تأتي زيارة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب إلى الشرق الأوسط في سابقة هي الأولى من نوعها؛ منذ الزيارة الأولى للرئيس فرنكلين روزفلت عام 1943م للشرق الوسط والتي بدأت من مصر، وتأتي الزيارة في ظل أوضاع أقل ما يقال فيها أنها المنطقة الأكثر اضطراباً في العالم. فهل لزيارة ترامب علاقة بالأوضاع في الشرق الأوسط، أم أنه تبدل في أولويات الإستراتيجية الأمريكية؟ السؤال الذي يطرح نفسه لماذا اختار الرئيس ترامب الشرق الأوسط بخلاف الرؤساء الأمريكان السابقين منذ عهد روزفلت حتى أوباما. فقد جرت العادة أن يبدأ الرؤساء الأمريكان منذ روزفلت بزياراتهم بالمحيط الإقليمي، إما الجار الكبير كندا التي زارها سبعة رؤساء، أو المكسيك التي زارها ثلاثة رؤساء، أو بروكسل عاصمة الأطلسي في بلجيكا بزيارتين، وزيارة واحدة إلى بريطانيا الحليف الأول لأمريكا في العالم.
الرئيس ترامب هو رئيس غير تقليدي جاء للتغيير، فهل يغير الرئيس الأمريكي قواعد جرت كمسلمات في السلوك الدبلوماسي الأمريكي المرتبط بالصراع العالمي، وبالنظر إلى كل الزيارات السابقة للرؤساء الأمريكان، فإن المراقب سيجد أن الزيارات تشير إلى الاستراتيجية الأمريكية القائمة على ضمان الهيمنة الإقليمية، والتي تبدأ في ضمان علاقات متينة مع الجيران، حيث نجد 10 زيارات من بين 13 زيارة إلى أحد الجارين كندا او المكسيك، وزيارتين لقيادة الناتو في بلجيكا، وهي إشارة طبيعية إلى أهمية حلف الناتو في الاستراتيجية الأمريكية في عهدي هاري ترومان الذي بدأ في عهده تأسس الحلف، و زادت أهمية الحلف عندما اشتدت الحرب الباردة بين القطبين السوفييتي- الأمريكي في عهد نيكسون.
أما الأخيرة، فهي زيارة الرئيس جيمي كارتر لبريطانيا في أول زيارة له للخارج. فقد جاءت على خلفية محاولة كارتر ترميم العلاقات التي تدهورت بين البلدين الحليفين بسبب رفض بريطانيا تبني وجهة النظر الأمريكية في حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل، والتي ازدادت تدهوراً فيما بعد خلال عهدي الرئيسين الجمهوريين ريتشارد نيكسون وجيرلد فورد، وهذا التحرك من كارتر نظراً لإدراكه لأهمية بريطانيا في المصالح الاستراتيجية الأمريكية في تلك الفترة.
وعليه، فإن اختيار
السعودية كأول بلد يزوره الرئيس ترامب مؤشر على أهمية هذا البلد في استراتيجيته، ولا سيما أنها تأتي بعد توتر في العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس أوباما حول الملفات الإقليمية، والتي ازدادت سوءاً مع تغاضي الرئيس عن صدور قانون محاسبة السعودية "جاستا"، ولذلك فهو مثل سابقيه من الرؤساء، يسعى إلى استعادة التحالف القديم بين البلدين عبر أكثر من 65 عاما، وهنا لا بد من طرح التساؤل على الأهمية التي يوليها ترامب على السعودية وللإجابة على هذا التساؤل يمكن وضع الفرضيات التالية:
أولاً: الاستراتيجية الأمريكية الأساسية التي بدأ منها الرئيس ترامب، وهي "أمريكا أولاً"، المرتبطة بالنظرة الاقتصادية للرئيس تجاه العالم الخارجي، وفي هذا المجال يوجد الكثير الذي يمكن تناوله، هنا لكن سنُجمِل الأمر في عدة نقاط توضح أهمية الزيارة لمصلحة الاقتصاد الأمريكي:
- السعودية من أكبر الشركاء الاقتصاديين للولايات المتحدة، بمبلغ إجمالي يصل إلى 100 مليار دولار، وتزداد الأهمية بعد الصفقات الاقتصادية مع المملكة التي وقعها ولي العهد الثاني محمد بن سلمان، والتي تفوق 300 مليار دولار، سواء في مجال السلاح، أو الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة بين البلدين، والتي يقال إنها ستفتح مليوني فرصة عمل في الولايات المتحدة.
- تعد منطقة الخليج أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، حيث تبلغ نسبة الواردات الأمريكية من الخليج حوالي 26 في المئة من إجمالي وارداتها من العالم، جزء كبير منها من النفط الذي يعاد تصنيعه وتصديره.
- أهمية استقرار السعودية لاستقرار الاقتصاد العالمي، بما تملكه من مخزونات الطاقة، كما يعد مضيق هرمز أهم ممر لصادرات الطاقة العالمية إلى أمريكا وشرق آسيا. فاستقرار هذه المنطقة مهم جداً للاقتصاد العالمي، لذلك فإن الإدارة الأمريكية ستسعى إلى إقناع السعودية لزيادة إنفاقها العسكري لضمان الاستقرار في المنطقة، خاصة بعد أن تراجع الإنفاق السعودي العسكري بسبب التراجع في أسعار النفط.
ثانياً: في ظل سعي أمريكا إلى تعزيز هيمنتها على النظام العالمي من خلال استراتيجية الاحتواء للعملاق الصيني - وبدرجة أقل الهند - يحتاج هذا إلى زيادة الهيمنة على موارد الطاقة العالمية التي تمد الاقتصاد الصيني الذي يشكل تحدياً كبيراً على الهيمنة الأمريكية، علاوة على ضمان استمرار تدفق النفط لحلفائها في أوروبا وفي شرق آسيا.
ثالثاً: يدخل في إطار الهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط أنه لا بد من منع أي قوى أخرى أن تهيمن على الإقليم. وإن كانت الإدارة الأمريكية السابقة قد فتحت الباب أمام القوى الدولية والإقليمية لترسيخ نفوذها في المنطقة، فإن الإدارة الأمريكية الحالية ستعمل على حشد القوى الإقليمية من أجل لجم التمدد الإيراني (خاصة في سوريا والعراق ولبنان واليمن) المدعوم من قبل كل من الصين وروسيا، ما يزيد من حساسية الموقف الأمريكي. لذلك فإن الرئيس يعد للقاء قمة مع 37 دولة إسلامية ستجتمع في الرياض، وبذلك فإن المساعي الأمريكية تتعدى السعودية بذاتها إلى المكانة الروحية للسعودية كزعيمة للعالم الإسلامي، الأمر الذي يشكل غطاء لأحد أهم أولويات الرئيس ترامب، وهو "محاربة الإرهاب الإسلامي" أو "الإسلام المتطرف" الذي تمارسه داعش وأخواتها.
رابعاً: سعي الإدارة الأمريكية لإحداث انطلاقة في مسيرة السلام في الشرق الأوسط، من إيجاد غطاء عربي وإسلامي للمفاوضات المحتملة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهذا ما قد يفتح الباب إلى تحالف عربي إسرائيلي في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.