يبدو أن الأزمة الخليجية لن تنتهي دون أن تنعكس نتائجها السلبية استراتيجيّا على المنطقة عموما وسوريا خصوصا، فقد أفضت الأزمة إلى جعل بأس العرب فيما بينهم شديدا، وربما تدفع الأزمة لخارطة تحالفات جديدة لا تصب في صالح العرب، فيلاحظ المتتبع للتطورات الاستقواء بالأمريكي من جهة، والاضطرار لنسج تحالفات مع دول إقليمية من جهة ثانية. وتبقى هذه التحالفات ذات نتائج آنية مرحليّة يتكفل الزمن بمحو آثارها في حال عودة المياه إلى مجاريها.
ولكن الخطر يتمثل في دفع الأزمة الخليجية بعض الأطراف لاتخاذ خطوات متهورة ستكون نتائجها كارثية على المنطقة بأسرها، فالتقارب القطري التركي العراقي الإيراني قد يقابل بدعم غير محسوب العواقب للأكراد بإقامة الدولة الحلم، التي يعتقد كثير من الكرد أنّ الوقتَ باتَ مواتيا لتحققه، وعبر شلال كدو رئيس حزب اليسار الديمقراطي الكردي عن ذلك، قائلا: إن المرحلة الحالية فرصة ذهبية للأكراد عامة وللسوريين منهم خاصة لتأسيس دولتهم.
ويستند الكرد لجملة روافع تدعم حلمهم القومي منها: الدعم الغربي للقضية الكردية. ففي الوقت الذي منعت فيه ألمانيا وكثير من الدول الغربية مظاهر الدعاية للاستفتاء على تعديل الدستور التركي سمحت للمعارضة الكردية بإطلاق العنان لسهامها المسمومة باتجاه حكومة العدالة وأردوغان تحديدا، وفي شمال العراق يعقد الغرب صفقات عسكرية بعيدا عن حكومة بغداد. ولا يختلف الحال في
سوريا إذ يقدم الغرب دعما عسكريا للأكراد تدريبا وتسليحا، ويلاحظ أن دافع الانتقام من حكومة العدالة والتنمية وفرملتها العامل الرئيس وراء الدعم الغربي للكرد، ويبقى الدعم الغربي محدودا مقارنة بالدعم الأمريكي المباشر عسكريا وسياسيا، فلم تفلح زيارة أردوغان بثني الأمريكان عن دعم الكرد بل أعقبها تدفق شحنات الأسلحة التي يدعي الأمريكان أنها لحرب تنظيم الدولة فقط. وتتحدث بعض المواقع عن اتفاقية عسكرية بين الكرد والولايات المتحدة مدتها 10 أعوام تنص في أحد بنودها على إنشاء إقليم ذاتي للكرد في كوردستان سوريا. ورغم نفي هذه الاتفاقية إعلاميا، إلا أنّها تنفذ على الأرض واقعيا.
أما الدعم الجديد فيمثله الدول الخليجية المُخاصِمة لقطر، ولا سيما دولة الإمارات العربية، إذ تعتقد هذه الدول أنّها تنتقم من إيران وتركيا وحكومة بغداد الموالية لإيران وقطر معا إذا دعمت مشروع الكرد في تحقيق دولة الحلم.
وثمة عوامل تجعل هذا الدعم مثمرا فللكرد تجمعات بشرية تعزز فرص النجاح، إذ يتركز حوالي 6 ملايين كردي شمال العراق في ثلاث محافظات (السليمانية، أربيل، دهوك)، ويشكل غالبية جنوب شرق تركيا، خلافا لسوريا التي يعيشون فيها على شكل شامات، وهذه التجمعات البشرية قد تطالب بمبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها تمهيدا للدولة الحلم، ويأتي الاستفتاء الذي سيجريه إقليم كردستان في 25 أيلول/ سبتمبر القادم خطوة على هذا الطريق.
ويأتي العامل الاقتصادي ثانيا، فالكرد سواء في سوريا أم العراق يتواجدون في مناطق غنية بالنفط، ما يوفر لها وضعا اقتصاديا مريحا يعد ضروريا لإعلان الدولة، ويستطيع الداعمون (الغرب، الولايات المتحدة، دول الخليج) تأمين الغطاء السياسي، والاعتراف الدولي بالكيان الوليد.
وذلك لا يعني التسليم بقيام هذا الكيان إذ تواجه دولة الحلم ثلاثة عوامل تتعاضد لمنع الدولة الكردية العامل الأول الخارطة الجغرافية للكرد، إذ يتموضعون في منطقة مغلقة ليس لها منفذ إلى البحر، وما يزيد الطين بلة بالنسبة لها أن هذا الكيان محاط بقوى تحارب قيام الدولة الحلم، فسوريا والعراق وإيران وتركيا لن يقبلوا بهذه الدولة، وتعاونت سابقا رغم عدائها لإجهاض دولة الحلم، ومستعدة للتعاون من جديد لمنعه وفق تصريحات المسؤولين في هذه الدول.
ويلعب توزعهم الجغرافي وعددهم دورا في فشل مشروع الدولة الحلم فوفق دراسة علمية أجراها مركز للدراسات تبيّن أن
الأكراد لا يشكلون أكثر من 6 في المئة في سوريا خلافا لما يدعيه كثير من الساسة الكرد، حتى مدينة الحسكة التي يتحدث الكرد عن وجود أغلبية ساحقة فيها؛ لا يشكل الكرد فيها سوى 29 في المئة.
ولعل محاولة إيجاد دولة الحلم دون موافقة الدول الإقليمية ذات الشأن، ولا سيما تركيا وإيران يغدو عبثا سياسيا، واستهدافا لوجود الكرد أنفسهم، وحقوقهم كمواطنين فالدعم الغربي أو الخليجي أو الأمريكي لن يكون سرمديا، وبالتالي فإننا نرى أن قيام دولة الحلم سيكون مؤقتا وليس هدفه الحقيقي إعطاء الإخوة الكرد حقوقهم. فبالإمكان العمل على إعطائهم كافة حقوقهم بما فيها السياسية ضمن الحدود السياسية الحالية للدول لأن التلاعب بالحدود في هذا الوقت هدفه إعطاء الشرعية لإسرائيل المولودة في أنبوب سياسة الغرب الاستعماري حديثا. ونستحضر هنا الجزيرتين المصريتين (تيران صنافير) اللتين قدمتا للمملكة السعودية من نظام السيسي خلال ترسيم جديد للحدود يخدم إسرائيل، تماما كالدولة الكردية، ولكن بأبعاد أخرى وزوايا أخرى، ولا عجب أن يتتابع التشظي والانقسام ونجد مطالبات بالاستقلال من أقليات إثنية أو دينية تحت بند حرية الشعوب في تقرير مصيرها. وهنا قد تحرق دول خليجية نفسها بنار أشعلتها دون أن تدري عواقب سياساتها، وستكون هذه الخطوة عاملا رئيسا في جذب الإرهاب واستمرار الصراعات في منطقة أحوج ما تكون للسلام.