تعددت وتنوعت تفسيرات الصحفيين لمفهوم حرية
الصحافة، فمنهم من فسره على أنه حق الصحفي في الوصول للأخبار والمعلومات، بينما فسرها آخرون بأنها حق الصحفي بضرورة غياب الإشراف الحكومي والرقابة الأمنية على عمله، وتجاوز البعض كل الأطر الضيقة المحصورة خلالها واعتبرها أسمى الحقوق الصحفية مشددا على ضرورة توافر أجواء سياسية واقتصادية وأمنية مناسبة وضمانات حقيقية لتحقيقها.
لا شك أن العمل الصحفي يتمتع بأهمية لا تقل عن أهمية أسمى الأعمال الإنسانية، ولا شك أن للصحافة سلطتها المعهودة باعتبارها السلطة الرابعة نظرا لأهمية دورها في تعميم المعرفة والتنوير كما تشكيل الرأي العام تجاه معظم القضايا، إذ أثبتت أنها تملك قوة تأثير على الشعوب أضعاف القوة التي تملكها الحكومات والتنظيمات السياسية والعسكرية.
فحرية الصحافة بكافة مضامينها، كمفهوم حقيقي، ما زالت حتى اليوم حلما وهدفا يكافح لأجله آلاف الصحفيين والمنظمات الصحفية والحقوقية في العالم. وبحسب التقرير الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود، فإن حرية الصحافة تواجه هذه الفترة تهديدات غير مسبوقة، مؤكدة في تقريرها الأخير أن وضع الصحافة خطير للغاية في 72 دولة من أصل 180 دولة شملها التقرير.
في البحث بتفاصيل وأوضاع تلك البلدان، يتضح أن أغلبها تعيش صراعات مسلحة وسياسية، أو بلدان تقودها أنظمة دكتاتورية كسوريا التي تعتبر أكثر البلدان فتكا بحياة الصحفيين، وإيران التي تعتقل عشرات الصحفيين بشكل تعسفي.
في الحقيقة، يبدو من الصعب الحديث عن حرية الصحافة في ظل الوقائع المفروضة على الواقع الصحفي في تلك البلدان، ولا بد من خلق قاعدة متينة للنهوض بصحافة حرة قبل العمل على تحقيق حرية الصحافة. فمن الصعب، وربما المستحيل، الوصول لحرية الصحافة طالما انحصرت الغاية من إنشاء أي مشروع إعلامي بدواع سياسية أو اقتصادية أودينية، أو للترويج لكيانات سياسية وتشكيل رأي عام لصالحها. فسيطرة الفصائل السياسية أو العسكرية على مؤسسة إعلامية ومصدر تمويلها؛ يفرض بالضرورة سيطرتها على محتوى المواد المنشورة ومدى هامش الحرية المسموح به للصحفي.
ما لا يمكن تجاهله عند الحديث عن حرية الصحافة هو توعية الصحفيين والمواطنين الصحفيين بمعايير العمل الصحفي. فمفهوما الموضوعية والحياد، وبالرغم من صعوبة توخيهما، يبقيان جوهر العمل الصحفي، وطريقا مهما لتعزيز قناعة الصحفي بضرورة حصوله على حقه في الحرية والتزامه بأخلاقيات عمله.
بغض النظر عن التهديدات التي تواجه الصحفي، فإن تحقيق مفهوم حرية الصحافة ليس منحة تقدمها الحكومات أو الفصائل العسكرية إنما مبدأ أخلاقي يعززه الصحفي نفسه ولنفسه من خلال التزامه بمعايير وأخلاقيات عمله واحترامه لسمو رسالته، كما من المفترض أن يدعمه القانون.
الحالة السورية اليوم لا يمكن مقارنتها بمثيلاتها في البلدان الأخرى، فمع انطلاق الثورة السورية عرف السوريون للمرة الأولى صحافة حرة شارك بنشأتها نسبة لا بأس بها من الشباب السوري. وبحسب مركز
الحريات الصحفية التابع لرابطة الصحفيين السوريين فإن قرابة 400 منهم قتلوا في سبيل البحث عن الحقيقة ونقلها، بينما يكافح آخرون حتى اليوم لإظهار سمو رسالتهم رغم إمكانياتهم المتواضعة.
على الرغم من تضاعف الصعوبات والتحديات التي تقف في وجه العمل الصحفي في
سوريا اليوم، إلا أن الصحافةالسورية تعيش حالة أفضل من التي عاشتها قبل انطلاق الثورة السورية، حيث كانت كل المؤسسات
الإعلامية حكر الحزب الحاكم وشخصيات اقتصادية لا تمثل إلا الوجه الآخر لذلك الحزب وحكومته. وبالرغم من هيمنة المال ووالسلطة السياسية على بعض المؤسسات الإعلامية الحالية، إلا أن الرهان في مستقبل الصحافة السورية يبقى على صحفيين يعرفون معنى الحرية وذاقوا طعمها ويناضلون من أجلها.