لا يوجد إنسان على وجه الأرض يستطيع أن يدافع عن القتلة أيا كانوا هم وفي أي مكان، وللأسف نرى من يهلل للقاتل، ويبرر موقفه بأن ما يقال عن جرائمه ليس إلا إشاعات ولا أدلة عليها. ومنهم من يصل لحد تبرير الجرائم بأنها حماية للمجتمع من شر أكبر، ويستوي في ذلك من ماتت ضمائرهم من مؤيدي السيسي جزار مصر والأسد جزار
سوريا.
إن إغلاق الأعين عن الحقائق وتسكين الضمائر بالأكاذيب؛ ليست إلا جريمة ثالثة يضيفها هؤلاء المهللون لجرائم الصمت والتأييد، وجميعها مواقف تدعو للاشمئزاز والاحتقار لأمثال هؤلاء.
لقد عاودني ذلك الإحساس وأنا أتابع تلاحقات الجريمة الجديدة للنظام السوري على بلدة خان شيخون، والتي راح ضحيتها المئات من القتلى والمصابين، وما تلاها من إطلاق الولايات المتحدة الأمريكية لعشرات الصواريخ على قاعدة
الشعيرات السورية.
الأمر لا يقف عند حد الترحيب بالصواريخ أو إدانتها، ولا إدانة جرائم النظام السوري أو الدفاع عنها، الأمر يحتاج منا لنظرة أعمق لما جرى ويجري على أرض سوريا منذ ست سنوات.
لقد انطلقت الثورة السورية ضمن ثورات الربيع العربي، ولم تسلم مما تعرضت له ثورات الربيع من مؤامرات ومكائد، والفارق في مسار الثورة السورية أن طرفي الصراع خططا لها منذ زمن بعيد، وحتى لا يفهم ذلك خطأ فيجب أن أوضح هنا أن طرفي الصراع ليس الثوار والطغاة، بل هما السعودية وإيران.
إن صراع السعودية وإيران ذوَي النهج الطائفي هو من الأسباب الرئيسية لمعاناة المنطقة العربية، وعلى الأخص الشام وشبه الجزيرة العربية، ولقد التقت أهداف ذلك الصراع مع أهداف قوى السيطرة العالمية وعلى الأخص الولايات المتحدة وروسيا. ولم يبدأ ذلك بالثورة السورية بل بدأ منذ عهود طويلة، عهود امتدت من قبل الثورة الإيرانية، والتي لم تستطع التخلص من النعرة الطائفية بعد انتصارها، واللوم ليس عليها وحدها، ولا ننسى وقوفها والسعودية صفا واحدا مرحبين بغزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، حتى سقط صدام ودُمرت العراق وبدأوا صراعهم على السلطة، صراعا لم ولن ينتهي.
إن غزو العراق لم يكن إلا مخططا لتمركز سيطرة القوات الأمريكية في المنطقة، ولتسهيل عمل المخابرات الأمريكية، ولتعميق الانقسام الطائفي وزرع الإرهاب بشكل مباشر. وجميعنا يعلم كيف ولد وانطلق داعش، وكيف تم تسخير أموال طائلة وتسهيلات لوجيستية حينا وغض الطرف أحيانا أخرى، بالإضافة لتأجيج مشاعر الكراهية للإسلام في الغرب.
لقد أيدت السعودية الثورة السورية منذ انطلافها وأمدتها بالعون المادي والمعنوي، وسلحت أو سهلت وصول السلاح لها، ولم يتم ذلك إلا عبر تأييد أو صمت من الولايات المتحدة، واستمر ذلك حتى انكسر جيش الأسد وبدا في الأفق أن الثورة ستنتصر، وهنا توقف الدعم وبدأ الحديث عن الحل السياسي.. ذات السياسة التي مارسوها هم والنظام السوري في لبنان، حيث كان يتنقل التأييد من جانب لآخر حتى لا يكون هناك منتصر وينهزم الجميع.
وعندما بدا أن الثورة على بعد خطوات من إسقاط الطاغية، ومع مطالب الكثيرين من الحكومات والشعوب بإعلان سوريا منطقة محظورة على طيران الأسد، توقفت المساعدات للثورة وانطلق داعش يسيطر على الأراضي ويهلك الحرث والنسل، وأصبح النظام السوري يحارب الإرهاب، فلا بد من تركه يجول بطائراته ويستخدم كل أنواع السلاح، مُباح كان أو مُحرم، وتقدمت روسيا لتقود الحرب ضد الإرهاب في سوريا، كما تقود الولايات المتحدة الحرب ضد الإرهاب في العراق.
عند ذلك الحد لا بد من أن يصمت العالم أمام قتل المدنين في سوريا والعراق، ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تمنع روسيا وسوريا من تطبيق نظرية المتعجرف الأمريكي في "الأضرار الجانبية" (Collateral Damage)، حيث وللأسف يقع ضحايا من المدنين اثناء الحروب، ولا حل لذلك، وآخرها مجزرة الولايات المتحدة جراء قصفها على الموصل، فالعدوان مشترك ومنسق بين روسيا والولايات المتحدة، وإسرائيل تعاونهم فيه وتموله أنظمة عربية.
ونعود هنا للقصف الأمريكي على مطار الشعيرات، والذي أذهلت دقته الجميع، حيث انطلقت صواريخ من البحر موجهة بدقة عالية لضرب أهداف ما. لقد ادعى الرئيس الأمريكي أنه لم ينسق مع روسيا، وكيف لنا أن نصدق ذلك ونحن نعلم أن انتخابه قد نُسق مع روسيا؟ وكيف ذلك ولم يعترض هذه الصواريخ الأمريكية أي من الغطاء الروسي من "إس 300" أو "إس "400، ولم تصب تلك الصواريخ أي مدني؟ بل لم تصب أي شخص أو معدات روسية، وادعت إحداث خسائر؟ إلا أن المطار المستهدف عاد لنشاطه في استهداف السوريين العزل، بل وأعاد قصف بلدة خان شيخون بعد أقل من 48 ساعة من استهدافه!
إن العملية ونتائجها ليست إلا استكمالا لمسرحية تدمير المنطقة التي يقوم بها النظامان الروسي والأمريكي، ومن ناحية أخري هي محاولة لإرضاء بعض العرب، وإرسال رسائل لهم بأن رضاء الولايات المتحدة عنهم هو الطريق الوحيد أمامهم. وفوق كل ذلك، فهي رسالة من رئيس أمريكي مهزوم داخليا لمؤيديه أنه لا يقبل بأن يكون مثل أوباما يهدد وحسب، وأنه واقف ضد الفاشية، علما أنه استقبل الفاشي التابع من مصر قبلها بيومين، رغم اعتراض كل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني محليا ودوليا.
يجب ألا يوهم أي منا نفسه.. فالولايات المتحدة ليست الصديق الودود، ويجب ألا ننسى أن النظام السوري استمر لمدة ستة أعوام يفعل ما يفعل بكل أنواع الأسلحة، وأنه لا فارق عند من فقد أبويه أو أطفاله إن كان ذلك السلاح مُجرم أم مُباح، فالنتيجة واحدة. لقد داوم النظام السوري، كما كل الأنظمة العربية، على فعل ما تفعله مثلما داومت الصهيونية على ذلك، فلا فارق بين آلام طفل سوري أو مصري أو فلسطيني، أو أي عربي في أي مكان.
من يستقوي بأي نظام، دوليا كان أو محليا، فهو مستسلم لمنظومة ستقضي علينا وعلى المنطقة بالكامل، إما عاجلا أو أجلا، ولن نصبح أحرارا في أي أرض كانت ما لم تتحد جهودنا ونتماسك في صف واحد.. صف الثورة العربية الشاملة التي حينها فقط لن تقصف قرانا أو أقلامنا ويومئذ فقط سننتصر.