هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حسمت تركيا معركة عفرين بعد نحو شهرين على إطلاقها، واستطاعت إلى جانب الجيش السوري الحر طرد وحدات "حماية الشعب الكردية"، التي بثت ضخا إعلاميا كبيرا عن استحالة السماح لعملية "غصن الزيتون" بالوصول إلى عفرين، بل وتوعد بأن المعركة في المدينة لن يكون سهلا.
ويطرح الانهيار الدراماتيكي لـ"الوحدات الكردية"، وخسارتها واحد من ثلاثة أقاليم أعلنها في وقت سابق كمكونات لإدارة ذاتية شمالي سوريا، تساؤلات عن مصير حلم أحزاب بإقامة حكم ذاتي في سوريا على شاكلة إقليم كردستان في العراق.
وفي هذا الشأن، يعلق أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين في أربيل "ريبوار عبد الله"، بالقول إن "الحكم الذاتي الكردي في سوريا موجود شمالي سوريا، وليس فقط في عفرين، بل أيضا في مدن القامشلي والحسكة وغيرها".
اقرأ أيضا: بعد سيطرة الجيش التركي على عفرين.. متى يتجه إلى منبج؟
وفي حديثه لـ"عربي21"، يقلل عبد الله من قيمة ما أنجزته تركيا في عفرين بالقول: "كل ما فعلته الحكومة التركية هي عملية عسكرية فقط في عفرين لا على كامل المنطقة"، مضيفا: "سيبقى الإشراف السياسي والمقاومة السياسية وحتى العسكرية في مناطق أخرى غيرها لمواجهة المد العسكري التركي".
في المقابل، يرى المحلل السياسي السوري، محمد النعيمي، أن الحكم الذاتي الكردي في سوريا "لم يكن حلما بل تجربة حلم".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21": الـPKK والـPYD وغيرهما من الأحزاب كانت تدغدغ مشاعر الشعب الكردي بموضوع الدولة، وهم لا يملكون الآن مقوماتها، إضافة إلى أن النقطة الوحيدة التي يتوافق عليها الجميع في ما يتعلق بالأزمة السورية هي عدم إقامة كيان كردي جنوبي تركيا أو شمالي سوريا أو شمالي العراق".
"خذلان أم تفاهم؟"
وعن أسباب ما اعتبره ناشطون وإعلاميون أكرادا "خذلانا أمريكيا" لـ"الوحدات الكردية" في معركة عفرين، يرد ريبوار عبد الله بالقول إن عدم دعم واشنطن للوحدات الكردية في عفرين "لا يُعد خذلانا"، وعبر عن اعتقاده بـ"وجود تفاهم سياسي بينها وبين أنقرة حول مدينة عفرين".
وأشار الأكاديمي الكردي إلى أن "التفاهم كان بخصوص مدينة عفرين، لكن ستبقى نقاط خلاف عميقة جدا بين واشنطن وأنقرة بما يتعلق بمناطق أخرى تتواجد فيها الأحزاب الكردية"، بحسب قوله.
اقرأ أيضا: هل تراجع واشنطن علاقاتها بـ"الوحدات الكردية" بعد عفرين؟
وأضاف: "جدير بالملاحظة أن واشنطن لا يمكن أن تستغني عن الدور التركي؛ لأن تركيا تلعب كفاعل أساسي في المنطقة، ولها دور كبير في إدارة صراع القوى وموازينها في سوريا، بالتالي أمريكا تخشى بأن أي تحرك ضد أنقرة سيصب في مصلحة روسيا وليس مصلحتها هي".
أما المحلل السياسي النعيمي، فيشير إلى أن "الولايات المتحدة وتركيا دولتان لهما وزنهما وليست مجرد جمعيات خيرية، وتتعامل على أساس المصلحة السياسية، والتي ترتد أخيرا على مصلحتهما".
وأوضح: "لذلك ربما تقاطعت المصالح الأمريكية مع نظيرتها التركية في هذا الشأن بخصوص تدخل أنقرة في عفرين، ولو لم يكون هناك ضوء أخضر أو على الأقل غض طرف من قبل الإدارة الأمريكية لما أمكن لتركيا الدخول لعفرين".
وأشار إلى أنه "من وجهة النظر السياسة الأمريكية مصلحتها مقدمة على مصلحة الأكراد، وحين تقاطعت المصلحة الأمريكية والتركية في نقطة واحدة تم الاتفاق عليها، وربما تقدم تركيا ثمن ذلك في بلد أو مجال آخر".
"تحجيم دور"
ويتابع النعيمي: "أكراد سوريا، سواء الشعب أو الأحزاب، كانوا ورقة بيد الأنظمة السياسية في المنطقة، ولم يكونوا أصحاب قرار"، مضيفا: "هذه الأحزاب عملت لصالح من يمولها ويدعمها، ولم يعملوا لصالح الشعب الكردي، ولو بحثت هذ الفصائل عن مصلحة الشعب الكردي، لكانت صاحبة قرار حتى لو خسرت المعركة، وستكسب الحاضنة الشعبية".
من جهته، يشير الأكاديمي ريبوار عبد الله إلى "وجود مشاورات سياسية على المستوى الإقليمي والدولي؛ لتحجيم الدور السياسي للفصائل الكردية بسوريا مستقبلا".
مستدركا بالقول: "لكن بالمقابل، واشنطن تحاول أن يكون هناك دور للأكراد؛ حتى تتمكن من خلالهم من إنشاء مناطق نفوذ لها؛ لأنها بعد أحداث الربيع العربي لم يكن لواشنطن نفوذ يُذكر في شمال سوريا".
يُذكر أن وسائل الإعلام التركية، وبعد دخول الجيش التركي إلى عفرين، ركزت على مرحلة ما بعد عفرين، وتحدثت عن "خارطة طريق" جديدة وضعتها القيادة التركية.
ونشرت صحيفة "خبر ترك" تقريرا، ترجمته "عربي21"، قالت فيه إن أنقرة "ستعمل على تحقيق جملة من الأهداف، على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، في سوريا، وستتبع في ذلك خطة تنقسم إلى عدة مراحل.
وذكرت الصحيفة أنّ الهدف الثاني في خارطة الطريق التركية بعد عفرين، يتمثل في منع عودة "حزب العمال الكردستاني وأذرعه" إلى المدينة؛ لـ"الحيلولة دون تحولها مجددا إلى معقل لهم، ولهذا السبب ستقوم تركيا بتركيز نقاط مراقبة في مركز المدينة وريفها".