثانية مؤسسية وعلمائية وشعبية"، لافتا إلى أن الدعم السعودي الحكومي غالبا ما ينتج حالة سلفية مشوهة، كحزب النور المصري وأمثاله في باكستان وغير ذلك.
وأضاف لـ"
عربي21": "لن تستطيع الدولة السعودية التبرؤ من هذه السلفية وأفرادها بتلك السرعة المتوقعة، بل تكمن مصلحتها في بقائها حتى تظل تسبح بحمدها، وترقع أفعالها، فالحكام يحتاجون دوما إلى "جهة دينية" ترقع أفعالهم، ولن تجد السعودية أخلص لها ممن تربوا في كنفها، وأعماهم الريال عن رؤية الصراط" على حد قوله.
أما الجهة الثانية السعودية الداعمة للسلفية (الشعبية والعلمائية) فهي طبقا للعتيبي "ستتأثر كمًّا، لكنها لن تتأثر كيفا ونوعا بإذن الله، لأنها لم تكن يوما مع السلفية كون الحكومة السعودية أرادت لها أن تكون كذلك، بل لأن أتباع تلك المدرسة يعتقدون اعتقادا جازما بصحة اعتقادها ومنهجها"، ذاكرا ما كان يعانيه أتباع هذا التيار من السلطة حتى قبل التحولات الأخيرة.
وفي جوابه عن سؤال: "هل تراجع الحضور السلفي بعد تقليص الدعم السعودي عنه سيريح الأمة من عناء تلك المعارك الداخلية التي طالما أشعلها السلفيون؟ انتقد العتيبي محاكمة جهود السلفيين بتلك النظرة المجحفة، مبينا ما قامت به السلفية في مجال الصحوة العلمية والدعوية، ودعم الجهاد الأفغاني والشيشاني وغيرهما، وإنجازاتها في مجال العمل الإغاني والإعلامي بمختلف أشكاله".
من جهته رأى الأكاديمي الشرعي السعودي، سعيد بن ناصر الغامدي أن "الهجوم على السلفية إنما يستهدف القسم المتحرك والمؤثر منها، ويستثني القسم المحتضن من قبل أجهزة المخابرات، وهو يأتي في سياق الحرب على الوجود الإسلامي المؤثر، سواء في صيغته الإخوانية أو السلفية أو أي توجه آخر يحاول أن يعيد للإسلام أثره الاجتماعي أو السياسي أو الحضاري، بل حتى ذلك الذي يحاول تهذيب الأخلاق والترقية الروحية".
وطبقا للغامدي فإن تلك الحملة لن تستثني إلا من لديه الاستعداد للمشاركة في ضرب الاتجاهات الإسلامية الفاعلة، مبديا أسفه الشديد على سلوك بعض الذاهلين والسذج من الاتجاهات الدعوية السنية الذين يفرحون بضرب الأنظمة المحلية ومن خلفها الدولية لمن يخالفهم.
وتابع حديثه لـ"
عربي21" لقد فرح بعض السلفيين بضرب الإخوان، ويفرح الآن بعض الإخوان أو المستقلين بضرب السلفية متناسين الأخوة والنصرة الواجبة، وحرمة التخاذل وغافلين عن حقيقة (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
وحذر الغامدي اتجاهات إسلامية من النظر إلى تلك الحملات التي تستهدف الاتجاهات المؤثرة في الأمة – سلفية وإخوان وغيرهم – وكأنها تصب في صالح اتجاهاتهم، لأن الحملة ستمتد إلى كل من يشكل إزعاجا لتلك الأنظمة، وعليهم ألا يتعاموا عن مضمون المثل المشهور "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".
وفي السياق ذاته قال الكاتب والباحث المصري، حسام الدين عوض: "لا يمكن حمل تصريحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان على محمل الجد، لأنه عندما صرح بأن المملكة في ثوبها الجديد سوف تقضي على التطرف، وجدناه يعتقل أكثر دعاة المملكة اتزانا مثل سلمان العودة وعلي العمري وغيرهما، بينما يتحلق حوله أكثر المشايخ تطرفا لمجرد تماهيهم مع السلطة".
وواصل حديثه لـ"
عربي21" بالقول: "وهو ما يؤكد أن المعيار ليس هو التطرف في مقابل الاعتدال، وإنما الولاء للسلطة في مقابل معارضتها" مبديا رفضه الكامل لسجن أي إنسان على خلفية فكرية مهما كانت.
ورأى عوض أن المملكة التي قامت منذ تأسيسها على مبدأ التسلط الديني الذي يكرَّس الاستبداد السياسي من التحالف التاريخي بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود ستظل ترعى الوهابية التي تكرس شرعيتها ووجودها.
بدوره قال الباحث اليمني عادل الشعيبي لـ"
عربي21": "يتعرض التيار السلفي المدعوم من السعودية اليوم لصدمات لم تكن في حسبان رجال هذا التيار، فهم لقلة وعيهم وسذاجتهم وقعوا ضحية لمواقف سياسية محلية وإقليمية ودولية".
وتابع: "والمؤلم أن صفع التيار السلفي جاء ممن ظل السلفيون يسبحون بحمده ويمجدونه طوال العقود السابقة، ويرون مجرد التفكير في الاعتراض عليه ولو بحرف واحد جريمة عظمى، تصل – كما يعتقدون – إلى حد المساس بالعقيدة وأصول الإيمان". في إشارة منه إلى التحولات التي تشهدها السعودية هذه الأيام.
ورأى الشعيبي أن الحضور السلفي اليوم "بات باهتا خوفا من المصير الذي ينتظرهم، بعد تصريح ولي العهد بأن الدعم السخي الذي حظوا به سابقا إنما كان لاستخدامهم في حرب المعسكر الرأسمالي ضد المعسكر الشيوعي تحت مسمى الجهاد في سبيل الله، وهو في الحقيقة جهاد في سبيل المصالح الرأسمالية".
وتوقع الشعيبي في ختام حديثه أن ينعكس تقليص الدعم السعودي للسلفية بشكل كبير ولافت على الحضور السلفي في السعودية وخارجها، وهو ما سيخفف من حدة تلك المعارك الشرسة التي أشعلها السلفيون في جسم الأمة الإسلامية هنا وهناك، وشغلها بقضايا هامشية، أبعدتها عن الاهتمام بقضايا الأمة الكبرى والمصيرية" بحسب عباراته.