نشرت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، تقريرا حول مدى تقدم الجهود التي تقوم بها الحكومة الألمانية من أجل مساعدة مليون و200 ألف لاجئ على الاندماج الاجتماعي، من خلال توفير فرص تعلم
اللغة الألمانية والتدريب والعمل، لافتة إلى أن ألمانيا "استقبلت
اللاجئين في سنتي 2015 و2016 بكثير من الارتجال وغياب التخطيط".
وتحدثت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، عن وضع اللاجئ السوري ديلشاد جارو (27 عاما) الذي يعيش في مجمع سكني خاص باللاجئين في شرق مدينة هامبورغ منذ أسابيع، موضحة أنه "يعكف في غرفته على تعلم قواعد اللغة ونطق الكلمات الألمانية، منذ أن تم نقله للعيش هنا بصحبة زوجته وابنه ووالدته".
وقالت إن هذه العائلة تتمتع في مسكنها الجديد بمساحة تناهز 15 مترا مربعا، وتحصل على الأثاث والتدفئة، وتشعر بالأمان على بعد ثلاثة آلاف كيلومتر من الحرب الأهلية التي تمزق
سوريا.
وأشارت إلى أن ما تحقق لعائلة ديلشاد يعد صعبا ونادرا، نظرا لقلة عدد اللاجئين الذي يحظون بهذا القدر من الراحة النسبية في وطنهم الجديد ألمانيا، مؤكدة أنه "على الرغم من كثرة التحديات؛ إلا أن السلطات الفيدرالية، والمسؤولين المحليين في المدن، يبذلون جهود حثيثة لحل المشاكل التي ظهرت خلال السنتين الماضيتين".
وعرضت الصحيفة أبرز المشاكل التي تواجهها السلطات الألمانية، والتي تتمثل في توفير المسكن لللاجئين بعد إخلاء قاعات الرياضة التي استعملت في البداية لإيوائهم لتعود إلى وظيفتها الأصلية، ثم العمل على إلحاق أغلب اللاجئين بحصص
إدماج لتعليم اللغة الألمانية، لافتة إلى أن "الحكومة الألمانية أنفقت خلال العام الماضي أكثر من 14 مليار يورو من أجل إيواء ومساعدة وإدماج اللاجئين".
وأكدت أن ملف الإسكان شهد تقدما ملحوظا، إذ إن أغلبية اللاجئين تم إخراجهم من ظروف العيش السيئة إلى مساكن أكثر راحة. وفي هذا السياق؛ صرح إيلكيبر ايتنباخ، الذي يدير برنامج الإدماج في مدينة برلين، بأن "الأوضاع المزرية التي عاشها اللاجؤون في قاعات الرياضة قد وضع لها حد، بعد أن كانت 63 قاعة ألعاب قوى تستعمل كملاجئ في أيلول/سبتمبر 2015، وكان يعيش فيها أكثر من 10 آلاف لاجئ".
وأشارت الصحيفة إلى أن المشكل الرئيس الذي يواجهه اللاجؤون، يتمثل في نقص العقارات المعدة للسكن في ألمانيا، حيث تشكو مدينة برلين فقط من نقص حوالي 130 ألف شقة سكنية صغيرة مناسبة لذوي الدخل المحدود، "لهذا السبب؛ فإن اللاجئين غير قادرين على منافسة الألمان فيما يخص تحمل أسعار السكن".
"أما فيما يخص تعلم اللغة الألمانية؛ فقد تم إطلاق حوالي 15 ألف مبادرة في عامي 2015 و2016 من أجل مساعدة اللاجئين، عبر تنفيذ برامج تركز على الترحيب بالقادمين الجدد وتعليمهم اللغة المحلية. ويوفر المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين دروس إدماج للأجانب في كامل أنحاء البلاد، تتضمن مزيجا من التدريب اللغوي والتوعية المدنية للقادمين الجدد. كما تتكفل الدولة بتغطية نفقات هذه العملية بالنسبة لمن تحصلوا بشكل رسمي على صفة لاجئ".
وأوضحت الصحيفة أن هذه البرامج، التي وضعها المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين، يواجه فيها اللاجؤون منافسة كبيرة من الأجانب القادمين من دول الاتحاد الأوروبي، إذ إن الأفغان على سبيل المثال "لا يمتلكون فرصة نيل اللجوء في ألمانيا، حيث لا تتجاوز نسبة الطلبات المقبولة بشكل رسمي 50 بالمئة، فضلا عن أنهم لا يحظون بالأولوية في عمليات الإدماج. ومن هذا المنطلق؛ فإن السوريين يتمتعون بحظوظ أفضل في هذا المجال؛ لأن الأولوية القصوى ممنوحة لهم".
وفي ما يخص ملف التدريب والعمل؛ بينت أن 10 بالمئة من اللاجئين المتراوحة أعمارهم بين 15 و64 سنة، حصلوا إلى حد الآن على وظائف خلال النصف الثاني من سنة 2016، "وقد تبدو هذه النسبة ضعيفة جدا، ولكن تجدر الإشارة إلى أن أغلب هؤلاء مطالبون أولا بتعلم اللغة، والحصول على تدريب إضافي قبل الاندماج في سوق الشغل".
وأكدت الصحيفة أن أصحاب الشركات في ألمانيا يشتكون من البيروقراطية وتعطيل الدولة لعمليات انتداب اللاجئين للعمل، حيث تستغرق طلبات اللجوء وقتا طويلا للنظر فيها، ناهيك عن أن دروس تعلم اللغة تشهد اكتظاظا في قائمات الانتظار، بالإضافة إلى أن الشركات تواجه إجراءات لا نهاية لها في حال انتداب لاجئ.
وفي السياق ذاته؛ نشرت صحيفة "فيلت" الألمانية، تقريرا حول الإجراءات الجديدة التي يتم اتخاذها لدفع اللاجئين الذين قوبلت مطالب لجوئهم بالرفض، نحو مغادرة البلاد بشكل طوعي.
وأشارت في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" إلى أن ألمانيا تواجه صعوبة كبيرة في ترحيل اللاجئين غير المرغوب فيهم؛ لأن أغلبهم لا يمتلكون جوازات سفر، ولا يفصحون عن هوياتهم الحقيقية، ولا يبدون أي تعاون في هذا الشأن، موضحة أنه "في ظل هذا الوضع؛ ستقوم السلطات مستقبلا بقطع كل المساعدات المالية والاجتماعية المقدمة لهؤلاء؛ من أجل تشديد الضغط عليهم".
وذكرت الصحيفة أن من بين من تعرضوا لهذه الإجراءات؛ لاجئ يعتقد أنه من أصول كاميرونية، ظل يماطل منذ صدور قرار ترحيله في سنة 2009، وعلى خلفية رفض هذا اللاجئ العودة لبلده؛ قامت السلطات مؤخرا بقطع المنحة الاجتماعية المقدمة له لتغطية نفقات الغذاء والنظافة واللباس، فتوجه بالشكوى إلى المحكمة التي اعتبرت بدورها هذا الإجراء قانونيا.
وبينت أن هناك احتجاجات حول هذا القانون، ومطالبة بفصل الشؤون الاجتماعية والإنسانية عن الملفات القانونية المتعلقة بطلبات اللجوء، "وبناء عليه؛ لا يحق للدولة استخدام المساعدات الاجتماعية كسلاح للضغط لإجبار الأجانب على المغادرة".
وفي الختام؛ أكدت الصحيفة أن السلطات ستعمل في المستقبل على تحديد الجنسية الحقيقية للاجئين المطالبين بالمغادرة، حتى لو استوجب الأمر فرض عقوبات عليهم، وتفتيش أماكن إقامتهم والأجهزة الالكترونية التي تتضمن معلوماتهم الشخصية، كما يمكن في حالات قصوى إيقافهم وإجبارهم على الرحيل بشكل قسري.