كتب الصحافي
الأفغاني المقيم في كابول عالم لطيفي، مقالا في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عن الطريقة التي جندت فيها الجمهورية الإسلامية
الإيرانية اللاجئين الأفغان في الحرب الأهلية السورية والدفاع عن نظام بشار
الأسد.
ويقول الكاتب إن "الحرب والفقر شتتا الأفغان حول العالم مثل الشظايا، فملايين الأفغان كبروا في المخيمات في باكستان وإيران أو دول الخليج، والهجرة مستمرة، إلا أن السنوات القليلة الماضية أضافت بعدا قاتلا للشتات الأفغاني، وهي المعركة من أجل بشار الأسد في
سوريا".
ويشير لطيفي في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن عبدول أمين (19 عاما) ترك وادي باميان، الذي يعد من أفقر المناطق في أفغانستان، وتوجه إلى إيران من أجل العثور على عمل في إيران، التي يعيش فيها مليونا لاجئ أفغاني بطريقة غير شرعية، وكانت شقيقته وزوجها يعيشان في أصفهان، وكان يأمل أن يحسن من مستواه المعيشي في منطقته الزراعية في وادي باميان الفقير، ففي هذا الإقليم يعيش حوالي ثلثي المواطنين على أقل من 25 دولارا في الشهر، ولهذا يضطر السكان الفقراء، خاصة الشباب منهم للسفر بطريقة غير شرعية إلى إيران؛ بحثا عن عمل، حيث ينتهي الأمر بالكثيرين منهم، مثل أمين، يقاتلون في حروب الآخرين
ويلفت الكاتب إلى أن "أمين استطاع الحصول على عمل في البناء براتب شهري مقداره 200 دولار في أصفهان، وفي الشهر الماضي استخدم راتبه القليل وسافر مع مجموعة من اللاجئين إلى كربلاء؛ لزيارة الأماكن المقدسة لدى الشيعة، والمدينة التي قتل فيها الحسين بن علي، حفيد النبي محمد، وكانت الرحلة دفعة روحية له، لكنها تركته دون عمل لثلاثة أشهر، ومثل بقية اللاجئين الأفغان في إيران عانى أمين من التمييز، وعاش في خوف دائم من أنه سيرحل إلى بلاده، ونقل عنه قوله: (إنها ليست بلدنا بل هي للغرباء، فلا خيار أمامنا، فإما أن تعاني وتحاول البحث عن عيش أو تموت)".
ويستدرك لطيفي بأن أمين وجد نفسه في الشتاء الماضي أمام عرض من السلطات الإيرانية، يستطيع بموجبه الحصول على إقامة قانونية في إيران، وبهذا يتخلص من مخاوف الترحيل المستمرة التي تلاحقه، حيث قدم له المسؤولون عرضا مغريا؛ إقامة لمدة 10 أعوام و800 دولار في الشهر لو وافق على السفر إلى سوريا "والقتال لحماية" مزار السيدة زينب حفيدة النبي محمد.
ويذكر الكاتب أن نظام الأسد كان في عام 2013 يتراجع عسكريا، ولهذا ضخت إيران مليارات الدولارات في سوريا، ودفعت بحزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية ومن أفغانستان وباكستان والمناطق التي يعيش فيها الشيعة حول العالم للقتال في سوريا؛ دفاعا عن الأسد والمزارات الشيعية في دمشق وحلب والرقة، مستدركا بأن استخدام المليشيات الشيعية كان عنصرا آخر في معركة أكبر للنفوذ في منطقة الشرق الأوسط، التي يديرها قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني.
وينوه لطيفي إلى أن العلاقة بين إيران وسوريا تعود لعقود، حيث دعمت الأخيرة طهران في الحرب العراقية الإيرانية، بالإضافة إلى أنهما تشتركان في عدائهما لإسرائيل، وعلاوة على هذا كله، فإن سوريا تعد منطقة عبور للأسلحة التي ترسلها إيران لحزب الله اللبناني، حيث ترسل إيران معظم الأسلحة إلى الحزب اللبناني عبر سوريا؛ ولهذا فإن بقاء الأسد في السلطة يعني استمرار وصول الأسلحة للحزب اللبناني.
ويكشف الكاتب عن أن طهران تقوم ببناء ممر بري عبر سوريا إلى البحر المتوسط، حيث أنه بعدما طلبت إيران من
حزب الله المشاركة في الحرب السورية، فإنها شكلت ما أطلقت عليه "لواء الفاطميين" في عام 2014، وجاء معظم أفراده من اللاجئين الأفغان، الذين دربهم الحرس الثوري ومقاتلو حزب الله، وقدر عدد أفراده بما بين 8 آلاف إلى 14 ألف مقاتل، فكان معظم المقاتلين في البداية من الشيعة "الهزارة"، الذين أقاموا في إيران بعد وصول حركة طالبان للسلطة في أفغانستان، مشيرا إلى أن استخدام إيران للهزارة الأفغان كان مماثلا لاستخدام الباكستان البيشتون الأفغان لإنشاء حركة طالبان في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
ويبين لطيفي أن إيران بدأت في السنوات الأخيرة تستهدف اللاجئين غير الشرعيين، مثل أمين، الذي وصل قبل فترة إلى أراضيها؛ بحثا عن مصدر رزق، منوها إلى أن السلطات الإيرانية استغلت الإيمان الشيعي، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي، والإقامة غير الشرعية، لدفع هؤلاء من أجل السفر إلى سوريا، ققدمت الدعاية الإيرانية الحرب في سوريا ضمن الكفاح الشيعي لحماية الطائفة والمزارات الشيعية.
وينقل الكاتب عن الباحث في منظمة "هيومان رايتس ووتش" أحمد شجاع، قوله: "لم يكن لدى المقاتلين أي معرفة بالسياق الأمني والسياسي الذي سيزحفون باتجاهه"، وأضاف: "لم يكونوا يعرفون اللغة العربية، أما معظمهم لم يسافر خارج أفغانستان أو إيران، وهم غير متعلمين، ومعظمهم كانوا ملتزمين بالإيمان الشيعي".
ويقول لطيفي إن "أمين مثلا، اعتقد أن الحرب في سوريا نتجت بسبب نزاع بين جبهة النصرة، التي أنشئت في حوالي 2012، ونظام الأسد، واندلعت الحرب لأن زعيم جبهة النصرة، (الذي اعتقد أنه قريب من الأسد نفسه)، كان يريد بناء مخزن فوق المسجد، ولهذا اندفع الأسد العلوي لحماية المسجد والمزارات الشيعية في البلاد كلها، وردت النصرة، بحسب ما قيل لأمين، لإسقاط النظام وتدمير المساجد".
ويشير الكاتب إلى أن أمين تلقى تدريبا على استخدام السلاح على يد الحرس الثوري ومقاتلي حزب الله لمدة شهر، لافتا إلى أن هناك من دُرب على سلاح القناصة، وآخرون تم تدريبهم في سلاح المدفعية، وبعد شهر نقل إلى سوريا ليقاتل في جبهة دمشق وحلب.
ويوضح لطيفي أن الإيرانيين والأسد استخدموا المقاتلين الشيعة، مثل أمين، قوات صدمة، حيث قال: "كنا أول من يتقدم في العملية"، مشيرا إلى أن عددا منهم نشروا مذكرات قصيرة على تطبيق "تلغرام"، التي قام بدراستها شجاع، وتكشف أن معظم المقاتلين الأفغان تم الدفع بهم للقتال في معارك صعبة، أدت إلى ضحايا كثر في صفوفهم، وشارك هؤلاء في مواجهات في دمشق وحلب واللاذقية وحمص وحماة وتدمر.
ويلفت الكاتب إلى أن أمين كان يقاتل في دمشق مع القوات الحكومية في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر؛ لمساعدتها على استعادة الجزء الشرقي من المقاتلين، فقاتل هو ومئات من الشباب الأفغان تحت قيادة الحرس الثوري.
وبحسب لطيفي، فإن المليشيات الشيعية أدت دورا مهما في دعم نظام الأسد، وقدمت له القوات البرية التي يريدها، خاصة في معركة استعادة الجزء الشرقي من مدينة حلب، حيث حرف النصر في هذه المدينة مسار الحرب، وأدى كما قال الباحث جوشوا لانديز إلى "تقوية المحور الإيراني الممتد من لبنان إلى إيران".
وينوه الكاتب إلى أن المئات من اللاجئين الأفغان قتلوا في سوريا، وتم الاحتفال بنعوشهم في طهران وقم قبل دفنها، فيما زار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله خامنئي عائلات القتلى، وعبر عن شكره للتضحيات التي قدمتها دفاعا عن المزارات الإسلامية المقدسة.
ويقول لطيفي إنه قابل في كانون الثاني/ يناير مرتضى (21 عاما) في مخيم اللاجئين القريب من مطار إلينيكو في أثنيا، وعاش في قم، الذي قال: "لم يستعرضوا مقاتلين إيرانيين قتلوا في سوريا"، وزعم مرتضى أنه شاهد مئات القبور للاجئين الأفغان الذين قتلوا في سوريا، وقال: "هي محاولة منهم لإقناع الإيرانيين أن الأفغان هم الذين يموتون في سوريا وليس الإيرانيين".
ويذكر الكاتب أن المعارض السوري هيثم المالح كتب رسالة للرئيس الأفغاني أشرف غني، في حزيران/ يونيو 2016، يطلب فيها منه وقف تدفق اللاجئين الأفغان، لافتا إلى أن عدد القتلى الأفغان في حرب الأسد أدى بعدد من القادة الأفغان للحديث علنا ضد السياسة الإيرانية، حتى أن قلب الدين حكمتيار، الذي عاد إلى كابول بعد صفقة سلام مع الحكومة، انتقد إيران.
ويورد لطيفي أن البعض يعتقد أن حوالي 600 أفغاني قتلوا في سوريا، حيث يقول أمين إن 15 من زملائه قتلوا في سوريا، مشيرا إلى أنه بعد أن جرح أمين فإنه عاد إلى باميان وفي يده إقامة لمدة 10 أعوام في إيران أو سوريا ما بعد الحرب إن رغب الإقامة فيها، أما الغالبية من الأفغان الذين قاتلوا معه فقد فضلوا الإقامة في إيران، ويتواصل معهم عبر "تلغرام".
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن الحياة في باميان، التي عاد إليها أمين، لا تزال هادئة وفقيرة، والطرق المؤدية إليها خطيرة، حيث يقول أمين إنه عاد للبحث فيما إن كانت الحياة جيدة، وفي حالة زاد الوضع سوءا فإنه سيعود إلى إيران دون الخوف من الترحيل.