بسبب كثرة حدودها الإدارية مع المحافظات من جهة، وصغر مساحتها الجغرافية من جهة ثانية، لم يعمد
النظام السوري وفصائل المعارضة خلال السنوات السابقة إلى السيطرة على محافظة
حماة.
لكن ما يجري خلال الأسابيع الماضية يختلف عما جرى خلال السنوات الأخيرة، حيث تحولت المحافظة إلى ساحة للكر والفر، مع احتفاظ كل طرف ببعض المواقع الثابتة: المعارضة في الريف الشمالي، والنظام في الجنوب الغربي وأقصى الشمال الشرقي.
أطلقت فصائل المعارضة في 21 آذار/ مارس الماضي معركة حماة "قل واعملوا" دعما لغزوة دمشق التي شنتها فصائل المعارضة في جوبر والقابون، وردا على انتهاك النظام المتكرر للهدنة العسكرية.
أكدت المعارك ضعف قوات النظام في تثبيت سيطرة مستدامة على مدن وبلدات في المحافظة، حيث استطاعت الفصائل الاقتراب بضعة كيلومترات من مدينة حماة، بعد سيطرتها على بلدة صوران ومستودعات خطاب ورحبة خطاب، وقرية خطاب ومداجن السباهي والقش وخربة الحجامة، وبلدة معردس.
لكن بعد استيعاب الهجوم وتوقفه عند بلدة قمحانة قرب سفح جبل زين العابدين، استطاع النظام تجميع قواه بعد استقدام تعزيزات عسكرية من الفرقة الرابعة، والفيلق الخامس، والفرقة 11، واللواءين 87/ 47 وقوات النمر وعناصر من "حزب الله" و"حركة النجباء" العراقية و"لواء فاطميون" الأفغاني، ولواء زينبيون الباكستاني.
نجح النظام وحلفاؤه باستعادة بلدات صوران ومعردس، قبل أن ينتقل شمالا وغربا للسيطرة على تل المنطار وحاجزي المداجن وخربة السمان، وبلدة كفير الطيبة، والمزارع شمال وغرب طيبة الإمام كافة.
سمحت سيطرة قوات النظام على مثلث صوران- معردس- طيبة الإمام من التحرك في محورين: الأول نحو الغرب عبر استعادة السيطرة على حلفايا، والثاني إلى الشمال الغربي للسيطرة على اللطامنة التي تقع في أقصى الريف الشمالي إلى الجنوب الغربي من مدينة مورك القلعة الاستراتيجية الأهم بالنسبة لفصائل المعارضة، من حيث كونها البوابة الرئيسة للعبور من حماة إلى محافظة
إدلب.
تشير تحركات النظام وحجم القصف الجوي المشترك مع الروس، إلى استراتيجية جديدة لم تكن متبعة قبل ذلك، فقد كانت قوات النظام تتحاشى الاقتراب إلى هذه المناطق، التي تشكل معقل الفصائل المسلحة.
ثمة تفسيران لهذا الوضع الجديد: الأول أن النظام استغل الهدنة العسكرية والتزام بعض الفصائل بها، واستغل الخلافات بين الفصائل العسكرية، خصوصا الخلاف بين جبهة "فتح الشام"، النصرة سابقا وحركة "أحرار الشام".
فمعارك المعارضة في حماة لا تنطلق من قرار عسكري موحد تابع لغرفة عمليات واحدة، فقد انطلقت معركة "قل واعملوا" دون مشاركة بعض الفصائل وفي مقدمتها "أحرار الشام" التي رفضت المشاركة في العملية.
لكن بعد أيام قررت "أحرار الشام" فتح معركة لوحدها تحت اسم "صدى الشام" مع "جيش النصر"، واتجهت نحو مدينة كرناز شرقي مدينة السقيلبية غربا، لكن الهجوم فشل، ما أثار غضب "جبهة فتح الشام"، كون جبهة السقيلبية بعيدة ولا جدوى عسكرية من السيطرة عليها.
أمام هذا الواقع وخسائر فصائل المعارضة تراجعت "أحرار الشام" عن هجومها هذا وقررت دعم معركة "قل واعملوا"، لكن الأوان قد فات بعد نجاح قوات النظام من استعادة أهم المدن البلدات، التي كانت الفصائل سيطرت عليها.
والتفسير الثاني للهجوم الكبير الذي يشنه النظام مرتبط بمدينة خان شيخون جنوبي محافظة إدلب، وبحسب بعض التسريبات، فإن هناك قرارا
روسيا بالسيطرة على هذه المدينة مهما كلف الأمر، قبيل وصول لجنة التحقيق الدولية، في ظل انشغال الولايات المتحدة بمعارك
الرقة، واستعداداتها العسكرية في الجنوب، والمناطق الحدودية مع العراق.
والغاية من ذلك، ربما تكون طمس أي آثار متبقية للهجوم الكيماوي على المدينة.
ومهما كانت الأسباب وراء هذا الهجوم الكبير، فإن الأيام المقبلة ستشهد اشتدادا أكثر للمعارك مع انتقال المعارك من وسط المحافظة إلى ريفها الشمالي، وستكون قرية البويضة واللحايا عنوان الصراع.
ويبدو إلى الآن أن دمشق وموسكو عازمتان على اختراق الريف الشمالي لحماة، ليس بسبب أهميته الاستراتيجية بالنسبة للفصائل المسلحة في إدلب فحسب، بل أيضا لإنهاء مرحلة الهجمات المتكررة التي تشنها الفصائل بين الفترة والأخرى على مناطق النظام في عمق المحافظة.
غير أنه من الصعب التكهن بمسار المعارك، فعلى الرغم من السرعة التي استعاد النظام فيها طيبة الإمام وحلفايا، تبقى البلدات الشمالية أصعب بسبب الانتشار الكثيف لفصائل المعارضة وبعض الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل جبهة "هيئة تحرير الشام" التي نجحت في امتصاص هجوم النظام وحلفائه، واستعادة المبادرة ولو جزئيا عبر استعادة السيطرة على بلدة المصاصنة.
*حسين عبد العزيز: إعلامي وكاتب سوري