نيويورك تايمز: هل كُشفت حقيقة تدخل روسيا في انتخاباتنا؟

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن ظهور أول أدلة تثبت عملية القرصنة التي نفذتها روسيا عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل التأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2016.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن إحدى الروسيات، من حوالي 80 روسيا الذين عملوا في مشروع في سانت بطرسبرغ، التي تدعى إيرينا كافرزينا، اعترفت عبر البريد الإلكتروني أنها نشرت كمية من الصور والمشاركات، التي كان الأمريكيون يعتقدون أنها كُتبت من قبل شعبهم.

وذكرت الصحيفة أن هيئة المحلفين الكبرى في واشنطن سلمت لائحة اتهام مكونة من 37 صفحة، تم تسليمها يوم الجمعة، وجهت من خلالها اتهامات للسيدة كافرزينا و12 شخصا آخرين بالضلوع في تنفيذ مؤامرة مُتقنة، الذين لم يستطيعوا محو أثر العملية التي نفذوها في تلك الفترة واستطاع المحققون الأمريكيون اقتفاء أثرهم وكشف أمرهم.

وكشفت هذه الاتهامات، التي وجهها المحامي الخاص روبرت مولر، حقائق مهمة تتعلق بنقاش سياسي مستقطب يسلط الضوء على تدخل روسيا في الديمقراطية الأمريكية، في حين لم يتم حتى اللحظة الراهنة إثبات تورط الرئيس ترامب أو شركائه.

وأشارت الصحيفة إلى أن لائحة الاتهام قدمت تفاصيل مذهلة عن برنامج روسي مخطط له بعناية منذ ثلاث سنوات، للتحريض على الخلافات السياسية في الولايات المتحدة. وقد ساهم ذلك في إلحاق الضرر بحملة هيلاري كلينتون الرئاسية، ومن ثم دعم ترشيح دونالد ترامب، بالإضافة إلى ترشح بيرني ساندرز وجيل شتاين.

وتجدر الإشارة إلى أن الروس كانوا يشرفون على عملية تحت اسم "مشروع المترجم"، التي تهدف إلى زعزعة ثقة الأمريكيين في المرشحين والنظام السياسي بشكل عام. وقد استخدموا مجموعة من الشركات المرتبطة بوكالة أبحاث على الإنترنت، وأطلقوا على حملتهم الرامية للتدخل في انتخابات 2016 اسم "حرب المعلومات".

وأكدت الصحيفة أن البحث الميداني الذي سبق الهجوم قد بدأ بجدية خلال شهر حزيران/ يونيو من سنة 2014. وقد تبين أن مواطنتين روسيتين، الأولى تدعى ألكسندرا كريلوفا والثانية آنا بوغاشيفا، قد حصلتا على تأشيرات للقيام بجولة استطلاعية استغرقت ثلاثة أسابيع في الولايات المتحدة، شملت زيارة الولايات الانتخابية الرئيسية؛ على غرار كولورادو، وميشيغان، ونيفادا ونيو مكسيكو. في المقابل، رُفض طلب التأشيرة الذي قدمته الروسية الثالثة، روبرت بوفدا.

وأضافت الصحيفة أن الروسيتين اشترتا كاميرات ووحدات تعريف مشتركة وهواتف خلوية متاحة للاستعمال لمرة واحدة في حال تم اكتشاف الغرض الحقيقي من قدومهما. وفي كل الأحوال، زارت كلاهما تسع ولايات منها كاليفورنيا، وإلينوي، ولويزيانا، ونيويورك، وتكساس، لجمع معلومات استخباراتية حول السياسة الأمريكية. وعلى ضوء تلك الزيارة، أرسلت السيدة كريلوفا تقريرا عن النتائج التي توصلت إليها إلى أحد رؤسائها في سانت بطرسبرغ.

ووفقا لما جاء في لائحة الاتهام، قام عميل روسي آخر بزيارة أتلانتا خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2014 لإنجاز مهمة مماثلة. وحيال هذا الشأن، أوضح بعض الخبراء في المجال القانوني أنه لم يتم ذكر الهوية الحقيقية لهذا العميل ما يدل على أنه قد تعاون مع الأشخاص المسؤولين عن هذا التحقيق.

وأوضحت الصحيفة أن العملية شملت إنشاء المئات من حسابات البريد الإلكتروني، وباي بال، والحسابات المصرفية، وحتى تراخيص قيادة مزورة لأمريكيين وهميين. ومن جهة أخرى، استخدم الروس هويات تابعة لأمريكيين حقيقيين التي تحصلوا عليها من أرقام الضمان الاجتماعي المسروقة. 

وفي ذروة الحملة الانتخابية لسنة 2016، استخدم قرابة 80 شخصا خوادم الكمبيوتر الموجودة داخل الولايات المتحدة لإقامة شبكات خاصة افتراضية. ما مكنهم من لعب دور نشطاء الحملة الأمريكية من خلال التواصل عبر البريد الإلكتروني وتقديم المشورة، وسداد المدفوعات إلى أمريكيين حقيقيين الذين اعتقدوا بأنهم كانوا جزءا من نفس القضية. ومن خلال كل هذا التمويه، استطاع العملاء الروس إخفاء هويتهم الحقيقية.

وأكدت الصحيفة أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا فعالا في المخطط الروسي من أجل التأثير في الانتخابات الأمريكية، حيث نشر الروس منشورات مثيرة للانقسامات وتحرض على الكراهية. وفي هذا السياق، قدّر فيسبوك أن المنشورات الروسية المزورة قد وصلت إلى قرابة 126 مليون منشور أمريكي.

وبينت الصحيفة أن العملاء الروس اتصلوا بناشط من ولاية تكساس، الذي اعتقد أنهم أمريكيون، ونصحوه بالتركيز على "الولايات الأرجوانية مثل كولورادو، وفرجينيا، وفلوريدا". وقد اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالي فيما بعد أن مصطلح "الولايات الأرجوانية " أصبح شعارا للعملية الروسية.

وفي هذا الإطار، أفاد العميل السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، كلينتون واتس، الذي كان يراقب الحملة الروسية عن كثب، أنه "لا يشك بتاتا في أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان وراء هذا المخطط الذي نفذته الشركات التي يسيطر عليها صديقه وحليفه، يفغيني بريغوجين". كما أشار إلى أن "المتصيدين" الذين استخدمهم السيد بريغوجين اتخذوا خطوات مفصلة لإخفاء هوياتهم ومواقعهم، وتجنبوا ترك بصمات تدل على ضلوع الحكومة الروسية في هذا المخطط البونزي.

وفي الختام، نوهت الصحيفة بأن بوتين قد نفى في العديد من المناسبات تورط الحكومة في عمليات القرصنة والتضليل التي استهدفت الولايات المتحدة، في حين سمح للعملاء الروس بشن مثل هذا الهجوم على الديمقراطية الأمريكية.