أكد خبراء أن
مصر تشهد موسما من شح
المياه منذ أسابيع، متوقعين أن تتفاقم الأزمة مع بدء إثيوبيا ملء خزان "
سد النهضة" في تموز/ يوليو المقبل، وسط عجز واضح من نظام قائد الانقلاب عبدالفتاح
السيسي عن حل الأزمة.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الري في حكومة الانقلاب، وليد حقيقي، في أيار/ مايو الماضي، أن إثيوبيا ستبدأ بملء خزان سد النهضة الشهر المقبل؛ لاستغلال الوفرة المائية، تزامنا مع موسم فيضان
النيل.
وكان خبير الموارد المائية، محمد حافظ، قال على صفحته في "فيسبوك" إن مصر مقبلة على كارثة مائية في تموز/ يوليو المقبل، موضحا أن "المياه المخزنة في بحيرة ناصر آخذة في التناقص مع سحب مصر كميات من المخزون الاستراتيجي"، وأنه "بعد تأمين مياه الري للمحاصيل الصيفية نهاية يوليو/ تموز المقبل، لن يتبقى في البحيرة سوى 12 مليار متر مكعب فقط، ما يعني دخول مصر في أزمة
عطش وجفاف عميقة في حال بدأت إثيوبيا تخزين المياه في سد النهضة، ومنعت المياه من التدفق إلى مصر".
وأكد مسؤولون مصريون أن البلاد دخلت رسميا في مرحلة الفقر المائي؛ حيث صرح رئيس قطاع توزيع المياه بوزارة الري الانقلابية، عبداللطيف خالد، لوكالة الأناضول الأسبوع الماضي، بأن "فيضان نهر النيل في العام الماضي كان الأسوأ منذ 113 عاما"، مؤكدا أن "مصر اضطرت إلى السحب من المخزون الاستراتيجي للمياه في بحيرة ناصر".
لا تفاؤل
ويقول مراقبون إن مصر لم يعد أمامها سوى الضغط على إثيوبيا، والتفاوض معها حول مدة وتوقيت ملء خزان سد النهضة، بحيث يتم التخزين عند وجود فيضان مرتفع، والتوقف عن الملء عند انخفاض الفيضان؛ حتى لا تتضرر مصر.
وفي هذا السياق، قال الخبير المائي نادر نور الدين، إن "مصر تواجه أزمة حقيقية بسبب سد النهضة، وسبق أن حذر الجميع من خطورة هذه الطريقة في التعامل مع إثيوبيا".
وأعرب عن عدم تفاؤله بإدارة النظام الحالي لهذا الملف، مؤكدا أن "حقوق الأجيال القادمة يتم إهدارها؛ بسبب سياسات فاشلة، وعدم القدرة على حل الأزمة بشكل مناسب".
وأوضح لـ"عربي21" أن حصة مصر من مياه النيل في تناقص مستمر منذ بدء إثيوبيا بإنشاء السد، "وعندما تبدأ في ملء خزان السد ستتناقص حصتنا في المياه أكثر مما هي عليه الآن، وهو أمر كارثي؛ لأن مصر تحصل على 90 بالمئة من احتياجاتها من المياه من نهر النيل".
وطالب نور الدين نظام السيسي بـ"أخذ موقف جاد خلال الأيام القادمة مع إثيوبيا؛ لأن احتياطات المياه خلف السد العالي بأسوان وبحيرة ناصر تقل بشدة، وليس لدينا بدائل استراتيجية أخرى لتوفير المياه لملايين المصريين".
ثورة عطش قادمة
من جانبه، أكد الخبير في الشؤون الأفريقية، محمد شوقي، أن "ملف سد النهضة تمت إدارته منذ البداية بطريقة خاطئة، سواء من النظام الحالي أو الحكومات المتعاقبة منذ ثورة كانون الثاني/ يناير 2011"، مشيرا إلى أنه "كان يجب معالجة الأزمة سياسيا، خاصة مع إثيوبيا".
وقال لـ"عربي21" إن "مصر تعاني من نقص المياه، وإذا بدأت إثيوبيا بملء خزان السد، فإن ذلك سيؤدي إلى تعرض المصريين لخطر العطش، فضلا عن خسارة تأثر توليد الطاقة الكهربائية عبر مياه السد العالي المتناقصة".
ولم يستبعد قيام "ثورة عطش" في مصر، مشيرا إلى أن "نقص المياه يتم بشكل تدريجي، ما يعني أن نتائج تلك الكارثة ستظهر خلال سنوات قليلة حينما تصبح كميات المياه لا تكفي احتياجات مصر من الزراعة أو الشرب، ووقتها قد نشهد اضطرابات واحتجاجات على هذه الأزمة".
وأكد شوقي أن "الحل لا بد أن يكون سياسيا من خلال تفاهمات محددة مع إثيوبيا بعدم تقليل نسبة المياه التي تأتي إلينا، خاصة بعد أن اضطررنا للسحب من الاحتياطي الاستراتيجي في بحيرة ناصر".
استراتيجية بديلة
وأعلنت حكومة الانقلاب عن خطة استراتيجية لمواجهة نقص المياه، تتضمن ترشيد استخدام مياه نهر النيل، بالإضافة إلى البحث عن موارد جديدة للمياه، مثل جلب الفواقد المائية في أعالي النيل بجنوب السودان وإثيوبيا، وتحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي؛ لإعادة استخدامها مجددا.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الري بحكومة الانقلاب، محمد عبدالعاطي، أن مصر ستنفذ استراتيجية تستغرق 20 عاما حتى 2037 لتحليه مياه البحر، ومعالجة الصرف الصحي، بتكلفة تصل إلى 900 مليار جنيه.
ويقول خبراء إن الصدام بين مصر وإثيوبيا قادم لا محالة؛ بسبب مماطلة أديس أبابا في المفاوضات، واستمرارها في بناء السد، متجاهلة مخاوف نظام السيسي الذي يبدي قلقه البالغ على نقص حصة مصر المائية، المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب؛ جراء بناء سد النهضة الإثيوبي، في حين تؤكد أديس أبابا أن بناء السد لن يضر بمصر.